يأتي الانفتاح العراقي على السعودية في الوقت الذي شارفت فيه صلاحية حكومة مصطفى الكاظمي على الانتهاء، ما جعل كثيرا من المراقبين يتساءلون عن خلفيات ذلك الانفتاح.

 وأجرى الكاظمي زيارات مكوكية، واجتماعات على مستوى رفيع في السعودية، في ظل تأزم المشهد السياسي في العراق، لفشل الأحزاب والقوى السياسية في تشكيل حكومة جديدة، رغم مرور مايقارب العشرة أشهر على ‘جراء الانتخابات النيابية، فضلا عن الظروف الاقتصادية العصيبة التي يمرّ بها البلد.

مسارات الانفتاح العراقي

بعد جمود العلاقات والانقطاع الذي دام لسنوات عدة، عادت السعودية لتتصدر المشهد السياسي والاقتصادي في المنطقة ، إذ اختتم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زيارته إلى السعودية، التي انقسمت حولها الآراء، فالبعض أكد أن الانفتاح العراقي على السعودية كان بهدف تقريب وجهات النظر بين طهران والرياض، في إطار مشاورات الوساطة بين الخصمين اللدودين، التي جرت في العاصمة العراقية بغداد. فيما رأى آخرون أنها قد تكون محاولة من الحكومة العراقية للخروج من الهيمنة الإيرانية.

وتزامن الانفتاح العراقي على السعودية مع عقد قمة جدة، التي حضرها الرئيس الأميركي جو بايدن، وقادة الدول الخليجية، فضلا عن مصر والأردن.

الكاتب والمحلل السياسي أحمد الخضر يقول إن “زيارة الكاظمي للسعودية كان هدفها إكمال ما بدأت به بغداد بخصوص الحوار الإيراني-السعودي”.

مبينا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “لقاءات رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي مع بايدن، وقادة الدول الأخرى، تعكس رغبة بغداد بالانفتاح على السعودية، وتعويلا من الدول الأخرى على السياسة العامة للحكومة العراقية الحالية، وقدرتها على إنهاء الخلافات في المنطقة”.

الخضر رأى أن “الكاظمي، ومن خلال حضوره قمة جدة تمكّن من إرسال رسالة إلى القيادات الايرانية من الجانب السعودي، وزيارته للرياض لم تأت ضد إيران، وهذا دليل على أن الانفتاح العراقي على السعودية يلعب دورا مهما في تهدئة الأوضاع في المنطقة”.

واستضافت بغداد، منذ نيسان/أبريل 2021، خمس جولات من التفاوض، تم فيها بحث عدة ملفات، من بينها العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، بهدف استعادة العلاقات المتأزمة منذ عام 2016.

وكانت السعودية، في كانون الثاني/يناير 2016، قد قطعت علاقاتها مع إيران، إثر اعتداءات تعرّضت لها سفارة الرياض في طهران، وقنصليتها بمدينة مشهد، احتجاجا على إعدام المملكة لرجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر.

ولاقت زيارة الكاظمي، وما حملته من بوادر الانفتاح العراقي على السعودية، معارضة من قبل الأحزاب والقوى الموالية لإيران في العراق، والمهيمنة على المشهد العراقي، إذ أكد النائب السابق رسول راضي أن “الإطار التنسيقي يقف بالضد من زيارة الكاظمي إلى الرياض، لحضور مؤتمر يهدف إلى تشكيل حلف ناتو عربي، يقف إلى جانب إسرائيل ضد إيران”.

ملف تشكيل الحكومة كان حاضرا

المحلل السياسي محمد التميمي يؤكد بدوره أن “حضور الكاظمي لقمة جدة، هدفه لعب دور الوساطة بين الرياض وطهران، التي حققت بالفعل نجاحا”.

 منوها، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “هناك اجتماعا سادسا مرتقبا في بغداد، بين قادة وشخصيات إيرانية وسعودية، وقد يكون على مستوى وزراء الخارجية. ما يؤكد أهمية الانفتاح العراقي على السعودية”.


مضيفا أن “الكاظمي تطرّق في زيارته للسعودية، واجتماعه مع بايدن أيضا، إلى ملف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، إذ لم يكن هذا الملف غائبا عن أجندة الحوارات والاجتماعات، التي عقدها الكاظمي، في محاولة لكسب ود واشنطن والرياض، والدول التي شاركت في القمة”.

ملف الكهرباء

وكان من أهم وقائع الانفتاح العراقي على السعودية توقيع البلدين للمحضر التنفيذي الخاص بمبادئ اتفاق الربط الكهربائي بينهما، تنفيذا لمذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين في بداية عام 2022.

ومن المفترض أن يسهم مشروع الربط الكهربائي السعودي-العراقي في دعم موثوقية الشبكات الكهربائية في البلدَين، وتحقيق وفورات اقتصادية، وتعزيز تحقيق مزيج الطاقة الأمثل لإنتاج الكهرباء، ودعم استيعاب الشبكات الكهربائية لدخول الطاقة المتجددة، وتحقيق الاستثمارات المثلى في مشروعات توليد الكهرباء.

ودخل الربط الكهربائي مع السعودية ودول الخليج حيز التنفيذ من خلال اتفاقية وقعت في جدة، بين الوفد العراقي من جهة، والجانب السعودي من جهة أخرى، لتصبح الشبكة الوطنية العراقية محورا لنقل الطاقة بين قارتي آسيا وأوروبا.

لكن في المقابل أكد وزير الكهرباء العراقي عادل كريم أن “طول خط الربط الكهربائي مع السعودية يبلغ ثلاثمئة كيلو مترا فقط”، مشيرا إلى أن “الربط الكهربائي مع دول الخليج لن يحل خمسة بالمئة من مشاكل العراق في مجال الطاقة”.

 ويعاني العراق من أزمة طاقة حادة، وخاصة في مجال الكهرباء، التي تأثرت بشكل كبير بنقص الغاز الإيراني، الذي قطعته طهران عن العراق أخيرا، الأمر الذي أدى إلى تقليل ساعات تجهيز الكهرباء للمواطنين، تزامنا مع فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير جدا. ما دفع كثيرا من المراقبين إلى الإشارة إلى أهمية الانفتاح العراقي على السعودية في تجاوز هذه الأزمة.

لا اعتراضات إيرانية على الانفتاح العراقي على السعودية

وبالحديث عن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة يشير المحلل السياسي العراقي محمد علي الحكيم أن “زيارة بايدن مهمة، وتأتي لتبدأ فصلا جديدا، وفي وقت حيوي ومهم بالنسبة للمنطقة”.

لافتا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “مشاركة العراق في القمة كانت مهمة جدا، وعززت مكانة الحكومة العراقية، كما أن الكاظمي تلقى الدعم الأميركي والخليجي اللازم، الذي يمكنه من الظفر بولاية جديدة”.

مؤكداً أن “العراق أصبح يمكنه لعب دور الوساطة بين طهران والرياض، أما اعتراض القوى السياسية، ومنها الإطار التنسيقي، فهدفه الضغط على الكاظمي، لتقديم بعض التنازلات السياسية الداخلية. لأن إيران غير معترضة على الانفتاح العراقي على السعودية، ومشاركة الكاظمي في قمة جدة، وتطمح لإنهاء خلافاتها مع الرياض”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.