كانت الضربة الجديدة التي تلقاها تنظيم “داعش” الإرهابي، من خلال مقتل زعيمه في سوريا المعروف باسم “ماهر العقال“، بعدما استهدفته طائرة مسيرة أميركية، يوم الثلاثاء الماضي، مثارا للتساؤل حول تزايد تأثير الاستهدافات الأميركية في إضعاف التنظيم وتشتيت شمل العناصر وارتباطهم مع قيادتهم.

ضعف واختراقات

اغتيال العقال وهو زعيم التنظيم في سوريا هو حدث مهم رغم اعتيادية الاستهدافات الأميركية لزعماء تنظيم “داعش” خلال الفترة الماضية، ما يدلل على وجود اختراقات واسعة داخل هياكل التنظيم، والذي يؤشر على حدوث “شَللٍ” لاعتبارية وجود “خليفة” لهذا التنظيم، كما كان يطلق على نفسه “أبو بكر البغدادي” هذا اللقب، قبل مقتله إثر غارة أميركية في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

الاغتيالات المستمرة لزعماء التنظيم على الأراضي السورية، يبدو أنها أنهت أهمية مركزية القيادة ضمن “داعش“، ما يعني أنها ساهمت بشكل كبير في تشتيت هيكلة التنظيم وزيادة إضعافه، وتركه بدون توجيه أو قيادة. وبالتالي تشتت شمل عناصر التنظيم الإرهابي وارتباطهم مع قيادتهم، والذي سيؤدي بالضرورة إلى زيادة ضعف التنظيم وازدياد تضييق الخناق عليه.

باحثون في شؤون الجماعات الإسلامية أكدوا أن الضربات المتتالية التي تعرض لها تنظيم “داعش” مؤخرا، زادت في إنهاك التنظيم، الذي يعاني من تخبطات نتيجة خسارته أبرز القيادات خلال الفترة الأخيرة بفعل الضربات العسكرية الأميركية، كما كشفت عن وجود اختراقات داخل التنظيم من قبل عدة دول.

ضرب فكرة المركزية؟

الباحث السياسي عامر السبايلة، يرى أن استهداف قيادات تنظيم “داعش” بهذه الطريقة يهدف إلى ضرب الحالة المعنوية للتنظيم، والفكرة المركزية لقيادته.

ويقول السبايلة في حديثه لـ“الحل نت“: “بلا شك أن استهداف القيادات بهذه الطريقة يهدف إلى ضرب فكرة المركزية لتنظيم “داعش“، هناك باستمرار ضرب للقيادات العسكرية في سوريا من قبل الولايات المتحدة الأميركية“.

ويعتقد السبايلة أن خسارة التنظيم لقيادته، قد تضطره إلى التحول إلى “فكرة فردية التنظيم، أي أن التنظيم قد يعيد ترتيب نفسه بصورة غير مركزية، من تنظيم إلى تنظيمات صغيرة، والانتقال إلى فكرة التنظيمات المنفردة“.

قد يهمك: زيادة أعداد المقاتلين السوريين المدعومين من واشنطن.. ما تفاصيل الميزانية الدفاعية لـ 2023؟

أما الباحث في شؤون الحركات المتطرفة منير أديب، فيدعم فكرة أن الضربات الجوية المركزة على قيادات تنظيم “داعش“، تضعف التنظيم من عدة نواحي، لا سيما وأنه يعمل من خلال مركزية واضحة والاعتماد على دعم نهج “خليفة” (قائد عام ومؤثر) للتنظيم، إلى جانب لجنة مفوضة ومساعدين بأدوار عسكرية وإعلامية ودعائية، بالتالي اغتيال هذه القيادات يترك أثرا على التنظيم.

ويقول أديب في حديثه لـ“الحل نت“: “بكل تأكيد هذه الاستهدافات أدت إلى تشتيت شمل هذا التنظيم، التنظيم الآن أصبح لا يتحرك بشكل مركزي، نظرا لاستهداف هذه القيادات، بدأ التنظيم يتعامل بصورة مختلفة، والعمل كجيوب وخلايا صغيرة ومنفردة“.

ويضيف: “هذا الاستهداف يؤثر على الاستراتيجية العامة للتنظيم، الذي يحرك من خلالها فروعه الموجودة في بعض المناطق ضمن الشرق الأوسط، ولذلك التحالف الدولي يستهدف التنظيم من خلال استهداف قياداته، هذا الاستهداف يضعف التنظيم بشكل كبير لكنه لا يقضي عليه بشكل كامل“.

