تصعيد جديد توعدت به تقارير إسرائيلية، مشيرة من خلالها إلى عزم القوات الإسرائيلية، ترسيم حدود لها مع سوريا تتواجد في أنحاءه عناصر تتبع للنفوذ الإيراني في المنطقة.

الحدود الحديثة لإسرائيل نتيجة كل من الحروب السابقة، والاتفاقيات الدبلوماسية بينها وجيرانها اثنان فقط، من إجمالي خمسة حدود برية لإسرائيل معترف بهما دوليا وغير متنازع عليهما، بينما لا تزال الحدود الثلاثة الأخرى محل نزاع؛ فغالبية نزاعاتها الحدودية متجذرة في التغييرات الإقليمية التي حدثت نتيجة للحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، والتي شهدت احتلال إسرائيل لمساحات واسعة من الأراضي من خصومها.

توجد حدود لإسرائيل المعترف بها رسميًا، والمثبتة مع مصر والأردن منذ معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 و1994 معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن، بينما حدودها مع سوريا عبر مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، ولبنان عبر الخط الأزرق، والأراضي الفلسطينية (الأراضي التي تحتلها إسرائيل معترف بها إلى حد كبير كجزء من دولة فلسطين)، معترف بها دوليا على أنها متنازع عليها.

مؤخرا، كشفت أوساط عسكرية إسرائيلية عن خطة لإعادة “تصميم الحدود”، تتضمن استمرار الغارات بالدبابات، وتنفيذ الهجمات السرية، ووضع علامات بارزة على الحدود الجديدة. حيث قال تقرير لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن الجيش الإسرائيلي يخوض معركة هادئة ومتفجرة ضد “حزب الله” اللبناني وإيران لإعادة ترسيم الحدود مع سوريا، وما يحدث في هضبة الجولان دليل على ذلك، ولكن إلى أي مدى قد يصل التصعيد الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، وكيف سيكون شكل المعارك على الحدود الإسرائيلية السورية؟

مصالح إسرائيل وخياراتها في سوريا

مع قلة القدرة على التأثير في نتائج الأحداث السورية، ومع اهتمام محدود بالتدخل في النزاع القائم منذ سنوات بخلاف تنفيذ الهجمات على أراضيها أو الرد عليها، يبدو أن إسرائيل كانت فاعلا سلبيا في الأحداث الأخيرة التي حصلت في سوريا، لكن لدى إسرائيل بالفعل مصالح أمنية جوهرية تسعى للتقدم في سوريا، بشكل أساسي، تقليل النفوذ الإيراني، ومنع نقل الأسلحة المتطورة إلى “حزب الله” اللبناني، ومنع سوريا من تشكيل تهديد عسكري لإسرائيل أو السماح لإيران بالقيام بذلك.

تقويض شرعية سوريا في مرتفعات الجولان، ومنع الجيش السوري من إقامة بنية تحتية أو قواعد عملياتية على طول حدود إسرائيل، هو الهدف الأساسي لدى الإدارة الإسرائيلية منذ أعوام، وحتى السنوات القادمة، ما لم تحدث اتفاقيات أو حرب تنهي هذه المخاوف، بحسب المحلل العسكري، العقيد هيثم خطاب.

ووفقا لما تحدّث به خطاب لـ”الحل نت”، فإنه ما لم يتغير مسار الصراع السوري بشكل كبير، فإنه من المرجح أن تتمثل إستراتيجية إسرائيل في مراقبة الأحداث بدقة، واتخاذ أقل قدر ممكن من الإجراءات المباشرة اللازمة، لترسيم الحدود مع سوريا ولبنان ولو بشكل افتراضي.

وبحسب خطاب، فإن إسرائيل قصفت مواقع الجيش السوري والميليشيات الإيرانية التي خرقت الاتفاقات الدولية، وقصفت أراض عبر الحدود، حيث استهدفت إسرائيل عناصر “حزب الله” وقوافل نقل الأسلحة.

وطبقا لما تحدث به المحلل العسكري، فإن خيارات إسرائيل في سوريا محدودة للغاية، إذ يمكن لإسرائيل منع المساعدة الإيرانية لـ “حزب الله” من خلال قصف مخابئ الأسلحة وشحنات العتاد الموجهة للجماعة. ومع ذلك، ليس لديها قدرة كبيرة على التأثير على الأحداث على الأرض في سوريا.

وقد ركزت الجهود السياسية والعسكرية على إبقاء المقاتلين الإيرانيين و”حزب الله” بعيدا عن المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية، حيث يشكلون تهديدات محتملة لأمن إسرائيل.

