الإدارة الأميركية، خلال الأشهر الماضية، كثفت جهودها عبر عقد عدة اجتماعات إقليمية ومحلية في شمال شرقي سوريا مع قادة من مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” (الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”)، من أجل التوصل إلى قرار يهدف إلى تحسين الوضع المعيشي وتعزيز الاستقرار في بعض المناطق الشمالية السورية الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، وكذلك لمنع إحياء تنظيم “داعش” الإرهابي مجددا، ونتج عن ذلك القرار الأميركي الأخير بالسماح بأنشطة استثمارية أجنبية في قطاعات معينة في المنطقة.

لكن الإمعان في قرار وزارة الخزانة الأميركية بشأن إعفاءها لبعض مناطق الشمال السوري من العقوبات، يظهر عدة عقبات تقف بوجه الاستثمارات في المنطقة، أبرزها “التصعيد العسكري من قبل أنقرة ودمشق” على المناطق الشمالية بسوريا، وبالتالي خلق معوقات وصعوبات أمام الشركات الاستثمارية في المنطقة إذا ما صعد الطرفان كما فعلا خلال الفترة الماضية.

كما أن العائق الآخر الأبرز هو عدم وجود معابر رسمية مفتوحة في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، قد يعيق أو لا يشجع الاستثمار في المنطقة، حيث أن معبر اليعربية/ تل كوجر الرسمي المحاذي للحدود السورية من الجانب العراقي حتى الآن مغلق نتيجة فيتو روسي-صيني منذ نحو عامين.

وعليه، تثار التساؤلات حول مدى لعب كل من تركيا والحكومة السورية دورا في سبيل إحداث حالة من “عدم الاستقرار”، بهدف منع جذب الشركات الأجنبية للاستثمار في المناطق الشمالية الشرقية بسوريا، ومدى سلبية إبقاء معبر اليعربية/ تل كوجر مغلقا أمام الاستثمارات، وحول الخطوات التي يمكن أن تتخذها واشنطن في سبيل التغلب على هذه العقبات في حال حدوث هذا الأمر فعليا.

خطوات قانونية لجذب المستثمرين

إزاء إصدار واشنطن قرار إعفاء مناطق في شمال شرق وشمال غرب سوريا من العقوبات الأميركية، برزت اعتراضات كانت متوقعة من قبل حكومتي دمشق وأنقرة، فادعت الأولى بأن الولايات المتحدة تقدم مساعدات لـ”التنظيمات الإرهابية المسلحة” في تلك المناطق، وأنها هي التي أدت إلى تدمير الإمكانيات الاقتصادية السورية. فيما اتهمت تركيا، القرار الأميركي بإضفاء الشرعية على “وحدات حماية الشعب” الكردية، المكون الأكبر لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، والتي تزعم أنقرة أن تلك الوحدات هي امتداد لـ “حزب العمال الكردستاني”، المحظور في تركيا.

بينما ينفي مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية، أن يكون استثناء مناطق في شمال شرق وشمال غرب سوريا من العقوبات الأميركية، خطوة سياسية ودعما لاستقلالها ذاتيا، وإنما فقط هي خطوة اقتصادية تهدف إلى تحسين حياة السكان في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.

وكان مسؤولون أتراك انخرطوا مع نظرائهم الأميركيين في مناقشة هذا القرار، ولم تكن أنقرة راضية عن صيغته النهائية، مع أنه شمل مناطق خاضعة لنفوذها في ريف حلب.

وحول مدى احتمالات بروز العوائق خلال الفترة المقبلة في المنطقة، يرى المحلل السياسي الدكتور فريد سعدون، “بكل بساطة ما فائدة القرار الأمريكي بإعفاء المناطق الشمالية الشرقية من سوريا من العقوبات الاقتصادية، إذا كانت المنطقة غير مستقرة ولا تشكل بيئة آمنة للاستثمار؟، لذا فمن هي الشركات التي ستغامر وتأتي إلى المنطقة من دون وجود عقود رسمية أو أي تغطية قانونية للموضوع، أعني أن أي شركة لا تخاطر بملايين الدولارات في المنطقة، وهي تعلم جيدا أن المنطقة معرضة لخطر اجتياح ​​تركي أو اشتباكات مسلحة في أي وقت”.

