يثار الحديث من جديد عن احتمالية إنشاء منطقة آمنة في الجنوب السوري، في الوقت الذي تعزم فيه تركيا على إقامة “منطقتها الآمنة” في الشمال السوري، وفي وسط زحمة هذه المشاريع للمناطق الآمنة في سوريا، تبرز عدة تساؤلات حول الاحتمالية الفعلية لإنشاء هذه المناطق، وكذلك ما التبعات التي ستترتب داخل الملف السوري على خلفية إنشاءها، وفيما إذا كانت هذه المناطق ستؤسس لفيدرالية بنموذج سوري خاص، في ظل عدم موافقة سكان هذه المناطق، وإنما يأتي إنشاء هذه المناطق وفق رغبات إقليمية لخدمة أمنهم القومي ومصالحهم الخاصة على ما يبدو، فكيف سيتأثر مصير الحل في سوريا بسبب هذه المناطق.

هل المناطق الآمنة قادمة؟

العديد من التقارير والمعطيات على الأرض، خاصة خلال الآونة الأخيرة تشير إلى إمكانية تنفيذ منطقة آمنة في الشمال برعاية تركية، وأُخرى في الجنوب برعاية أردنية وعربية، خاصة مع التغلغل الإيراني في الجنوب بشكل خاص.

الصحفية السورية، سميرة المسالمة، ترى خلال حديثها لـ”الحل نت”، أن الدول ذات الصلة بالملف السوري، تمارس نزع السيادة عن الحكومة السورية من خلال فرض حلولها من الخارج، وهذا ما حدث في الشمال، ويجري العمل عليه في الجنوب.

من جهته، سليمان القرفان، عضو وفد المجتمع المدني في اللجنة الدستورية السورية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن احتمالات إنشاء مناطق آمنة في الشمال والجنوب قائمة، وهناك مؤشرات على الأرض تدل على هذا الأمر، فبالنسبة للشمال صرحت تركيا بأنها ستقوم بإنشاء “منطقتها الآمنة”، بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية، والعملية التركية باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع الحشود العسكرية التركية التي بدأت بدخول الأراضي السورية.

وأما بالنسبة للجنوب، فالمعطيات على الأرض تشير إلى صيف ساخن أيضا، ومن المتوقع أن تكون هناك منطقة آمنة قد تقرر إنشاؤها مع نهاية الصيف الحالي، مشيرا إلى الإجتماع الذي حصل مؤخرا في الإمارات، وهو متعلق بشكل أساسي بالمنطقة الجنوبية، سيكون حجر أساس للمنطقة الآمنة في الجنوب، دون الشمال، بحسب القرفان.

وحول الاجتماع، أكد القرفان، أنه حضر فيه، 10 من قادة الفصائل السابقين في محافظة درعا، و4 قياديين من السويداء، و5 آخرين من القنيطرة، بمشاركة من كل من الأردن، والسعودية والإمارات، وبمباركة أميركية، مبينا أنه سيتم طرح المشروع بشكله النهائي خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة خلال الشهر الحالي.

أما السياسي وعضو اللجنة الدستورية، بشار الحاج علي، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الحديث عن مناطق آمنة لم يتضح بشكل كامل بعد، باستثناء المطلب التركي بمنطقة آمنة في الشمال، أما في الجنوب فما زال الحديث حول تكهنات بإقامة منطقة عازلة، خاصة بعد تصريح مسؤولين أردنيين عن خطر الميليشيات الإيرانية جراء عمليات التهريب.

وأشار الحاج علي، إلى أن أقصى ما يمكن أن يتم في الجنوب هو إيجاد قوى أمر واقع تسيطر على منطقة آمنة في حال تم إنشاؤها، تكون تابعة لدول ذات نفوذ على الأرض.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هدد منذ مطلع الشهر الماضي بشن عملية عسكرية في بعض مناطق الشمال السوري، من أجل “إقامة منطقة آمنة” تركية بعمق 30 كيلو متر، يمكن لها أن تستوعب أكثر من مليون لاجئ سوري يقيم حاليا على الأراضي التركية.

بينما أشار تقرير سابق لـ”الحل نت”، إلى أنه خلال زيارة الملك الأردني، عبدالله الثاني، الأخيرة لواشنطن، تسربت معلومات حول مناقشة إنشاء منطقة آمنة في الجنوب السوري، خاصة بعد الأنباء عن انسحاب الروس وزيادة النفوذ الإيراني، وازدياد عمليات التهريب من سوريا للأردن.

