أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا، يواجهون عدة عقبات أمام فرص إطلاق واستمرارية مشاريعهم، بسبب تحديات التمويل التي تشكل العقبة الأبرز أمامهم، بالإضافة إلى بيئة الأعمال الحالية غير المشجعة بشكل كاف، وعدم استقرار اليد العاملة في السوق المحلي بسبب عمليات الهجرة الداخلية والخارجية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، على الرغم من المحاولات المستميتة من الجهات المعنية لتسهيل مشاريعهم في سياق بحثها عن سبل تعزيز مساهمة هذا القطاع في إنعاش الاقتصاد السوري المتهالك. ونتيجة لذلك، نصف المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سوريا متوقفة عن العمل، مما يعني أنها “فاشلة”.

صعوبة التمويل

ضمن سياق توقف نسبة كبيرة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا، تعترف الجهات المعنية في الحكومة السورية بالصعوبات التي تواجه خزينة الدولة لتحفيز هذه المشاريع، نتيجة قلة الموارد المالية ضمن جهودها المزعومة، والي تتدعي دوما أنها تسعى للحد من مستويات البطالة المرتفعة، واحتواء انتشار الفقر الذي اتسع نطاقه بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية.

وبيّن إيهاب اسمندر، مدير هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال ورقة العمل التي قدّمها في ورشة تنظيم سوق العمل لجهة المحدّدات الجديدة والتحديات التي تواجهه، والتي أقامها المرصد العمالي في نهاية الشهر الماضي، أن عوائق الدور التشغيلي للمشروعات الصغيرة تتلخص بوجود 40 بالمئة تقريبا من المشروعات المتوسطة والصغيرة متوقفة عن العمل، وفق ما نقلته صحيفة “البعث” المحلية، يوم أمس الإثنين.

واعتبر اسمندر، أن المشكلات التي تواجه المشاريع تتنوع بين عدة جوانب، كنقص التأهيل لدى عدد من العاطلين عن العمل وعدم قدرتهم على تلبية احتياجات المشروعات القائمة، إضافة إلى بيئة الأعمال غير المشجعة بشكل كافٍ حاليا، وعدم استقرار اليد العاملة في السوق المحلية بفعل عمليات الهجرة الداخلية والخارجية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، التي تهدد برفع تكلفة فرصة العمل.

وأشار اسمندر خلال حديثه مع الصحيفة المحلية، إلى أن العدد الإجمالي للمشروعات متناهية الصغر بلغ نحو 299161 والصغيرة نحو 138074، أما المتوسطة فبلغ نحو 18410.

ونوّه اسمندر، إلى أن المشكلات التمويلية تتمثل في الاعتماد على مدّخرات الأسرة، والاقتراض العائلي غير الكافي وغير المنتظم (88 بالمئة من المشاريع في سوريا تعتمد على المدخرات الشخصية والقروض العائلية)، وضعف الضمانات المالية وغياب الدور الواضح لمؤسسة ضمان مخاطر القروض حتى الآن، وإحجام البنوك عن التعامل معها.

كما وتعاني سوريا من ضعف كبير في حصة المشاريع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في إجمالي التسهيلات المصرفية (4 بالمئة فقط).

قد يهمك: 3 مليارات سورية بدل التعطل عن العمل.. أين ذهبت؟

مفهوم هذه المشاريع

ضمن الإطار ذاته، نسبت الصحيفة المحلية إلى اسمندر قوله إن “مفهوم تمويل المشروعات في سوريا ينحصر عند الكثيرين بمنح المشروعات القروض، لكن مفهوم التمويل في الواقع أوسع من ذلك، فهو يشمل إضافة إلى الإقراض من فتح الحسابات المصرفية، والاعتمادات المستندية، إلى التحويلات، والتأمين، وقبول الودائع، إضافة إلى تقديم الاستشارات والخدمات المالية”.

