يواجه العمل الإعلامي في إدلب كثيرا من المعوقات والمشاكل، إذ تواصل “المديرية العامة للإعلام”، وهي من مؤسسات ما يعرف بـ”حكومة الإنقاذ”، التابعة لهيئة تحرير الشام، التضييق على النشطاء الإعلاميين، والمماطلة في منحهم البطاقات الصحفية، التي تمنع الهيئة كل من لا يحملها من ممارسة النشاط الإعلامي في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

ويفرض مكتب العلاقات الإعلامية في المديرية العامة للإعلام شروطا تعجيزية على الراغبين في العمل الصحفي، فيما منح كثيرا من البطاقات الصحفية للعاملين ضمن مؤسسات هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ والجهات التابعة لهما، دون أي ضوابط أو قيود. في ظل ما يعتبره كثيرون سياسة ممنهجة لتقييد حرية العمل الإعلامي في إدلب، وتهميش فئة معينة من النشطاء الإعلاميين، بسبب توجهاتهم وآرائهم، على حساب آخرين يوالون الهيئة.

وخلال الفترة الماضية عمل مكتبا العلاقات الإعلامية في كل من هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ، بشكل متواز، على تتبع ومراقبة عمل النشطاء الإعلاميين، حتى عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ووصل عدد كبير من التنبيهات والإنذارات للنشطاء، عبر أرقام هاتفية وهمية، أو تابعة بشكل رسمي للسلطات في إدلب، بسبب منشوراتهم على موقعي فيسبوك وتويتر، التي تنتقد الهيئة وحكومتها، أو أي جهة تتبع لها.

شروط تعجيزية على العمل الإعلامي في إدلب

ناشط إعلامي من مدينة إدلب تحدث لموقع “الحل نت”، شريطة عدم الكشف عن هويته، مؤكدا أن “تحرير الشام تفرض شروطا شديدة الصعوبة على العمل الإعلامي في إدلب. فهي لا تمنح البطاقة الصحفية إلا لمن مارسوا المهنة لمدة أربع سنوات على أقل تقدير، ويوجد عدد كبير من الناشطين الإعلاميين بدأوا العمل مؤخرا، والظروف في المحافظة تمنعهم من مراكمة الخبرة الصحفية. كما أن الهيئة تفرض عليهم تقديم ما يثبت عملهم مع الوكالات والقنوات وغيرها من الجهات الإعلامية، ومعظم الناشطين والصحفيين يعملون بشكل مستقل، وبالتالي هم غير قادرين على تزويد الهيئة بالوثائق المطلوبة. فضلا عن اشتراط حيازتهم لشهادة أكاديمية في المجال الإعلامي، وجميع النشطاء الإعلاميين لا يملكون شهادة في الصحافة. وبالتالي فهذه الشروط، ضمن الوضع في إدلب، تعني بكل بساطة إيقاف عمل الأغلبية الساحقة من الناشطين الإعلاميين”.

 إضافة لكل ما ذكر أعلاه يفرض مكتب الإعلام في الهيئة على النشطاء الصحفيين الموافقة على أحكام ما يسمى “قانون الإعلام”، مقابل حصولهم على البطاقة الصحفية، دون السماح لهم بدراسته، ومعرفة تفاصيله.

ويحتوي القانون على عدد من الثغرات، التي تعرقل حرية العمل الإعلامي في إدلب، من خلال إضافة عبارات عامة، مثل “يجب أن تكون الحرية بوعي ومسؤولية”، ما يتيح للأجهزة الأمنية التابعة للهيئة ملاحقة الصحفي أو الناشط الإعلامي، ومعاقبته متى شاءت، وبأية حجة تريدها.

وتقوم هيئة تحرير الشام بمعاقبة من يقوم بإعداد مواد إعلامية ناقدة لها، حسب قانون الإعلام، الذي يمنع الإعلامي من التعاون مع ما تسميه “الوكالات المعادية وغير المرغوب فيها”، أي التي تخالف توجهاتها. ويُلزم القانون وكالات الأنباء بنشر ردود حكومة الإنقاذ على أي تقرير أو خبر ينتقد سياستها، ويقوم بفرض عقوبات متنوعة على من “ينشر أكاذيب أو بيانات مضللة، من شأنها المساس بالنسيج الاجتماعي، وإثارة الفتن والاضطراب الأمني”، قد تصل للإيقاف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر.

وتمنع تحرير الشام الوكالات المحلية من قبول التبرعات إلا وفق الأسس التي تحددها، بهدف التدخل بكل الشؤون المالية للوكالات المحلية، إضافة لإلزام الوكالات يدفع مبلغ مالي لصالح “النفع العام”، كما يسميه قانون الإعلام.