الملك الأردني، في لقاء مع برنامج “باتل غراوندز” العسكري، التابع لمعهد “هوفر” في جامعة ستانفورد الأميركية، منتصف الشهر الماضي، قال إن “ملء إيران ووكلائها الفراغ، الذي ستخلفه روسيا في سوريا، قد يؤدي إلى مشاكل على طول الحدود الأردنية”.

إقرأ:“منطقة آمنة” في الجنوب السوري.. ما الاحتمالات؟

المناطق الآمنة والفيدرالية ما الفرق بينهما؟

فروق عديدة من الناحيتين السياسية والقانونية بين المناطق الآمنة، والفيدرالية، فالأخيرة تأتي كنوع من الشكل النهائي لطبيعة الحكم في البلد.

سميرة المسالمة، ترى أن المناطق الآمنة، التي تقوم الدول بإنشائها تتبع بشكل كامل لهذه الدول، ولا تدخل ضمن تسمية “الفدرالية”، لأن الحديث عن “الفدرالية” يكون ضمن توافق وطني، وهو شكل الدولة الجديد، وليس ما يفرض على الدولة من خلال اقتطاعات لأراضيها.

وأيضا يرى سليمان القرفان، أن إنشاء المناطق الآمنة، لا يعني الذهاب نحو الفدرلة، بل هي مرحلة مؤقتة قد تكون كعلاج لفترة محدودة، ريثما يتم التوصل لحل سياسي، مشيرا إلى أن وجودها في الوقت الحالي أمر ضروري جدا، خاصة في ظل غياب إجماع دولي حول الحل السياسي.

أما الحاج علي، يشير إلى أن احتمال قيام مناطق آمنة كما يعرفها القانون الدولي صعبة جدا في ظل التناقضات الدولية الحالية، خاصة مع الغزو الروسي لأوكرانيا، وإذا ما تم إنشاء هذه المناطق خارج نطاق مجلس الأمن فستكون عبارة عن واقع ميداني، ولن تتحول إلى إدارات أو فيدراليات، لأنها ستدار من قبل الدول التي أنشأتها.

قد يهمك:إيران في الجنوب السوري: ما الذي يقلق الملك الأردني من ضعف النفوذ الروسي في سوريا؟

هل ستؤثر المناطق الآمن على شكل الحل في سوريا؟

المناطق الآمنة، وعند تشكيلها فإنها تترك العديد من الآثار على الحل السياسي في سوريا في المستقبل، كما أنها يمكن أن تمهد لإقامة نظام حكم فيدرالي.

وفي هذا السياق، ترى المسالمة، أن الحل دائما يجب أن يكون بالتوجه نحو القرار الدولي 2254، والذي يمكنه فعليا ضمان توافق وطني لتأسيس نظام سياسي واقتصادي يضمن استقلال وسيادة سوريا، وفي ذات الوقت تنمية مستدامة لمناطق سوريا عبر فيدرالية متوافق عليها من قبل كل الأطراف السورية وبما يضمن حقوق السوريين.

ومن جهته، يرى القرفان، أن الحل في سوريا لا يزال بعيدا، لذلك برز التوجه لإنشاء المناطق الآمنة، والتي ما هي إلا حل مؤقت، ستكون بمثابة ورقة للضغط لإيجاد صيغة نهائية للحل في سوريا، كما أنها خطوة لإعادة قسم من اللاجئين، وفق تعبيره.

وأشار القرفان، إلى أن هذه المناطق الآمنة، لن تؤدي إلى تشكيل نموذج خاص بالفدرلة في سوريا، فقرار إنشائها أكبر من الحكومة السورية، ومن المعارضة، مبينا أنه لا يتوقع إقامة حكم فدرالي في سوريا، بل ربما سيكون هناك في المستقبل لامركزية موسعة.

ومن جهته، خلُص الحاج علي، إلى أن قدرة السوريين على إيجاد حل سياسي محدود التأثير، وبات الأمر دوليا، وفي حال تم إنشاء مناطق آمنة فذلك سيشكل ضغطا على دمشق، وحلفائها لإيجاد حل سياسي مقبول من خلال قرار ملزم من “مجلس الأمن الدولي”.

إقرأ:تحركات مريبة للروس في الجنوب السوري.. ماذا تريد موسكو؟

ترقب كبير لما قد تحمله الأيام القليلة القادمة، فموضوع إنشاء مناطق آمنة بات الحديث الأبرز حول حلول مؤقتة في سوريا، وذلك في ظل تعنت حكومة دمشق بالقبول بحل سياسي يرضي جميع السوريين، ووسط تمدد كبير للميليشيات الإيرانية في مختلف المناطق وسيطرة إيران على العديد من مفاصل القرار السياسي والاقتصادي السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.