تأتي أهمية التحويلات المالية الخارجية، بوصفها شريان الحياة والمنقذ الحقيقي للسوريين، الذين يعيشون ظروفا غير مستقرة، تجعل حالهم المعيشي صعبا جدا، ولا سيما الفئات الضعيفة أو الأكثر هشاشة.

إن دراسة التحويلات وتسليط الضوء عليها في سياق الحالة السورية يكتسب أهمية عملية وكذلك معرفية، نظرا لعدم توفر الوثائق المتاحة، وحساسية تبادل المعلومات حول أنشطة التحويلات وأهدافها، وهل تصل إلى المستفيدين المقصودين أم تذهب إلى مسارات مختلفة وتمويل خاطئ وخطر، مما يجعل عملية تتبع مسار الحوالات الرسمية وغير الرسمية بالغ الصعوبة، بحسب الخبير الاقتصادي أحمد كنعان.

سياسة جديدة

مؤخرا دعا خبير اقتصادي، المشرفين على إدارة مصرف سوريا المركزي، إلى تبني سياسة جديدة في التعامل مع حوالات المغتربين، خاصة مع اعتماد 70 بالمئة من السوريين في الداخل عليها في تدبير أمورهم المعيشية.

ونقل موقع “هاشتاغ” المحلي، عن الخبير الاقتصادي حسين القاضي، قوله، إن الأكثر فائدة هو تسليم الحوالات التي يتم تحويلها من الخارج بالعملة ذاتها التي يحول فيها المغتربون الأموال إلى أهاليهم في سوريا.

ولفت القاضي إلى أنه، في حال تم تسليم هذه المبالغ بعملة البلد الذي تم التحويل منه ( دولار، أو جنيه استرليني، أو يورو.. إلخ) فإن هذا “سيحقق أكثر من هدف اجتماعي إضافة للأهداف الاقتصادية”، على حد وصفه.

ووفق القاضي، “ستزيد الثقة بين المغتربين وسوريا بسهولة التحويل من جهة، وسيساهم في تنشيط الاقتصاد عن طريق وصول مبالغ أعلى إلى الأهالي الذين سيستثمرونها في مجالات مختلفة تنتهي بحركة اقتصادية نشطة”.

وتابع ”بالتالي، فإن أرباح تسليم الحوالات بقيمتها الحقيقية سيحقق فوائد أعلى من الفوائد التي يحققها البنك المركزي من فرق التسعيرتين بين السوق الحر وسعر البنك المركزي”، على حد قوله.

الحوالات إلى سوريا

كان مصرف سوريا المركزي قد رفع سعر شراء الدولار لتسليم الحوالات أكثر من مرة مؤخرا، لكنها ظلت أقل من سعر السوق السوداء، وكان آخر تعديل على سعر الدولار في 13 نيسان الماضي حيث وصلت إلى 2814 ليرة سورية.

وأواخر شهر نيسان/أبريل الفائت، أعلنت شركة “الهرم” للصرافة، اعتمادها سعر صرف السوق السوداء، في التحويلات المالية، التي تصل إلى السوريين من خارج البلاد.

من جانبه، قدّر الباحث الاقتصادي عمار يوسف في إحدى تصريحاته لوسائل إعلام محلية، أن نحو 5 ملايين دولار تدخل إلى سوريا يوميا، عن طريق السوريين المغتربين، على شكل حوالات مالية، يعتاش عليها 70 بالمئة من السوريين.

وأشار يوسف حينها إلى أن غالبية الحوالات تصل بطرق غير نظامية عن طريق السماسرة، مرجعا سبب ذلك إلى أن الفرق بين سعر صرف الدولار الحكومي وسعره بالسوق السوداء يصل إلى حوالي 20 بالمئة.

يلجأ سوريون في الخارج لمساعدة ذويهم في سوريا ماليا عبر الحوالات، لكن الفارق بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء يدفعهم لإرسالها عبر السوق السوداء.

وتُقيد دمشق الحركة على الحوالات بضبطها في قنوات خاصة يستفيد من خلالها من فروقات سعر صرف الدولار مقابل الليرة والمحدد قبل رفعها حاليا بـ 2500 ليرة سورية لدى مكاتب الحوالات المرخصة رسميا، فيما يتم التسليم بسعر يقترب من 4000 لكل دولار خارج هذه المكاتب، مما يجعل بعض المستفيدين يفضلون تسلم حوالاتهم خارج النظام المالي الرسمي.

