لا تتوقف وزارات الحكومة السورية بشكل أسبوعي منذ أشهر، عن إصدار القرارات التي تزيد من معاناة السوريين في مواجهة متوسط تكاليف المعيشة، لا سيما تلك القرارات المتعلقة برفع أسعار المواد الأساسية وأبرزها المحروقات، التي بدورها تنعكس على معظم السلع والخدمات في البلاد.

عادة ما يتم نشر قرارات رفع أسعار المواد الأساسية عبر المعرّفات الرسمية للحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت لوزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، الحصة الأكبر من عملية نشر القرارات، الأمر الذي عرضها لسيل من الانتقادات عبر صفحتها الرسمية في الـ “فيسبوك”.

لكن الوزارة عمدت مؤخرا إلى إسكات جمهورها من السوريين ووقف هذه الانتقادات، وذلك عبر حظر التعليق على القرارات الرسمية، لا سيما تلك التي تتعلق برفع أسعار المواد الأساسية، حرصا وحفاظا على “هيبة” الدولة، بحسب ما نقلت صفحات محلية.

“الهيبة راحت”؟

“هيبة” الدولة، إذا يبدو أنها مرتبطة بصوت السوريين الذين ينتقدون قرارات رفع الأسعار، والتي لا توازيها أبدا قرارات مماثلة تتعلق برفع مداخيل السوريين، ما يمكّنهم من مواجهة ارتفاع الأسعار وتقليل الفجوة بين الدخل ومتوسط تكاليف المعيشة، لذلك فإن السبيل للحفاظ على “هيبة” الدولة هو إسكات مواطنيها وحظرهم من التعليق.

آخر القرارات التي نشرتها وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، كان قرار رفع سعر البنزين وتضمن القرار الصادر عن الوزارة، الإثنين ، رفع أسعار البنزين “أوكتان 95” والمازوت الحر والفيول والغاز “السائل دوكما” الموزعة للقطاع الصناعي والقطاعات الأخرى. وبموجب القرار الجديد، أصبح سعر لتر البنزين “أوكتان 95” 14700 ليرة سورية بدلا من 13500، ولتر المازوت الحر 12800 ليرة بدلا من 11550.

الوزارة سعّرت مبيع الفيول بثمانية ملايين و532 ألف و400 ليرة سورية للطن الواحد، والغاز “السائل دوكما” بسعر عشرة ملايين و40 ألف ليرة سورية للطن الواحد

الوزارة حظرت بالطبع التعليق على المنشورات التي تضمنت هذه القرارات، لأنها تعلم مسبقا أنها ستكون عبارة عن سيل من الانتقادات، خاصة وأن رفع أسعار المحروقات سيكون له تأثير على مختلف السلع والخدمات، وبالتالي زيادة الأعباء الاقتصادية على المواطنين.

ارتفاع الأسعار في سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية سجّل تسارعا تاريخيا، إذ إن بعض السلع أصبحت ترتفع بنسبة مئة بالمئة بين اليوم والآخر، الأمر الذي جعل من مهمة التسوق مهمة مرعبة لمعظم السوريين، الشاهدين على انهيار قوّتهم الشرائية أمام صعود متوسط تكاليف المعيشة في البلاد.

في ظل موجات الغلاء التي ضربت مختلف السلع والخدمات في سوريا، تشهد الأسواق خلال الأسابيع الماضية، حالة من الفوضى غير المسبوقة، حيث اتجهت العديد من المتاجر والمطاعم الشعبية إلى الإغلاق بشكل كامل، خوفا من البيع بخسارة، وذلك نتيجة التذبذب في التكاليف التشغيلية بين اليوم والآخر.

على الرغم من زيادة الرواتب التي أعلنت عنها الحكومة السورية قبل نحو أسبوعين، يجد معظم السوريين رواتبهم لا تكفي لسد تكاليف 20 بالمئة من الاحتياجات الأساسية والغذاء، وتؤكد التقارير المحلية، أن أسعار السلع والمواد الغذائية قفزت بشكل “مخيف” خلال الأيام الماضية، متأثرة بالقرارات الحكومية الأخيرة.

متوسط تكاليف المعيشة

نحو ذلك، قفز متوسط تكاليف المعيشة لأُسرة سورية مكونة من خمسة أفراد، إلى أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية أي نحو 700 دولار أميركي، أما الحد الأدنى فقد وصل إلى 6.489.694 ليرة سورية، بينما ارتفع الحد الأدنى للأجور ظاهريا ليصل إلى 185.940 ليرة سورية، أي أقل من 12.6 دولار شهريا.

بالتالي فقد صَعد متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، خلال النصف الثاني من شهر آب/أغسطس الجاري، بمقدار 3.823.333 ليرة سورية عن متوسط التكاليف التي سجّلها “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة” بسوريا في شهر تموز/يوليو الماضي.

قد يهمك: كيف ساهم جنون الأسعار في تعزيز مكانة الأسواق الشعبية في سوريا؟

طبقا لتقرير حديث نُشر عبر جريدة “قاسيون” المحلية، فإن مؤشر “قاسيون” الاستثنائي يعتمد طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية مكونة من خمسة أشخاص شهريا، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري، وذلك بناءً على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة.

بعد الإعلان عن عمليات رفع الدعم الأخيرة، شهد وسطي تكاليف معيشة الأُسرة السورية ارتفاعا بحوالي 3.823.333 ليرة سورية عن وسطي التكاليف التي سجلها “مؤشر قاسيون” في شهر تموز/يوليو الماضي، حيث انتقلت هذه التكاليف من 6.560.178 ليرة في بداية تموز/يوليو 2023، إلى 10.383.511 ليرة، بينما ارتفع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بحوالي 2.389.583 ليرة، منتقلا من 4.100.111 ليرة في بداية تموز/يوليو إلى 6.489.694 ليرة، أي أن التكاليف ارتفعت فعليا بنسبة قاربت 58.3 بالمئة خلال الفترة من بداية شهر تموز/يوليو الماضي حتى النصف الثاني من شهر آب/أغسطس الجاري.

هذه الارتفاعات في تكاليف المعيشة تتزامن مع تخفيض القيمة الحقيقية للأجور في البلاد، فبينما كان الحد الأدنى للأجور في بداية عام 2023 92.970 ليرة قادرا على تغطية حوالي 2.3 بالمئة من وسطي تكاليف المعيشة، أصبح الآن وبعد ارتفاعه رسميا بنسبة 100 بالمئة، 185.940 ليرة، غير قادر بنتيجة الارتفاعات المبدئية للأسعار التي لم تنتهِ وتستقر بعد سوى على تغطية 1.7 بالمئة من وسطي تكاليف المعيشة.

في السياق ذاته، ارتفع الحد الأدنى لتكاليف الغذاء الأساسية الشهرية لأسرة من خمسة أفراد من 2.460.067 ليرة في بداية تموز/يوليو 2023، إلى 3.893.817 ليرة حاليا، وذلك بالاعتماد على وسطي أسعار هذه المكونات في الأسواق الشعبية بالعاصمة دمشق، علما أن الأسعار شهدت تخبطا وارتفاعات متباينة بين منطقة وأخرى، وبشكلٍ أكبر بين المحافظات السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات