غارات أميركية متعددة استهدفت مناطق في الشمال السوري يسيطر عليها النفوذ التركي خلال الفترة الماضية، أدت إلى مقتل زعماء تنظيم “داعش” الإرهابي وقيادات في التنظيمات الإرهابية، كان آخرها يوم أمس الثلاثاء، زعيم تنظيم “داعش” في سوريا ماهر العقال، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” استهدافه في غارة بطائرة مسيرة.

أسباب اللجوء للشمال

تساؤلات عدة تدور حول مسببات تواجد قيادات “داعش” على وجه التحديد في الشمال السوري الذي يسيطر عليه النفوذ التركي، سواء بشكل مباشر في مناطق “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة، كما هو الحال في غارة يوم أمس التي طالت منطقة جنديرس التابعة لعفرين والواقعة تحت سيطرة “الجيش الوطني”، وسواء بشكل غير مباشر في المناطق التي تشهد تواجد “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) وتضم أيضا نفوذا مختلطا لفصائل تتبع “الجيش الوطني” كما هو الحال في عمليات استهداف الزعماء السابقين للتنظيم الإرهابي، “أبو بكر البغدادي” (نهاية عام 2019) و “أبو إبراهيم القرشي” (مطلع عام 2022).

الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، حسن أبو هنية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن هذه المناطق تتمتع بخصوصية يرى فيها قادة التنظيم مكانا مناسبا للاختفاء فيه، فهي مناطق خاضعة للنفوذ التركي، وعلى الأرض تسيطر فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة، و”هيئة تحرير الشام”، وهذه المجموعات مختلفة وأحيانا على خلاف فيما بينها، كما أنه لا وجود لقيادة مركزية للمنطقة، ولا لجهاز استخبارات مركزي، لذلك فهذه الفصائل عاجزة عن السيطرة بشكل كامل على مناطقها.

وأضاف أبو هنية، أن تركيا لا تقدم الدعم لإنشاء هياكل أمنية وعسكرية تكون قادرة على بسط السيطرة الأمنية على هذه المناطق، وليس لدى تركيا أولوية في ملاحقة “داعش” وقياداته في هذه المناطق، لذلك تعاني هذه المناطق من فراغ أمني.

الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، عباس شريفة، خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، يفسر تواجد قادة داعش في هذه المناطق بسبب الهشاشة الأمنية وانعدام الضبط الأمني اللذين تعاني منهما، ما يسهل على هؤلاء القادة العيش بشكل مريح، والوصول السهل لمختلف وسائل التواصل التي قد يحتاجونها.

إقرأ:لماذا يستمر “داعش” في البادية السورية؟

الشمال بنك أهداف مهم؟

افتراض برز مؤخرا من قبل عديد المراقبين، يدور حول دوافع قيادات التنظيم الإرهابي للاحتماء بمناطق النفوذ التركي، بدلا من اللجوء إلى البادية السورية التي ينشط فيها عناصر التنظيم ويقومون فيها بعمليات دورية ضد القوات الحكومية وحلفائها من الميليشيات الإيرانية وأذرعها المختلفة في تلك المنطقة.

حسن أبو هنية، يرى أنه بعد خسارة التنظيم الإرهابي لمناطق تواجده “المكاني”، بعد هزيمته في الباغوز (ريف دير الزور) عام 2019، تم تحويل التقسيمات الخاصة بالتنظيم من ولايات عسكرية إلى ولايات أمنية، تعتمد على حرب العصابات.
وأضاف أبو هنية، أن منطقة الشمال إحدى المناطق التي يعتبرها “داعش” من هذه المناطق، ويساعده في التحرك فيها الهشاشة الأمنية، وحتى انخفاض عدد قوات “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة، والذين لا يتجاوز عددهم 15 ألف مقاتل.

بينما أشار شريفة، في وقت سابق، إلى أن مناطق شمال سوريا، هي مناطق عمليات للتنظيم، ومستهدفة من قبله بالتفجيرات، وفي الأشهر الأخيرة شن التنظيم عددا من العمليات في هذه المناطق، فهي غير مستثناة من عمليات “داعش”، وبالتالي لا يمكن اعتبارها مناطق آمنة بشكل كامل، ووجود القادة فيها مهم للتخطيط لمثل هذه العمليات.

ومن جهة ثانية، فإن التنظيمات الراديكالية، سواء الإسلامية أو غيرها، وخاصة تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، يتعرضون لملاحقة كبيرة، منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر، وهي ملاحقة استخباراتية، وأمنية، وعسكرية مكثفة، من دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهنا التعامل ليس مع دول محلية فقط، إنما مع دول كبرى.

وفي هذا السياق، يرى أبو هنية، أن الولايات المتحدة، استطاعت جعل المنطقة بمثابة بنك للأهداف من خلال استهداف قيادات التنظيم بدءا من البغدادي، ووصولا لماهر العقال “أبو البراء”، فهي تتمتع بقوة استخباراتية كبيرة فيها، ويتواجد في المنطقة حتى الآن العشرات من قيادات وعناصر التنظيم، ولكن الولايات المتحدة تحدد أهدافها وفق أولويات، لذلك استطاعت تنفيذ عملية قتل العقال بسهولة، بحسب أبو هنية.

وتابع مضيفا “لكن بعد جمع معلومات كافية عنه على الرغم من حمله لهوية مزورة، فهو يشكل أولوية للولايات المتحدة فهو قيادي مهم في التنظيم وله تاريخ حافل في العمل في التنظيمات الإرهابية”.

وأيضا أوضح عباس شريفة، في وقت سابق، أن الولايات المتحدة لديها دائما بنك أهداف يضم قادة تنظيم “داعش”، والذين هم دائما تحت المراقبة، وتستطيع قواتها الوصول إلى الهدف الذي تريده في الوقت الذي تريد.

قد يهمك:ما الذي يكسر شوكة داعش في البادية السورية؟

يحاول قادة “داعش” قدر الإمكان ممارسة عمليات التخفي، من خلال وسائل مختلفة خاصة في الاتصال، باستخدام البريد الصوتي، والتقليل من استخدام التقنيات، ومع ذلك فالعالم صغير بالنسبة لدول “التحالف” وخاصة الولايات المتحدة، وبالتالي فالتنظيم الإرهابي وقادته لن يبقوا قادرين على التخفي والهروب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.