حقيقة تلاعب دمشق بمصير مئات الآلاف من المعتقلين وعوائلهم، اتضحت بعد العفو الذي أصدره الرئيس السوري، بشار الأسد، في 30 نيسان/أبريل الفائت، والذي أحيا صدمة تعيشها عائلات الأسرى والمفقودين، فلأول مرة منذ 2011، صدر مرسوم عفو عن الأسد، يشمل سوريين معتقلين بتهم “الإرهاب” وهي التهمة الأكثر شيوعا ضد الذين يعارضون الحكومة، لكن المفزع لم يتم نشر قائمة رسمية بالأسماء، مما يجعل من الصعب تقييم نطاق الإجراء.

من الناحية النظرية، يعتبر هذا العفو، التنازل الأهم الذي قدمته الحكومة السورية لخصومها السياسيين والعسكريين منذ بداية الصراع، لكن وبالنظر إلى الأرقام التي وصفت بالمخيبة للآمال، يبدو أن هذا المرسوم يندرج ضمن إطار دعاية دمشق بأنها في صدد تغيير سلوكها، وبأنها تعمل على الإفراج عن المعتقلين في سجونها، فضلا عن اختلاقها لآلية مناورة جديدة مع المجتمع الدولي، وكذلك مع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الذي تبنى سياسة “خطوة مقابل خطوة”، ويعتقد أن دمشق قد استجابت لهذه السياسة التي أعلن عنها نهاية العام الماضي.

مرسوم لا أثر له ولا يؤخذ به

أوقع العفو الذي أصدره الرئيس السوري آلاف العائلات السورية، التي لا تعرف ما إذا كان أبناؤها المسجونون ما زالوا على قيد الحياة أم لا، في شك لا يطاق، إذ لم يتم نشر أي قائمة رسمية بالأسماء، ولا يزال عدد السجناء المفرج عنهم غير واضح، انتظرت العائلات أياما تحت جسر الرئيس بدمشق على أمل العثور على قريب لها.

رئيس “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، المحامي أنور البني، وصف قرار العفو، بأنه “حبر على ورق”، مؤكدا أن السلطات السورية أطلقت حوالي 500 معتقل، وهذا الرقم بالنسبة للقضية السورية “لا شيء يذكر”، كما أنه لا يعبر عن أية فرصة لإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، أو كل المعتقلين بسوريا، أو حتى إحالتهم للمحاكم.

وأشار البني، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن معظم المعتقلين الذين أفرج عنهم، أنهوا مدة حكمهم، أو أتموا تسوية أوضاعهم في المصالحة التي فرضتها روسيا على الحكومة السورية والمعارضين لها، فيما تقدر أعداد المعتقلين أو المختفين قسرا لدى الدولة السورية، بأكثر من 150 ألف شخص.

من جهته، ذكر رئيس “الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين”، المحامي فهد الموسى، لـ”الحل نت”، أن مرسوم العفو الأخير مجرد “مسرحية هزلية”، قام بها الأسد، للفت انتباه المبعوث الدولي غير بيدرسن، في مؤتمر المانحين ببروكسل، والذي عقد في الأسبوع الفائت.

سلاح لن يتخل عنه الأسد

في الحالة السورية، لا يُعرف الكثير عن المعتقلين بعد اعتقالهم، كما لا تتجرأ العائلات السورية في البحث عن أبنائها نظرا للسلطة الأمنية التي تتبعها أجهزة الحكومة، وعليه يجزم البني، أن المعتقلين هم أقوى سلاح بيد السلطات السورية، ولن تتخلى عنه، وبالتالي “لن تحل هذه إلا بسقوط النظام نهائيا”. وفق تعبيره.

ويبيّن البني، أن الآلية الوحيدة للضغط على دمشق في ملف المعتقلين عبر أصحاب القرار في الدول الغربية، لأن أول من أهدر قضية المعتقلين هم برأي رئيس “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، المنظمات والمؤسسات السياسية الذين نصبوا أنفسهم ممثلين للقضية السورية.

ولذلك، وبحسب الموسى، فإنه لا توجد نية حقيقية لدى نظام الأسد بالإفراج عن المعتقلين، وبيان مصير المختفين قسريا وتسليم جثامين من قتلوا تحت التعذيب إلى أهلهم وذويهم، وطبقا لحديثه، فإن المجتمع الدولي والمبعوث بيدرسن يملكون الكثير من وسائل الضغط، وأقلها تسمية الأشياء بمسمياتها، ووضع جدول زمني لحل أي قضية، مع تجميد عضوية سوريا في مجلس حقوق الإنسان، أسوة بتجميد عضوية روسيا بعد ارتكابها جرائم حرب في أوكرانيا.

آلاف أم مئات؟

الترقب الأكبر، كان حول معتقلي سجن صيدنايا العسكري، والذي يعتبر أسوأ السجون السورية على الإطلاق، خاصة مع التقارير السابقة للعديد من الدول والمنظمات الحقوقية التي أكدت حدوث عمليات إعدام جماعي فيه، إضافة إلى موت عدد كبير من معتقليه نتيجة للتعذيب والأمراض، وحتى الآن وبعد مرور أكثر من 15 يوم على صدور العفو، لم تكن أعداد المعتقلين المفرج عنهم من صيدنايا مقاربة للتوقعات والتفاؤل من بعض المراقبين.

السلطات السورية، أفادت اليوم الثلاثاء، أنه تم إطلاق سراح الآلاف من السجناء السوريين بموجب “العفو” الجديد، لكن تقييمات منظمات حقوق الإنسان، أظهرت أنه تم إطلاق سراح 476 فقط.

مدير دائرة القضاء العسكري في دمشق، اللواء محمد كنجو، قدر أن آلاف السوريين استفادوا من “العفو”، بالنظر إلى شمول المرسوم الموقوفين على جرائم “إرهابية”، وكل من تتم ملاحقتهم بسبب دعاوى قائمة أمام القضاء العسكري، وكذلك من هرب من وجه العدالة عن تلك الجرائم.

وذكر كنجو، أن العفو يحقق مجموعة من الأغراض السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، فضلا عن أنه منح المعتقلين فرصة جديدة للعودة إلى العمل والبناء.

وفي السياق ذاته، أوضح القاضي العسكري، العقيد أحمد طوزان، أن مرسوم العفو ينطبق فقط على السوريين المستوفين لشروط قانون الجنسية السوري، ولا يسري على الموقوفين الفلسطينيين أو من جنسيات أخرى، مشيرا إلى أن الأرقام والإحصائيات حاليا “غير مستقرة وتتزايد كل يوم”.

على صعيد متصل، وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، الإفراج عن 476 شخصا من المعتقلين بموجب العفو، بينهم 55 امرأة و13 كانوا أطفالا حين اعتقالهم، فضلا عن 98 شخصا أجروا عملية تسوية، فيما لا يزال 132 ألف شخص قيد الاعتقال أو الإخفاء القسري.

ومن جانبها، أوضحت الشبكة، أنه “في الأصل لا يوجد أساس قانوني لآلية تجريم المعتقلين السياسيين، ويتم توجيه التّهم سواء وفق قانون مكافحة الإرهاب، أو قانون العقوبات العام، استنادا إلى الاعترافات التي انتزعت منهم تحت التعذيب والإكراه”، مضيفة، أن القرار الأخير “لا يختلف عن مراسيم العفو الثمانية عشر التي أصدرت منذ عام 2011، والتي لم تفلح في إطلاق سراح المعتقلين”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.