عبور السوريين للحدود التركية، سواء بطرق نظامية أو تهريبا، انخفض مؤخرا. فقد قلّ عدد الأشخاص الذين يرغبون بالوصول إلى تركيا مقارنة بالأعوام السابقة، وخصوصا الأعوام التي شهدت موجات تهجير من مدن سورية مختلفة باتجاه الشمال السوري.

ولعل الأوضاع الاقتصادية، التي تعيشها تركيا مؤخرا؛ وقلة فرص العمل وانخفاض الدخل فيها؛ والمضايقات الكثيرة، التي بات يعاني منها اللاجئون السوريون في تركيا؛ والخوف من الترحيل، جميعها أسباب أدت لانخفاض عبور السوريين للحدود التركية، وخصوصا مع التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان، حول نية تركيا إعادة مليون لاجئ سوري إلى مناطق الشمال السوري، ما تسبب بحالة من الهلع والخوف وعدم الاستقرار النفسي لكثير من السوريين.

لكن رغم ذلك ما تزال حركة التهريب إلى تركيا نشيطة، ولو بوتيرة أقل، ولعل غالبية من يحاولون عبور الحدود التركية لديهم عوائل أو اقارب في تركيا، أو ممن يرغبون خوض تجربة الهجرة نحو أوروبا. ويتعرض هؤلاء غالبا لانتهاكات حرس الحدود التركي، التي قد تشمل التعذيب وإطلاق الرصاص الحي، ما أدى لوفاة وإصابة عدد من اللاجئين السوريين.

عبور مليء بالمخاطر والألم

محي الدين حرفوش شاب من ريف حمص، حاول مؤخرا اللجوء إلى تركيا رفقة عائلته، ويروي لـ”الحل نت” مشقة عبور السوريين للحدود التركية، وتفاصيل رحلته الخاصة: “هجّرنا النظام السوري، منتصف عام 2018، من ريف حمص إلى ريف حلب، حيث بقيت أعيش رفقة زوجتي وأطفالي الثلاثة، وأخي وزوجته وطفله، ونعتمد في معيشتنا على أقاربنا، الذي يسكنون في مدينة مرسين. لكن مع تردي الأوضاع الأمنية في الشمال السوري، وندرة فرص العمل، قررت عبور الحدود التركية، رفقة عائلتي وأخي”.

ويتابع حرفوش: “اتفقنا مع أحد المهربين لإيصالنا لتركيا، لقاء مبلغ مالي قدره سبع مئة دولار على الشخص البالغ، وثلاث مئة دولار على كل طفل. وبدأت رحلتنا من مدينة أعزاز، مرورا بقرى ريف عفرين، وصولا الى قرية دير صوان، الواقعة بمحاذاة الحدود التركية. ومن هناك تجاوزنا الأحراش الزراعية، ونصب المهرب سلما خشبيا على الجدار الموجود على الحدود، وقام بقص السلك الشائك. بدأنا بالصعود على السلم والنزول الى الطرف الثاني، وكان يتوجب علينا السير في الأراضي الزراعية وصولا لإحدى القرى، حيث ينتظرنا هناك مهرب آخر، من أجل نقلنا إلى مدينة كلس التركية. لكن فوجئنا بوجود الجندرما التركية، التي ألقت القبض علينا”.

ويروي المصدر انتهاكات الجندرما التركية بالقول: “كنا مجموعة مكونة من عشرين شخصا، رفقة أطفال ونساء. وقامت الجندرما بضربنا بالعصي بشكل عنيف جدا. وبعدها نقلتنا، بواسطة سيارة عسكرية، إلى إحدى الثكنات على الحدود، ووضعتنا داخل خيمة كبيرة، يتواجد بها بعض الأسرّة والبطانيات. وطلب عناصرها من النساء البقاء داخل الخيمة مع الأطفال، فيما أجبروا الرجال على تنظيف مراحيض الثكنة، إضافة لإزالة الأوساخ والحشائش من محيطها. ومن يتقاعس عن العمل يتم ضربه بقسوة. بقينا على هذا الحال ثلاثة أيام، من ثم أعادونا إلى معبر باب السلامة على الحدود السورية”.

وإذا كان حرفوش قد تعرّض للضرب وسوء المعاملة فإن الشاب حمادي عبد الحسين  فقد حياته، بعد أن أطقت الجندرما التركية النار عليه وعلى صديقه، أثناء محاولتهما عبور الحدود التركية، عبر قرى ريف الدرباسية شرقي سوريا.

قتل السوريين أثناء عبور الحدود التركية لا يتوقف

تقول مصادر غير رسمية، وبعض المنظمات الإنسانية، التي تعنى بتوثيق انتهاكات حرس الحدود التركي أثناء عبور السوريين للحدود التركية، إن عدد السوريين، الذين قتلوا برصاص الجنود الأتراك، وصل إلى 504 شخصا، بينهم 95 طفلا دون سن الثامنة عشر، و67 امرأة، وذلك حتى تاريخ الخامس والعشرين من آب/أغسطس 2021. كما ارتفع عدد الجرحى والمصابين، نتيجة إطلاق النار أو الاعتداء الجسدي، إلى 758 شخصا، من الذين يحاولون عبور الحدود، أو من سكان القرى والبلدات السورية الحدودية، أو المزارعين وأصحاب الأراضي المتاخمة للحدود.

بينما بلغ عدد الأشخاص، الذين تم إلقاء القبض عليهم، 6548 شخصا في عام 2019، و5951 شخصا حتى نهاية تموز/يوليو 2020، بحسب المصادر نفسها.

و تتكرر حالات استهداف الجندرما للاجئين السوريين، أثناء عبورهم للحدود التركية، هربا من الحرب الدائرة في بلادهم. كما قامت تركيا ببناء جدار عازل على حدودها، البالغ طولها 911 كم، لمنع دخول اللاجئين، ما يسفر عن سقوط قتلى وجرحى مدنيين بشكل مستمر.

تغير السياسات التركية تجاه اللاجئين السوريين

محمد السكري، الباحث والاكاديمي السوري المقيم في تركيا، يقول إن “السياسات التركية باتت صارمة تجاه عبور السوريين للحدود التركية بشكل غير قانوني. إذ أعلنت تركيا قبل سنوات توقفها عن استقبال اللاجئين، وقامت ببناء جدار عازل على طول الحدود، للحد من هذا النوع من اللجوء”.

ويرى السكري، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “الأسباب التي تقف وراء التعامل الشديد للجندرما التركية مع عبور السوريين للحدود التركية هي أساسا أسباب داخلية، تتعلق بعدم قدرة تركيا على استيعاب عدد أكبر من اللاجئين. إضافة لتغير السياسة التركية في هذا المجال، إذ باتت أنقرة تركّز على توفير بيئة محايدة، وفق ما نصت عليه  بيانات أستانة الأخيرة لإعادة اللاجئين السوريين”.

مضيفا: “مع ذلك تستمر محاولات العبور والتهريب من مناطق شمال سوريا إلى تركيا، عبر بعض المهربين، وذلك يعود لانعدام أبسط مقومات الحياة في مناطق الصراع، واستهداف مناطق المعارضة بشكل مستمر، من قبل قوى مختلفة، ولا سيما القوات الروسية والميلشيات الإيرانية”.

مقالات قد تهمك: زعيم المعارضة التركية: “اللاجئون السوريون يدخنون الأراغيل بتركيا.. وجنودنا يدافعون عن أرضهم”

الضباط الأتراك وفصائل المعارضة مستفيدون من عبور السوريين للحدود التركية

وللتعرف على طبيعة نشاط مافيات التهريب، التي تسهّل عبور السوريين للحدود التركية، التقى موقع “الحل نت” مع الإعلامي المستقل أبو أسامة، المقيم في مدينة عفرين، والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.


أبو أسامة يرى أنه “من المستحيل أن يعمل هذا العدد الكبير من المهربين في مناطق الشمال السوري، التي تعج بالفوضى والسلاح، دون أن يكونوا محميين من السلطات العسكرية المسيطرة على تلك المناطق، أو من عسكريين أتراك نافذين”.

 مضيفا أن “قسما كبيرا، إن لم يكن جميع الفصائل  العسكرية المسيطرة في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات بريف حلب، تعتمد على تهريب البشر والمخدرات، من أجل تأمين المال اللازم لاستمرار وجودها، إضافة إلى المساعدات التركية التي تتلقاها”.

ويؤكد أبو اسامة أن “الأتراك يعلمون ممارسات هذه الفصائل جيدا، ويعرفون أسماء القادة العسكريين والفصائل المسؤولة عن التهريب ومنافذه، لكن دون اتخاذ أي إجراء حقيقي. وربما يعود هذا لتلقي ضباط أتراك نافذين لرشى كبيرة، لقاء صمتهم عن الأمر. وكل ذلك على حساب اللاجئين، فعبور السوريين الاضطراري للحدود التركية، يكلفهم مدخراتهم الشحيحة، وربما حياتهم وحياة أطفالهم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.