في المشهد السياسي العراقي، الانقسامات هي سيدة الموقف. شيعيا وكرديا وحتى سنيا قليلا، لكن الحزبين الكرديين “البارتي” و”اليكتي” يحاولان التقارب مؤخرا فيما بينهما، فهل ينجحان في توحيد البيت الكردي؟

غالبا ما يكون التقارب هو السائد بين “الحزب الديمقراطي الكردستاني” أو “البارتي” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” أو “اليكتي” كما يعرف كرديا، وذلك لا يعني عدم اختلافهما.

الاختلافات بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، عادة ما تكون ضئيلة وهي تتعلق بمنصب رئاسة الجمهورية فقط، وبدأت تلك الاختلافات لأول مرة في عام 2018، وانتهت بعد اختيار برهم صالح لمنصب رئاسة العراق.

كان الانقسام في 2018 بين “البارتي” و”اليكتي” حول أحقية كل منهما بالمنصب، ولم يتفقا على مرشح واحد كما جرت العادة منذ 2006 وحتى 2018، فدخل كل منهما بمرشحه، وفاز برهم صالح مرشح “اليكتي” على حساب فؤاد حسين، مرشح “البارتي”.

اختلاف اليوم عن 2018

التوازن الكردي في الواقع السياسي العراقي المبني على أساس المحاصصة المكوناتية بعد 2003، أعطى رئاسة العراق لصالح “الاتحاد الوطني”، مقابل أن تكون رئاسة حكومة إقليم كردستان من نصيب “الحزب الديمقراطي”.

“الديمقراطي” يبدو أنه سئم من ذلك التقاسم في ٱخر انتخاباتين في 2018 و2021، خاصة بعدما ازدادت مقاعده النيابية، مقابل تراجع ملحوظ لدى “الاتحاد الوطني”، ما جعله يفكر بترك التوازن والسعي لأحقيته وفق مقاعده البرلمانية.

الاختلاف الحاصل اليوم، هو الأشد من نوعه، إذ مضت عليه 7 أشهر ونصف، دون حلول تذكر؛ لأن “البارتي” يصر على أحقيته بمنصب رئاسة العراق، و”اليكتي” يقول إن العرف لا يمكن تغييره، والمنصب من حصته.

رشّح “الحزب الديمقراطي” وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد لمنصب الرئاسة، فيما أعاد “الاتحاد الوطني” ترشيح الرئيس العراقي الحالي برهم صالح للمنصب، والإصرار على عدم التنازل لأحدهما هو سيد الموقف.

لم تُحل الإشكالية الحاصلة هذه المرة مثلما جرى في 2018، بدخولهما لمجلس النواب، ليفوز من يحصل على أكثر الأصوات من أعضاء البرلمان؛ نتيجة عدم حضور الأغلبية المطلقة لجلسة مجلس النواب الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية.

في 2018، جرت العملية بانسيابية؛ لأن البيت الشيعي الذي يملك أكثر المقاعد نيابيا كان على توافق دون انقسام، عكس اليوم، فالانقسام هو السائد أيضا بين “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي”.

تقارب.. لا تقارب؟

“البارتي” التحق بـ “التيار الصدري” و”السيادة” وتم تشكيل تحالف “إنقاذ وطن”، فيما تفاهم “اليكتي” مع “الإطار التنسيقي”، وبالتالي شكّل “الإطار” مع الأخير الثلث المعطّل، الذي يعرقل حضور أغلبية الثلثين “المطلقة” لجلسة البرلمان الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية.

ذلك الانقسام، عقّد الأمور وجعل البلاد في حالة انسداد سياسي شبه غير مسبوقة، ولذا لا حلول دون تنازلات أو تقاربات، والتنازل بدأ منذ أسبوعين، بزيارة رئيس إقليم كردستان، والقيادي في “البارتي” نيجرفان بارزاني إلى “اليكتي” في السليمانية.

بعد تلك الزيارة، حدثت زيارة مماثلة من قبل زعيم “اليكتي” بافل طالباني إلى أربيل، والتقى بقيادات “البارتي”، والهدف هو التفاهم والتقارب بين الحزبين لحل الإشكاليات العالقة بينهما، بحسبهما.

منذ الزيارة الأولى والثانية التي تلتها، يتحدّث الإعلام عن قرب توافق “الحزب الديمقراطي” مع “الاتحاد الوطني” حول رئاسة الجمهورية، والدخول بمرشح واحد، فهل سبحدث ذلك أم هي جعجعة بلا طحين؟

يرى الأكاديمي والمحلل السياسي علاء مصطفى في حديث مع “الحل نت”، أن التوافق الكردي الكردي بين “البارتي” و”اليكتي”، شبه مستحيل في الوقت الحالي.

يضيف مصطفى، أن ما يعرقل إمكانية التقارب بين “الديمقراطي” و”الاتحاد الوطني”، هي مشاكل عديدة داخل الإقليم، أبرزها التنسيق الأمني بين السليمانية وأربيل، وتقاسم نفط الإقليم بينهما.

توازنات إقليمية

مصطفى يردف، أن ما يحدث حاليا هو محاولة حلحلة الإشكاليات الداخلية الحاصلة فيما بينهما في الإقليم، ولم يتم التطرق لملف رئاسة الجمهورية. ذلك الملف مؤجل لحين حل أمور الإقليم الداخلية، بحسبه.

“فيما بعد، إن نجح الطرفان في التقارب بينهما بتلك القضايا، سيجدان نفسهما أمام أصعب قضية وهي رئاسة الجمهورية الاتحادية؛ لأن لا أحد منهما يفكر بالتنازل للآخر عن المنصب هذه المرة”.

النقطة الأخرى وهي الأهم وفق مصطفى، أنه حتى لو نجح “البارتي” و”اليكتي” في التوافق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، فلن يتمكنا من حل الانسداد السياسي الحالي، بحسب قوله.

عن السبب، يبيّن أستاذ العلاقات العامة الدولية، أنه لا أحد منهما سيلتحق مع الآخر في تحالف “إنقاذ وطن” أو “الإطار التنسيقي”، أي بمعنى “البارتي” سيبقى مع “إنقاذ وطن”، و”اليكتي” مع “الإطار”.

لماذا لا يلتحق “الديمقراطي” و”الاتحاد الوطني” معا بأحد الطرفين من البيت الشيعي؛ لأن كل حزب لديه التزاماته وعلاقاته الإقليمية، فالأول مع أنقرة والثاني مع طهران.

“من المعروف أن تركيا مع حكومة أغلبية يديرها “إنقاذ وطن”، وإيران تدعم حكومة توافقية يشترك فيها “الإطار التنسيقي”، وبالتالي فإن التحاق أحدهما بمعسكر ما، سيعرض علاقاته والتزاماته الإقليمية للخطر، وهو ما يتجنبانه نهائيا”، يقول مصطفى مختتما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.