جاهزية دمشق للحرب

من الواضح أن إسرائيل ترى تهديدا مباشرا في الدور الإيراني في سوريا، وهو متقارب مع الرؤية الروسية كون روسيا أيضا تدرك خطورة وجود إيران في سوريا على مصالحها في سوريا، وهذه المصالح تتضارب مع المصالح الإيرانية بنشر أفكارها في سوريا ،ولذلك الرؤية الروسية ليست بعيدة عن الرؤية الإسرائيلية حيال الملف السوري، وملفات أخرى في الشرق الأوسط، وفقا للمحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع.

كانت إيران تبحث عن طرق إمداد بديلة، خاصة لنقل مكونات ما يسمى بمشروع “حزب الله” (المشروع المسمى بحلف المقاومة والممانعة) للصواريخ الدقيقة، وهذا المشروع يمثل مصدر قلق كبير لإسرائيل، بسبب قدرته على تحويل بعض من آلاف الصواريخ الموجودة في ترسانات المجموعة إلى مقذوفات دقيقة قادرة على الضربات المباشرة لقلب إسرائيل خلال حرب مستقبلية، مما يشل البنية التحتية الحيوية، لذلك بحسب حديث بريجع لـ”الحل نت”، فإن إسرائيل بدأت تدرك خطورة هذا المشروع الإيراني في المنطقة ،والذي قد يحول المنطقة إلى حلبة صراع  كبيرة بين أطراف مختلفة و المستفيد الوحيد من ذلك إيران.

ويقول بريجع، قد “يتم إعادة تشكيل هذه الصواريخ منخفضة الدرجة من خلال تزويدها بأنظمة ملاحة موجهة بالأقمار الصناعية. وهذه المكونات صغيرة جدا، ويمكن تمويهها بسهولة كأمتعة على متن رحلات الركاب المنتظمة من إيران إلى سوريا، لذلك يعتقد المسؤولون الإسرائيليون، أن إيران بدأت في تسليمهم ليس فقط مباشرة إلى سوريا من إيران، ولكن أيضا عبر دولة أوروبية”.

تشير صور الأقمار الصناعية الأخيرة، إلى أن إسرائيل قصفت مطار دمشق مرتين على الأقل في الشهر الماضي ومرة أخرى في 10 حزيران/يونيو الفائت، مما تسبب بأضرار كبيرة ووقف عملياته، وهذا جاء رد على التحركات الإيرانية المزعومة.

الهجمات الإسرائيلية المزعومة على مطار دولي نادرة للغاية، ومن المرجح أنها تشهد على الأهمية الكبيرة، التي توليها إسرائيل لإحباط تسليم مكونات الصواريخ لـ”حزب الله” وأذرعها في المنطقة، يُفترض أن هذه الهجمات، هي في الغالب تحذير لدمشق من أنه إذا استمرت عمليات التسليم، فقد يتعطل مطارها الرئيسي لفترة أطول.

وعن التصعيد الإسرائيلي في سوريا، يعتقد المحلل السياسي الروسي، بأنه يمكن أن يحدث تصعيد كبير الآن، وهذا الشي نوعا ما مرتبط بالملف الأوكراني، والصراع الروسي الغربي،  والذي ترى إيران فيه نفسها حليف لروسيا.

واستبعد بريجع، أن تكون دمشق جاهزة لا أي معركة مع إسرائيل ولن ترد على إسرائيل، كما أن روسيا لن تسمح بذلك فقط، إذا غيرت إسرائيل موقفها حيال روسيا وحيال العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وبذلك يمكن أن تعطي روسيا الضوء الأخضر بدمشق للرد على الهجوم الإسرائيلي.

إيران قوضت ترسيم الحدود

في صيف وخريف عام 2010، كانت الوساطة الأميركية الهادفة إلى السلام بين إسرائيل وسوريا تكتسب زخما، فاتفق الجانبان على أن الولايات المتحدة يمكن أن تقدم مسودة معاهدة، وتنقل النص بين دمشق وتل أبيب للتعليقات والمراجعات المقترحة.

مع بزوغ فجر عام 2011، تم إحراز تقدم كبير في تحديد السمات البارزة لـ “خط 4 يونيو 1967” الخط في وادي نهر الأردن المتاخم لمرتفعات الجولان، وهو خط المواجهة بين القوات السورية والإسرائيلية قبل اندلاع الحرب في حزيران/يونيو 1967.

وهذا هو الخط الذي أصرت سوريا على أن تنسحب إسرائيل بموجب معاهدة سلام. وكان هذا الخط هو الذي سيشكل، في حالة السلام، الحدود الدولية بين إسرائيل وسوريا. ولكن على الرغم من استمرار مسح الحدود مترا بمتر، بحلول أوائل عام 2011، كانت القضية الإقليمية المهمة الوحيدة التي لا تزال محل نزاع، هي موقع الخط فيما يتعلق بالجزء العلوي من نهر الأردن الذي يتدفق إلى بحيرة طبريا.