ويعتمد معظم المقيمين في مختلف المحافظات السورية على تلك الحوالات المالية، خاصة بعد انخفاض كبير للقيمة الشرائية لليرة السورية وارتفاع المستوى العام للأسعار بشكل كبير.

مساعدة الداخل

نتيجة للصراع الدائر في سوريا، لجأ خلال عشر سنوات أكثر من سبعة ملايين سوري إلى دول خارج سورية، وبينما لجأ معظم السوريين إلى بلدان الجوار، وخاصة تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق، فإن نحو مليون من بينهم لجؤوا إلى بلدان متقدمة، وبالرغم من صعوبة ظروفهم كلاجئين، فإنهم يلعبون دورا بارزا في مساعدة من بقي من ذويهم على الأراضي السورية، وفق الخبير الاقتصادي أحمد كنعان.

ومد العون لأهاليهم في الداخل، عبر حوالات مالية شخصية تساعدهم في التكيف مع صعوبة ظروفهم المعيشية في الداخل التي تزداد قسوة يومًا بعد يوم، حيث “يبلغ عدد الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة حوالي 13،1 مليون”، حسب أرقام الأمم المتحدة. وبحسب بيانات البنك الدولي، فإن الدول المجاورة لسوريا (تركيا، الأردن، لبنان، السعودية، العراق) تمثل 76 بالمئة من مصدر التحويلات الواردة إليها، و24 بالمئة من بقية الدول.

لأن سعر الفائدة الحالي لا يغطي مخاطر التضخم، صرح الدكتور علي كنعان، الأستاذ والباحث الاقتصادي والمدير العام السابق للبنك الصناعي، أنه نظرا لارتفاع معدلات التضخم، يجب أن يرتفع سعر الفائدة تدريجيا إلى أكثر من 11 بالمئة، حتى يستقر السعر من أجل تشجيع الإيداع والإقراض.

وفي مقابلة مع إذاعة “ميلودي” المحلية، قال كنعان، إن التحويلات أفضل من الوقود لأنها بلا تكلفة، وأنه عندما تصل 100 دولار أو 1000 دولار إلى سوريا، وهو مبلغ شبه مجاني لاقتصاد الوطن يستطيع أن يستورد به السلع والمواد اللازمة كونه أتى من مصادر خارجية.

ووفقا لحديث كنعان، فإن على الحكومة أن تشجع وترفع سعر الحوالات بعدة طرق، فهي تحصل على قطع أجنبية بدون تكلفة، ويتم تصريف سعرها بالليرة السورية محليا، كما يجب أن تشجع أصحاب الحوالات على إدخال هذه المبالغ إلى البلاد، مما يمكّن الحكومة من تمويل الواردات.

ويدعي كنعان أن حكومة دمشق كانت تتجاهل عملية الإنتاج خلال العامين الماضيين، بدليل أنها ثبتت سعر الصرف، وبالتالي كيف سيزداد الطلب، علما أن تثبيت السعر بحاجة إلى زيادة في الأجور ولكن العكس حدث فأصبح ارتفاع الأسعار السمة الحالية للبلاد.

ومضى كنعان يقول إنه عند اتخاذ قرارات إدارية لأهم أدوات السياسة النقدية، فإنها تدخل في حالة انكماشية من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض مستوى الإنتاج والبطالة والاعتماد على الواردات بدلا من الصادرات. مؤكدا أن زيادة الأجور ليست سببا للتضخم بل هي إجراء تعويضي عن نقص الطلب.

وفي شهر شباط/فبراير الماضي، فرضت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” شروطا جديدة على مستلمي الحوالات المالية.

وأصدرت الهيئة تعميما طالبت فيه شركات الحوالة المالية الداخلية، بـ”إلزام مستلمي الحوالات المالية بكتابة اسم الأم مع الكنية بجانب الاسم الثلاثي لمستلم الحوالة بالإضافة لتوقيعه بخط اليد”.

وفي تبريرها للتعميم الذي نشرته إذاعة “ميلودي إف إم” في ذلك الوقت، قالت الهيئة إن هذا التعميم جاء “بعد ورود حالات من تشابه الأسماء الثلاثية لمستلمي الحوالات”.

ولاقى التعميم استهجانا وسخرية من قبل رواد التواصل الاجتماعي، متسائلين: “كيف سيحدث تشابه الأسماء وهناك شيء اسمه رقم هاتف ورقم وطني، بالإضافة إلى الرسالة التي تصل إلى المستلم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.