بعد سنوات من مطالبات الجمهور، عاد الممثل المصري أحمد مكي مجددا لمسلسله “الكبير أوي”.

كلمة “مطالبات” ليست مبالغة، إذ لم يكن يمر منشور واحد لمكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون أن تجد العشرات يطالبونه بالعودة لإنتاج جزء سادس لأحد أنجح المسلسلات الكوميدية العربية وأكثرها انتشارا (الكبير أوي).

قرار العودة لإنتاج جزء جديد من عمل ما ليس قرارا سهلا، خاصة مع الشعبية الجارفة لـ”الكبير أوي”، إذ أن سلسلة من التحديات ستواجه فريق العمل، يمكن تلخيصها بكلمة “الغياب”، وهي بدورها تدل على نقطتين أساسيتين: الأولى غياب دنيا سمير غانم (لعبت دور زوجة الكبير، هدية، خلال أربعة مواسم)، ونجحت طوال المواسم الأربعة بترك بصمتها لدى جمهور العمل، والثانية غياب المسلسل وبالتالي شخصياته لفترة طويلة جدا عن الجمهور (عرض الجزء الخامس في عام 2015).

وضع هذا الغياب، كُتاب سيناريو الجزء السادس أمام تحدين أساسيين يتعلقان بملئ أولا الفراغ الذي خلّفه مغادرة دنيا سمير غانم للعمل، (وهو قرار أثر على جودة الجزء الخامس بشكل واضح)، والثاني هو غياب جزء جديد عن الجمهور، وهو ما يفتح بدوره عددا من الأسئلة، كيف تطورت الشخصيات؟ وكيف يمكن استغلال تغير ملامح الشخصيات؟ ما هي القصص التي سيطرحها العمل؟، كيف يمكن تلافي أخطاء الجزء الخامس؟ أضف إلى ذلك عشرات الأسئلة التي لابدّ أنها غزت عقول صُناع العمل والمشاهدين على حد سواء.

ورغم هذه التحديات كلها إلا أن الشعبية الجارفة للعمل، والذي تستمر أجزاءه الخمسة بحصد المشاهدات على منصات العرض الإلكترونية المختلفة، دفعت مكي للرهان وخوض السباق الرمضاني بحصان رابح، بعد ما يمكن أن نطلق عليها “سنوات التيه”، وهو وصف سأعود للحديث عنه لاحقا ضمن المقال.

إعلانات ترويجية محبطة.. قليلا!

قبل انطلاق الموسم الرمضاني، عرضت الشركة المنتجة للعمل مقطعين ترويجيين للجزء السادس(برومو)، وبرغم الانطباع الإيجابي الذي حققه المقطعين لدى جمهور مكي، إلا أنه يمكن أن نعيد هذا الانطباع إلى شعبية مكي (وهي شعبية يستحقها بجدارة) وشعبية “الكبير أوي”.

إلا أن المقطعين في الحقيقة لم يحتويا على مشاهد مشجعة ودافعة لمتابعة العمل، فلم يحتويا على أفضل النُكات المضحكة أو الجاذبة للجمهور، أو على عناصر أخرى مشجعة، ولهذا الأمر مخاطره على اعتبار أن “البرومو” إحدى أهم أدوات تسويق أي عمل فني، ورغم ذلك لم يكن تأثير الإعلان “المحبط” كبيرا، على اعتبار أنه لا يمكن الحكم على أي عمل فني من خلال إعلانه، ولأن شعبية “الكبير أوي” جارفة بطبيعة الحال.

مربوحة.. ورقة رابحة لتعويض الغياب؟

كان صُناع العمل من الذكاء بأن لا يحرقوا أوراقهم الرابحة منذ الحلقة الأولى، وفضّلوا عوضا عن ذلك، إيضاح ماذا حلّ بالكبير بعد كل هذه السنوات، وطمأنة الجمهور على شخصيات العمل الأساسية، (فزاع وأشرف وهجرس وجوني والدكتور ربيع)، هي حلقة يمكن تسميتها بـ”لمّ الشمل” بعد الغياب وإيضاح ماذا حل بالكبير والباقين، وانضمام باقي الشخصيات بالتدريج وصولا إلى شخصية “مربوحة” (لعبت دورها رحمة أحمد)، زوجة الكبير الجديدة، والتي وضعت في مقارنة مع دنيا سمير غانم، وهو تحد صعب لرحمة، والتي بالأساس لا تملك رصيدا فنيا كبيرا على صعيد الكم.