محاولات لتجميل سياسات الهيئة

موقع “الحل نت” جرّب التواصل مع المديرية العامة للإعلام في حكومة الإنقاذ، لسؤالها عن تقييد العمل الإعلامي في إدلب، فوصله رد خالد الشقفة، مدير الشؤون الصحفية في المديرية، الذي جاء كما يلي: “تمت صياغة قانون ناظم للعمل الصحفي في إدلب، بما يضمن حرية الصحافة وحقوق الصحفيين، عبر عدد من اللجان، وسلسلة طويلة من الجلسات والاجتماعات المطولة، وبمشاركة ممثلين عن الإعلاميين. وتم وضع القانون من قبل أهل الاختصاص الحقوقي والقانوني. ومن الفصول التي شملها القانون آلية منح البطاقة الصحفية ودورها وصلاحياتها، ومن هم الصحفيون الذين تمنح لهم هذه البطاقة. وذلك بعد مطالبة عدد كبير من الصحفيين والناشطين الاعلاميين بضرورة ضبط العمل الصحفي، ومنع الفوضى القائمة، نتيجة كثرة الممارسين للمهنة، دون أدنى دراية بأخلاقياتها ومعاييرها وأصولها”.

وأضاف الشقفة: “تمنح المديرية العامة للإعلام البطاقة الصحفية للإعلامي، الذي تنطبق عليه الشروط، دون أي تأخير. ولكن التأخير يكون حين عدم توافر الشروط في الإعلامي المتقدم، الذي يقوم بوضع اللوم على مديرية الإعلام. علما أننا نمنح تصريح عمل مؤقت، يخوّل الصحفي التصوير في جميع المناطق، لمن لا تنطبق عليه الشروط، بغية تسهيل العمل الصحفي”.

كثير من الصحفيين في المنطقة يعتبرون هذا النوع من الردود محاولة لتجميل سياسات هيئة تحرير الشام، وإخفاء تضييقها على العمل الإعلامي في إدلب. إذ يؤكدون أن كل “اللجان والمختصين”، الذين ذُكروا في الرد، لم يساهموا سوى بجعل العمل الصحفي مستحيلا، إلا للموالين للهيئة.

مقالات قد تهمك: المنظمات المدنية في إدلب: هل توظّف “هيئة تحرير الشام” العمل المدني والإغاثي لمصلحتها؟

تسهيل عمل الإعلام الغربي

يأتي التضييق على العمل الإعلامي في إدلب في الوقت الذي تتغنى فيه مكاتب هيئة تحرير الشام الإعلامية باستقبال الوفود الأجنبية، وتسهيل حركتها وتنقلاتها في مناطق سيطرة الهيئة دون أية قيود، مع مرافقة أمنية، وتأمين مستلزمات كاملة للتغطية الإعلامية.

وكانت هيئة تحرير الشام قد نشرت بيانا، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، زعمت فيه توفيرها “بيئة مناسبة للإعلاميين”، رغم الحقائق التي تشير إلى عكس ذلك. وقد أثار البيان حفيظة نشطاء سوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفعهم لتفنيد مزاعم الهيئة، ذاكرين وقائع عديدة، حول التضييق على العمل الإعلامي في إدلب.

الناشط الإعلامي، الذي رفض الكشف عن هويته، أكد أن “الانتهاكات، التي ترتكبها تحرير الشام، لا تعد ولا تحصى. وفي الوقت الذي تتغنى فيه بتقديم تسهيلات لعمل الإعلاميين الأجانب، تقوم باعتقال وملاحقة الإعلاميين المحليين المعارضين لسياستها، وتمنعهم من الحديث عن الانتهاكات التي ترتكبها في المنطقة. ولديها جيش إلكتروني، يعمل على مراقبة حسابات النشطاء الإعلاميين على منصات التواصل الاجتماعي، لضبط ما يقومون بنشره، ومنعهم من إيصال ما ترتكبه إلى العالم. وبذلك يصبح العمل الإعلامي مهنة شديدة الخطورة على حياة ممارسيها”.

من جهته أوضح فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لموقع “الحل نت” أن “سبب اهتمام هيئة تحرير الشام بالإعلام الغربي هو رغبتها بتبييض صورتها، وسعيها لإزالة اسمها من قوائم الإرهاب. أما الإعلام المحلي فهو غير مهم بالنسبة لها، لأنها تدرك تماما أنها غير قادرة على تلميع صورتها أمامه، بسبب معرفة الصحفيين في المحافظة بالانتهاكات التي ترتكبها، وآليات حكمها. وهو الأسلوب نفسه الذي تتبعه حكومة دمشق، التي تهتم بالإعلام الأجنبي، الذي يمكن أن يناسب غاياتها، وتضيق على الصحفيين المحليين وتقمعهم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.