ومع ذلك، فإن التقدم في القضايا الإقليمية زاد من قلق رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، بشأن استعداد الرئيس السوري، بشار الأسد، للوفاء بالاتفاق مع إسرائيل من أجل السلام، إذ بدأت ملامح إعادة الاصطفاف الاستراتيجي الكامل لسوريا مع إيران، و”حزب الله” في لبنان، و”حماس” في غزة الفلسطينية تطفو على السطح.

وقبل المضي قدما في عملية دبلوماسية تنطوي على خطر سياسي محتمل، أراد نتنياهو التأكد من أن الأسد ملتزم شخصيا بإعادة الاصطفاف الجيوسياسي الكامل لسوريا، إلا أن الأسد بحسب المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى سوريا، فريدريك سي هوف، لم يقدم التزاما بشأن شكوك نتنياهو، مدعيا أن سوريا لديها اتفاقيات أمنية مع إيران و”حزب الله”.

ما هي خطة الحدود بين البلدين؟

مع إعلان لبنان الأسبوع الفائت، إنه من المتوقع أن تتوصل مع إسرائيل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية في أيلول/سبتمبر القادم، أشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن الجيش الإسرائيلي يراقب حالة التعافي التي يمر بها الجيش السوري، وسعي النظام للتقارب مع عدد من الدول العربية للحصول على أموال لإعادة الإعمار، فيما يحول دون ذلك الانتشار الإيراني في سوريا، وهي معضلة لم تجد لها دمشق حلّا حتى الآن، إذ يتم إعادة تشكيل الحدود الشمالية لإسرائيل من كلا الجانبين.

كانت المحادثات السابقة بين سوريا وإسرائيل، قد توصلت إلى أنه في القطاع الشمالي من المنطقة منزوعة السلاح التي تم إنشاؤها بموجب هدنة عام 1949، سترسم لجنة الحدود، الحدود بناء على الأدلة المتاحة لها فيما يتعلق بفصل المدنيين الإسرائيليين والعرب والقوات العسكرية قبل حرب حزيران/يونيو 1967 على النحو الذي يسجله قوات “اليونفيل” التابعة للأمم المتحدة، حيث سيكون نبع بانياس على الجانب السوري من الحدود.

وفي القطاع الأوسط من المنطقة منزوعة السلاح، ستكون النقطة المرجعية الجغرافية الرئيسية التي توجه لجنة الحدود، هي نهر الأردن من النقاط الوسطى لمزرعة خوري (بكاك) وجسر بنات يعقوب (بنوت يعقوب) إلى نهاية مصب نهر الأردن في بحيرة الجليل.

وستكون الأرض الواقعة إلى الغرب من النهر في هذا القطاع داخل إسرائيل؛ والأرض إلى الشرق ستكون في سوريا، وستمارس إسرائيل السيادة على النهر في هذا القطاع، ويمكن لسوريا أن تستخرج من النهر ونبع بانياس ما لا يزيد عن 50 مليون متر مكعب سنويا.

في الربع الشمالي الشرقي من بحيرة طبريا، ستتبع الحدود خطا على الشاطئ موازيا لحافة المياه وعشرة أمتار منها، دون أي تغيير في مستوى بحيرة طبريا، سيتم التوصل إلى ترتيبات من قبل الأطراف تنص على وصول دائم وبدون عوائق وبدون تأشيرة للمدنيين من إسرائيل إلى المحيط الكامل لبحيرة طبريا، والوصول الدائم دون عائق ودون تأشيرة من قبل المدنيين من سوريا من أجل السياحة والترفيه في بحيرة الجليل.

وفي القطاع الجنوبي للمنطقة منزوعة السلاح، سترسم اللجنة الحدود بناء على الأدلة المتاحة لها فيما يتعلق بفصل المدنيين، والقوات العسكرية العربية والإسرائيلية قبل حرب 1967، بما في ذلك تقسيم الأراضي الزراعية العربية والإسرائيلية على النحو الميسّر وما سجله مراقبو الأمم المتحدة العسكريون، وفي هذا القطاع تكون بلدة الحمة على الجانب السوري من الحدود.

ووفقا لنص الاتفاق، فستمتد الممارسة الكاملة للسيادة السورية إلى الحدود الدولية الجديدة في غضون ثلاث سنوات من دخول معاهدة السلام حيز التنفيذ.

يظهر تحليل تاريخي للسيطرة على الجولان على مدى المئة عام الماضية، أن الخط الحدودي بين إسرائيل وسوريا محل نزاع، ويخضع للتأويل، يظهر فحص المنظور الإسرائيلي أن بعض الأراضي في مرتفعات الجولان، والتي كانت تحت السيطرة الإسرائيلية منذ حرب الأيام الستة، كان من المفترض أن تكون مدرجة بالفعل ضمن حدود “الوطن القومي اليهودي” الذي كان من المفترض، أن يتم إنشاؤه على نهاية الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.