إعلان التلفزيون السوري الرسمي بوقف برنامج “الكابتن” الرياضي على قناة “دراما” أثار موجة جدل واسعة، ليس بسبب طبيعة الخطأ الحساس فقط، بل أيضا بسبب عدم تتبع السوريين للتلفزيون بسبب انقطاع الكهرباء الذي يحدث معظم الوقت، مما أدى إلى انتشار الموجة الجدلية على وسائل التواصل الاجتماعي.

“الكابتن” هو برنامج تلفزيوني حواري يُبث على قناة “سوريا دراما”، يقدمه الإعلامي محمد الخطيب، ويتناول أخبارا رياضية عربية وعالمية ويناقش العديد من المواضيع ذات الصلة، من خلال استضافة خبراء ومحللين ولاعبين.

كان مقدم البرنامج، الخطيب، يقرأ خبرا نقلا عن جريدة “البعث” الرسمية، الأربعاء الفائت، يتعلق بطرح مطار “دمشق” الدولي للاستثمار من قبل شركة خاصة، وذلك كمقدمة لموضوع الحلقة المرتبط بالخصخصة في بعض القطاعات وتطبيقها على القطاع الرياضي.

وعندما وصل المذيع إلى الفقرة الأخيرة من الخبر، ارتبك عندما قرأ عبارة تساءل الكثير من الناس فيها عن هوية الشركة الخاصة في “ضوء السيطرة الإيرانية والروسية على المناطق الحكومية”. فقرأ الجزء الأول من العبارة ثم توقف فجأة قائلا “هذا خبر غير صحيح، هناك خطأ في الجزء التالي”، مشيرا بذلك إلى وجود خطأ في التحرير.

خطأ متعمد؟

تبرير الخطيب بالخطأ التحريري لم يمنع موجة الجدل من الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر الكثيرون أن الخطأ في التحرير ليس مجرد خطأ عادي، بل هو رسالة سياسية قوية تكشف عن مدى التدخل الإيراني والروسي في الشؤون السورية.

هذا الخطأ في وقت يشهد فيه الوضع السوري حالة من التوتر الشديد، بسبب التدخل الروسي والإيراني في الحرب السورية، وتصاعد الخلافات بين الحكومة السورية والولايات المتحدة وحلفائها. مثيرا العديد من التساؤلات حول مدى سيطرة إيران وروسيا على الشؤون السورية، ومدى تأثير هذا التدخل على مستقبل سوريا.

بحسب حديث الإعلامي في القناة “الإخبارية”، أحمد المسالمة، لـ”الحل نت”، فإن التلفزيون السوري هو مؤسسة حكومية، وبالتالي فإن له توجهات سياسية محددة. وقد يكون هذا الخطأ قد تم ارتكابه عن غير قصد، ولكن من الممكن أيضا أن يكون قد تم ارتكابه عمدا لتوجيه رسالة إلى الرأي العام السوري.

أيضا وكون إيران وروسيا هما دولتان مؤثرتان في سوريا، ولديهما سيطرة كبيرة على الاقتصاد السوري. فقد يكون هذا الخطأ برأي المسالمة، قد تم ارتكابه للإشارة إلى أن الخصخصة لن تنجح في سوريا في ظل السيطرة الإيرانية والروسية.

“الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية”، أعلنت أمس الخميس، إيقاف البرنامج إلى حين الانتهاء من التحقيقات لمعرفة ملابسات ما جرى، وذكرت في بيان مقتضب عبر صفحتها في “فيسبوك”، “تم إيقاف برنامج الكابتن إلى حين الانتهاء من التحقيق في محتوى خبر خاطئ ورد في حلقة الأربعاء على قناة دراما وستتم معاقبة المسؤولين عن ذلك بموجب نتائج التحقيق”.

كما حُذفت الحلقة من معرّفات قناة “سوريا دراما” ومن المنصات التي تعرض برنامج “الكابتن”، وتم نشر مقتطفات منها دون أن تتضمن العبارة المذكورة. فيما ذكر مصدر مطلع أن “الهيئة” أخفت جميع ما يتعلق بالموضوع من مواد بصرية متعلقة بالخطأ المذكور في البرنامج، إضافة إلى شطب البرنامج من جدول العرض، وإحالة فريقه إلى التحقيق.

الحكومة السورية في موقف محرج

الخبر الذي اعتبرته الحكومة السورية خاطئا بنظر رواد التواصل الاجتماعي، هو خبر صحيح وجميع مكونات الشعب السوري تعلم ما صحة هذا الخبر، فالخبر يتحدث عن استثمار مطار”دمشق” الدولي عبر شركة خاصة.