وأوضح أنه يوجد في سوريا ثلاث مؤسسات معنية بتمويل المشروعات “المتوسطة، الصغيرة، متناهية الصغر”، وتسمى بنوك تمويل صغير بعد صدور القانون 8 لعام 2021، كما أصدرت بعض البنوك التقليدية منتجات مصرفية لمصلحة المشروعات، وإن كانت في معظمها لم تدخل حيّز التنفيذ بعد. وبالنسبة لبنوك التمويل الأصغر الموجودة حاليا، أشار اسمندر إلى (بنك الإبداع، بنك الوطنية، الأولى)، مع أن القانون النافذ حاليا لا يسمح بعمل مؤسسات تمويل غير مصرفية، لافتا إلى أن عدد الجهات المهتمة بتمويل هذا القطاع من المشروعات، لا يعتبر كبيرا في حال المقارنة بعدد مثل هذه المؤسسات في دول عربية أخرى.

وحول الأهمية التنموية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، أكد اسمندر، أنها تخلق كمّا كبيرا من فرص العمل، ما يشكل حلا لمشكلة البطالة في المناطق التي تتواجد فيها هذه المشروعات، في حال نجاحها بطبيعة الحال.

وتتميز هذه المشروعات وفق اسمندر، بعدم حاجتها لرأس المال الكبير، النادر نسبيا في سوريا قياسا بعنصر العمل ذي الوفرة النسبية في مختلف المناطق السورية، وتلعب المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر دورا مهما في زيادة معدل النمو الاقتصادي، حيث إنه مع كل زيادة في التكوين الرأسمالي للمشروعات الصغيرة بمقدار واحد مليون دولار، يزداد الناتج المحلي الإجمالي السوري بمعدل 0.1 بالمئة.

وتظهر تقديرات دراسة “هيئة تنمية المشروعات”، أنه كلما زاد عدد المشروعات الصغيرة 1000 مشروع سيتراجع معدل البطالة في سورية بـ1 نقطة مئوية، كما ساهمت المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بنحو 65 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، كمتوسط السلسلة الزمنية 2010-2020، وتشغل المشروعات المتوسطة نحو 14 بالمئة من العاملين، وتشغل المشروعات الصغيرة 29 بالمئة. أما المشروعات متناهية الصغر فتشغل 23 بالمئة من قوة العمل السورية، وبالتالي يساهم القطاع بتشغيل 66 بالمئة من العاملين في البلاد.

وانطلقت في نهاية حزيران/يونيو 2020 “مؤسسة ضمان مخاطر القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة”، برأسمال 5 مليارات ليرة سورية، ساهم فيه 6 مصارف عامة، و11 مصرفا خاصا، و3 مؤسسات تمويل صغير.

ويتمثل عمل مؤسسة ضمان مخاطر القروض، بتوفير الضمانات اللازمة التي تُتيح للمشروعات الصغيرة والمتوسطة الحصول على تمويل من المصارف، دون تحميلها أعباء إضافية، خاصة وأن المصارف تصنّف تمويل تلك المشروعات ضمن دائرة المخاطر.

ومع اشتداد الأعباء المعيشية في البلاد يوما بعد يوم، لجأت نسبة كبيرة من السوريين إلى إيجاد حلول للتغلب على صعوبات الحياة عبر إنشاء مشاريع صغيرة، تساعد هذه الأسر على قضاء احتياجاتها على مدار الأيام.

والمواطنين، الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، يعانون بسبب عدم توفر فرص عمل، وحتى إن وجدت فتكون برواتب ضئيلة ولا تتناسب مع مستوى المعيشة في البلاد، وهم ينتظرون وعود المسؤولين لتنفيذ خططهم المتعلقة بتمويل مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة، رغم شكوك الخبراء في جدوى ما تفعله مؤسسات حكومة دمشق.

وتشير بيانات لمنظمات أممية، إلى أن حوالي 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما تظهره إحصائيات عام 2022، فيما تقترب نسبة البطالة إلى أكثر من 50 بالمئة.

قد يهمك: اقتراح برفع معدلات الفائدة في البنك المركزي السوري.. ما التأثيرات المرتقبة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.