مجددا ربح أحمد مكي الرهان، ونجحت رحمة أحمد بتقديم شخصية مبتكرة حجزت من خلالها مكانا لدى متابعي ومحبي المسلسل، وبدلا من أن تقع في فخ المقارنات مع نجمة بحجم دنيا سمير غانم وشخصية “هدية”، قدمت الإضافة اللازمة، ويمكن القول إن فشل رحمة أحمد، أو شخصية “مربوحة” له أثره على العمل ككل، وبالتالي نجح صُناع العمل بالتحدي والحفاظ على الاستمرارية بعد سنوات من الغياب.

لم يكتفي العمل بتعويض الغياب وتطوير الشخصيات، بل أضاف كذلك شخصيات جديدة يمكن تطويرها في المستقبل، في حال قرر صناع العمل إنتاج جزء سابع، وقام بأداء الشخصيات وجوه جديدة ربما باتت قادرة على اكتساب فرص ظهور أكبر في الأعمال المصرية والعربية القادمة.

أما المكسب الأخير من العمل فهو لأحمد مكي نفسه، والذي يمكن القول إن عودته إلى “الكبير أوي” وتحقيق النجاح من خلاله مجددا، يعيده مرة أخرى إلى جمهوره بعد ما يمكن تسميته “سنوات التيه”، وهي السنوات التي لم تحقق أعمال مكي الفنية النجاح المأمول، سواء آخر أفلامه “سمير أبو النيل”، أو مسلسل “خلصانة بشياكة”، دون الحديث عن دوره في مسلسل “الاختيار” في جزئه الثاني العام الماضي 2021، وفي الأخير قدم مكي شخصية جديدة بعيدة عما اعتاد تقديمه، ونجح بشكل أفضل من العملين السابقين، إلا أنه نجاح لا يشبه مكي بطبيعة الحال لأسباب كثيرة لا يمكن ذكرها في هذا المقال وتحتاج لمساحة أوسع.

رسائل اجتماعية ضمن العمل.. “الحلو ما يكملش”

يعرف متابعو ومحبو أحمد مكي أن نجاحه المدوي وحضوره على الساحة الفنية العربية لم يأتي صدفة ولا عبر دعم مباشر أو غير مباشر من أشخاص أو جهات، ولعل أحد أسباب نجاحه هو محاولته تضمين أعماله الفنية رسائل اجتماعية، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، ظهر هذا الأمر عبر أغنيته “قطر الحياة” التي تدور حول إدمان المخدرات، أو عبر أفلام وأغان أخرى، ولم يخلو الـ”كبير أوي” من الأمر نفسه عبر حلقات متعددة طوال الأجزاء الخمسة.

طرح مكي خلال الجزء السادس عدة قضايا شائكة في المجتمع العربي عموما، القضية النسوية، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، الدجل والشعوذة. وأريد الحديث هنا تحديدا عن القضية النسوية والتي ناقشها مكي في إحدى حلقات المسلسل.

القضية النسوية بالأصل تعاني في العالم العربي، كما النساء عموما، من تحديات كبيرة، تبدأ من بعض المدافعات والمدافعين عنها، ولا تنتهي مع العقليات الذكورية المقللة من أهمية القضية وآثارها على المجتمع.

يُحسب لمكي بالتأكيد الحديث عن المرأة وحقوقها وقدرتها على نيل ما تريد كما ورد في إحدى الحلقات، لكن لا يمكن فهم محاولة اختصارها بجمل محفوظة تستخدمها المجتمعات العربية لتخدير القضية نفسها، والمقارنات المحفوظة والمكررة بين الرجل والمرأة، وتكرار هذه الجمل لا يخدم المرأة بقدر ما يضعها في خانة تحاول الخروج منها أصلا، وعليه حاول مكي “إنصاف” المرأة بحذر ودون الدخول بمطبات الجدل الاجتماعي، وكان من الأجدر ألا يتطرق إلى الموضوع بالأساس إن لم يكن يريد طرحه بالعمق اللازم، خاصة أن نقاش هذا النوع من القضايا يرتبط عادة بطريقة تفكير الممثل ونهجه الاجتماعي.

في المحصلة، وكما توقع الكثيرون ربح مكي الرهان، وهو يستحق أن يعود إلى القمة مجددا كنتيجة لتعب واجتهاد كبيرين قدمهما مكي عبر سنوات، وهذا ما يوصله إلى التحدي الأخير، عدم العودة إلى سنوات التيه، واستثمار نجاح الكبير أوي وتقديم ما يليق بفكره الفني على الأقل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.