نتيجة انحساره في سوريا واستهداف معظم قيادييه البارزين، لجأ تنظيم “داعش” مؤخرا إلى الاعتماد على الخلايا النائمة، إلا أن ضعف قدرته على استقطاب العناصر البشرية، جعلته محاصرا بين ضعف قدرته وبين الصواريخ الأميركية التي تلاحق قياداته.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية أعلنت الأربعاء، مقتل زعيم تنظيم “داعش” في سوريا، ماهر العقال، وذلك عبر استهدافه في غارة بطائرة مسيرة، خلال وجوده في مدينة جنديرس التابعة لمنطقة عفرين، شمال غرب سوريا، الواقعة تحت سيطرة “الجيش الوطني” الموالي لأنقرة.

والعقال، هو الزعيم الثالث للتنظيم منذ العام 2014، حين أعلن ما سمي بـ “دولة الخلافة” وسيطر على مساحات واسعة في سوريا والعراق، بعد “البغدادي” و“أبو إبراهيم القرشي“.

وأبو إبراهيم القرشي المنحدر من تلعفر الواقعة على مسافة 70 كيلومترا غرب الموصل في العراق، تولى زعامة تنظيم “داعش” نهاية عام 2019، بعد مقتل سلفه أبو بكر البغدادي في الشهر نفسه في عملية أميركية.

أسباب اللجوء للشمال

تساؤلات عدة تدور حول مسببات تواجد قيادات “داعش” على وجه التحديد في الشمال السوري الذي يسيطر عليه النفوذ التركي، سواء بشكل مباشر في مناطق “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة، كما هو الحال في غارة الثلاثاء، وسواء بشكل غير مباشر في المناطق التي تشهد تواجد “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) وتضم أيضا نفوذا مختلطا لفصائل تتبع “الجيش الوطني” كما هو الحال في عمليات استهداف الزعماء السابقين للتنظيم الإرهابي، “أبو بكر البغدادي” (نهاية عام 2019) و “أبو إبراهيم القرشي” (مطلع عام 2022).

الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، حسن أبو هنية، رأى خلال حديث سابق لـ“الحل نت“، أن هذه المناطق تتمتع بخصوصية يرى فيها قادة التنظيم مكانا مناسبا للاختفاء فيه، فهي مناطق خاضعة للنفوذ التركي، وعلى الأرض تسيطر فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة، و“هيئة تحرير الشام“، وهذه المجموعات مختلفة وأحيانا على خلاف فيما بينها، كما أنه لا وجود لقيادة مركزية للمنطقة، ولا لجهاز استخبارات مركزي، لذلك فهذه الفصائل عاجزة عن السيطرة بشكل كامل على مناطقها.

وأضاف أبو هنية، أن تركيا لا تقدم الدعم لإنشاء هياكل أمنية وعسكرية تكون قادرة على بسط السيطرة الأمنية على هذه المناطق، وليس لدى تركيا أولوية في ملاحقة “داعش” وقياداته في هذه المناطق، لذلك تعاني هذه المناطق من فراغ أمني.

تصاعد العمليات العسكرية المركزة ضد تنظيم “داعش” في سوريا، بدا واضحا خلال الفترة الماضية، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأميركية، مطلع شهر شباط/فبراير الماضي،  مقتل “أبو إبراهيم القرشي” زعيم تنظيم “داعش” السابق، إثر عملية إنزال جوي نفذتها القوات الأميركية في منطقة أطمة شمالي محافظة إدلب.

كما تمكنت قوات التحالف الدولي من قتل “أبو بكر البغدادي” الزعيم الأسبق لتنظيم “داعش“، إثر عملية إنزال جوي في الـ27 من  تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 في منطقة باريشا القريبة من الحدود السورية التركية، شمالي محافظة إدلب.

وقبل مقتل البغدادي توالت عمليات قتل كبار قادة التنظيم، بدءا من المتحدث الأسبق “أبو محمد العدناني“، مرورا بخليفته “أبو حمزة المهاجر“.

يحاول قادة “داعش” قدر الإمكان ممارسة عمليات التخفي، من خلال وسائل مختلفة خاصة في الاتصال، باستخدام البريد الصوتي، والتقليل من استخدام التقنيات، ومع ذلك فالعالم صغير بالنسبة لدول “التحالف” وخاصة الولايات المتحدة، وبالتالي فالتنظيم الإرهابي وقادته لن يبقوا قادرين على التخفي والهروب.

قد يهمك: الشمال السوري.. لماذا تلجئ قيادات “داعش” إلى مناطق النفوذ التركي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.