ويردف في حديثه لموقع “الحل نت”، “لذلك، لكي يكون الأمريكيون صادقين وجادين في قرارهم، لا بد من تهيئة الأرضية المناسبة للاستثمار، وهذا يتطلب شيئين مهمين جدا، أولا: الجانب القانوني، أي في حال رغبت الشركات بالاستثمار في المنطقة، يجب أن يكون بموجب عقود نظامية، والتعاملات المالية أن تتم عبر البنوك، ومن المعروف أن البنوك لا تتعامل إلا بالعقود النظامية والرسمية، وبالتالي يجب “سن قانون” في البداية يمهد الطريق للمعاملات المالية الرسمية للمحافظة على التسهيلات المالية”.

وعلى صعيد آخر ومن أجل جذب وتشجيع الشركات الأجنبية للاستثمار في المنطقة، على الهيئات الدولية وعلى رأسها واشنطن، في المرحلة المقبلة، السعي لإعادة فتح معبر اليعربية/ تل كوجر الرسمي على الحدود السورية-العراقية، وذلك لتسهيل عمل الشركات بالمنطقة، وخاصة من الناحية اللوجستية، من حيث إدخال المعدات والمستلزمات، بحسب مصدر خاص مقرب من “الإدارة الذاتية”.

وأضاف المصدر الخاص نفسه، لموقع “الحل نت”، “صحيح أن هذا القرار له تأثير إيجابي على المنطقة، لكن نتائجه الاقتصادية سيكون محدودا، وليس بهذا الزخم الكبير، وبدون وجود معابر رسمية (معبر اليعربية/ تل كوجر) مفتوحا، لن يأخذ هذا القرار دوره وتأثيره الحقيقي في المنطقة”.

قد يهمك: الأسد وأردوغان في خندق واحد بعد إعفاء الشمال السوري من العقوبات الأميركية؟

ضرورة وجود حل سياسي

ضمن هذا السياق، قال مسؤولون أميركيون إن “التفويض لا يسمح بأي نشاط مع الحكومة السورية، أو الأشخاص الخاضعين للعقوبات”، وإنه “لن نرفع العقوبات عن الحكومة السورية أو حلفائها، ولن نطبع العلاقات مع دمشق حتى يتم إحراز تقدم لا رجعة فيه نحو حل سياسي للصراع وفق القرار 2254”. لكن، هل يعتبر هذا خطوة إضافية من واشنطن في التعاطي مع الواقع في سوريا؟ هل هي خطوة إضافية لتثبيت “الحدود” بين مناطق النفوذ الثلاث، الحكومة السورية ومناطق “الإدارة الذاتية” ومناطق المعارضة السورية المدعومة تركياً، بحسب تقارير صحفية.

وبالعودة إلى المحلل السياسي الدكتور سعدون، حول مدى صعوبة الاستثمار بالمنطقة في حال عدم وجود استقرار أمني، “الشيء الآخر لتهيئة البيئة المناسبة للشركات الأجنبية في سبيل جذبها إلى المنطقة هو تحقيق الاستقرار في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، وهذا الأمر مطلوب من الأمريكان، حيث أن البنوك لا تمول أي استثمار في أي منطقة لا يوجد فيها استقرار أمني”.

وفي تقدير المحلل السياسي، الذي تحدث لموقع “الحل نت”، أنه “لن يتحقق هذا الاستقرار إلا بحل سياسي، خاصة مع التهديدات التركية في المنطقة من حين لآخر، فضلا عن تعنت الحكومة السورية تجاه أي حل سياسي شامل لسوريا وللمنطقة بشكل خاص”.

وخلص حديثه بالقول: “هناك عدة عقبات في تنفيذ القرار الأمريكي في المنطقة، فالشركات في حال أتت إلى المنطقة وبدأت بالاستثمار، لكن في حال أول هجوم تركي على المنطقة، حتى لو كان عن طريق (المسيرات) التركية فإن هذه الشركات ستغادر على الفور”.

“وكذلك الأمر يتعلق بالحكومة السورية التي تتصادم مع الإدارة الذاتية من وقت لآخر في المنطقة، ويمكن للحكومة السورية أن تحرك بعض قواتها وأدواتها بمساعدة الدول الداعمة لها (إيران وروسيا) في المنطقة بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في مناطق شمال شرقي سوريا وبالتالي منع الشركات الأجنبية من الاستثمار في المنطقة جراء التحركات التركية والسورية”، وفق تعبيره لموقع “الحل نت”.

قد يهمك: دور أميركي في سوريا لضبط التحركات التركية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.