صحيفة “البعث” في الأول من تموز/يوليو الجاري، نقلت عن مصادر في وزارة النقل أن مطار “دمشق” الدولي سيدخل فيه القطاع الخاص بعمليات استثمار وإدارة وتشغيل المطار بعملياته الجوية والأرضية بحيث تتوزع الحصص بين 51 بالمئة لمؤسسة الطيران العربية السورية و49 بالمئة للمستثمر السعودي الذي لم تسمّه.

بعد صدور الخبر بأيام والذي أحدث ضجة حول بيع الحكومة لمنطقة سيادية لمستثمر أجنبي، حذفت الصحيفة الخبر الأصلي، ونشرت مقالا عنونته بـ”إيضاحات حول مشروع التشاركية مع السورية للطيران”، مبينة أن الشركة الخاصة ستتحمل المسؤوليات التي يتيحها القطاع للعمل في الطيران المدني كتنفيذ جميع الأعمال والخدمات المتعلقة بالنقل الجوي للركاب والبضائع وامتلاك وشراء وإيجار واستثمار الطائرات، وتنظيم الرحلات الجوية وخدماتها والخدمات الأرضية، وأخذ الوكالات عن شركات الطيران، وفتح فروع داخل وخارج سوريا.

تسريبات صحفية كشفت أن الشركة المقصودة هي “إيلوما للاستثمار المساهمة المغلفة الخاصة”، والتي يمتلكها رجل الأعمال علي محمد ديب، ورزان نزار حميرة، وراميا حمدان ديب، وهم بحسب الباحث السوري، كرم الشعار، عبارة عن  واجهات قيمتها صفر ويتبعون مباشرة لبشار الأسد من خلال يسار إبراهيم وعلي نجيب إبراهيم.

هذه الوقائع تكررت مؤخرا في الإعلام السوري، مما يكشف عن ضعف التنسيق والمتابعة بين الجهات المسؤولة عن القنوات الرسمية. فقبل أقل من شهر، قامت قناة “الإخبارية” السورية بدعوة الكاتب المصري يوسف زيدان للمشاركة في إحدى البرامج الحوارية، على الرغم من أن الموقف الرسمي يصف زيدان بأنه شخصية “محابية لإسرائيل”، وهذا أثار غضب متابعي القناة.

سيطرة روسيا وإيران تثير مخاوف حرية الرأي والتعبير

سيطرة روسيا وإيران تثير مخاوفا بشأن حرية الرأي والتعبير في سوريا. فهذه السيطرة السياسية والعسكرية للبلدين قد تؤثر على المشهد الإعلامي وتقيد حرية الرأي والتعبير في البلاد. 

بعض التقارير والمنظمات الحقوقية تشير إلى أن هناك قيودا ورقابة صارمة تفرضها السلطات السورية المدعومة من روسيا وإيران على وسائل الإعلام والصحفيين. وهذا يعرقل حرية الصحافة ويمنع النقاش العام وتعدد الآراء في البلاد. 

كثيرا ما يتناول الإعلام السوري أزمات الغرب والأحداث الخارجية مثل أزمة الغاز في أوروبا، وكان برنامج يقدم عبر التلفزيون الرسمي قد تضمن حديث مذيعة عن ظاهرة التسول في أوروبا وسط تجاهل الأرقام المفزعة للظاهرة التي تتصاعد في سوريا.

الصحفي السوري، يامن سليمان، ذكر عبر حسابه الشخصي، “ألا تندرج تلك الهفوة ضمن قائمة حرية التعبير والصحافة والإعلام، لماذا لا تتم محاسبة هفوات المسؤولين بهذه السرعة، أم أن المسؤول يحق له ما لا يحق للمواطن والإعلام”.

الإعلامي وسام حبيب في قناة “سما” السورية، طالب أن تصقل مهارات العاملين في الإعلام بدورات بين الحين والحين، وكذلك أن يُناقش يوميا أو أسبوعيا ما يجري على الصعيد الداخلي والملفات الدولية.

يبدو أن الحديث عن روسيا وإيران ونفوذهما داخل سوريا بات محرّما، وعاصفة من الجدل والسجال حول أخطاء المؤسسة الإعلامية السورية سيستمر، خصوصا بعد الحديث مؤخرا عن المحسوبيات في أروقة التلفزيون السوري، والتي أفضت إلى إعلان المذيع نوار صقر استقالته من قناة “الإخبارية”، دون أن يفصح عن الأسباب التي دفعته إلى ذلك، وذكر أنه يتجه لتجربة أخرى في مكان آخر.

• لقاءات بلينكن في الصين: شراكة أم تنافس؟ 
• حركة “النهضة” قد تبدل اسمها.. ألاعيب الإسلام السياسي في التخفي والكمون
• الأسد يأخذ الضوء الأخضر للتخلص من الوجود الإيراني في سوريا؟
• الحسابات وميزان الردع.. الحرب بين إسرائيل و”حزب الله” قريبة؟
• الإرهاب والهجرة والتسلل الحدودي معضلات تواجه الاتحاد المغاربي