لم تُفلح حملات الترويج الإعلامية، التي تمولها حكومة دمشق، بهدف تنشيط ما تعتبره السياحة في سوريا، بإعادة القطاع السياحي إلى ما كان عليه، حتى بمقاييس ما قبل انتشار وباء كورونا عام 2020.

ويعدّ القطاع السياحي من أكثر القطاعات الاقتصادية تضررا من الحرب التي مزقت سوريا. ما دفع الحكومة السورية مؤخرا إلى الاستعانة بعدد من صناع المحتوى الغربيين “الانفولونسرز”، أي المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، في محاولة للنهوض بذلك القطاع المتعثّر.

وفي استمرار لسياسة الترويج من جانب حكومة دمشق، ذكرت وزارة السياحة السورية أن “البلاد استقبلت نحو سبعمئة ألف زائر، خلال النصف الأول من عام 2022”. مؤكدة أن “هذا الرقم يفوق إجمالي عدد الزوار لعام 2021، البالغ نحو ستمئة وستين ألف زائر”.

وحسب معاون وزير السياحة غياث الفراح، فإن “معظم القادمين إلى سوريا من جنسيات عربية، وخاصة من الخليج العربي”. مبينا، في حديث لوسائل إعلام محلية قبل أيام، أن “عدد القادمين يتضاعف خلال العام الجاري، بمقاصد سياحية متنوعة، ومن جنسيات مختلفة عربية وأوروبية، لزيارة الأماكن الروحية والمزارات المقدسة والمناطق الثقافية والأثرية”. وعقّب على هذا بالقول: “ما بين خمسة وثلاثين وستين بالمئة من الزوار دخلوا بقصد السياحة”.

لكن مصادر “الحل نت” شككت بدقة هذه الأرقام، مؤكدة أن “الحكومة السورية تعتبر أي أجنبي يعبر الحدود سائحا”.

ويستعرض الباحث الاقتصادي د. كرم شعار، إحصائية مصدرها “المكتب المركزي للإحصاء”، حول السياحة في سوريا، وخاصة عدد الزائرين العرب للبلاد خلال السنوات الماضية، تفيد بـ”انخفاض عدد الزوار العرب في العام 2020 إلى ما دون نصف مليون زائر، في حين أن عددهم في العام 2019 كان قد قارب حاجز 2.5 مليون زائر”.

هل السياحة في سوريا في طريق التعافي؟

وتعقيبا على الأرقام التي أوردتها حكومة دمشق لعدد الزوار في النصف الأول من العام 2022، يرى شعار، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “دلالات هذه الأرقام قد تشير إلى أن السياحة في سوريا في طريقها للتعافي”. مستدركا: “لكن لم تصل بعد إلى ما كانت عليه في عامي 2018 و2019، قبل جائحة كورونا”.

ويضيف الباحث أن “نسبة الزوار من لبنان والعراق تصل إلى نحو خمسة وسبعين في المئة من إجمالي عدد الزوار في العام 2020 على سبيل المثال، وهؤلاء بغالبيتهم لا يعتبرون من السياح بالمعنى الدقيق، أي أنهم لا يشغلون الفنادق، وإنما زياراتهم تكون في الغالب بسبب ارتباطات عائلية، أو لغرض التجارة، ما يعني أن الزوار من هذين البلدين لا يدعمان القطاع السياحي”.

وفي ما يخص “الانفولونسرز” الغربيين يؤكد شعار أن “حكومة دمشق لديها فهم واضح لأهمية شركات العلاقات العامة والشخصيات المؤثرة”. ويضيف: “قد تسهم هذه الأساليب في تعافي القطاع السياحي، لكن بشكل محدود”.

ويوضح شعار: “لا زلنا نتحدث عن قطاع ممزق ويعاني من ضعف الإقبال من السياح الأوربيين، وهم من أكثر الزوار إنفاقا، مقارنة بالسياح العرب وغيرهم”.

السياحة في الدمار

وبالارتباط بمحاولات حكومة دمشق، الساعية إلى جذب السياح من أوروبا، بدأت شركة السفر الهولندية “كالتشر رود” بتسيير رحلات سياحية إلى سوريا، في تموز/يوليو الماضي، للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات في العام 2011. وقالت الشركة، في بيان لها، إنها “بدأت بالاستجابة للطلب المتزايد على السفر إلى سوريا”.

وذكرت الشركة أن “سوريا كانت من أشهر الوجهات السياحية في الشرق الأوسط قبل اندلاع الحرب فيها”، مؤكدة أن حوالي “ستة ملايين سائح اعتادوا زيارة سوريا كل عام، ومدنا ومواقع مثل دمشق وتدمر وحلب وقلعة الحصن، وتوقفت السياحة على الفور في بداية الحرب”.

وقال مالك الشركة ريك برينكس إن “هناك طلبا متزايدا بين المسافرين لزيارة سوريا، وغالبا ما يرغب مسافرونا في تجربة ما تبدو عليه في الوقت الحاضر”. مضيفا: “في جميع أنحاء سوريا، أنت مرحب بك بحرارة، فالناس فضوليون وفخورون بعودة السُيّاح إلى بلدهم. بالطبع، ما يزال هناك طريق طويل لنقطعه، ولكن هناك عديد من الأماكن الرائعة، التي يمكن رؤيتها مع مرشدينا ذوي المهارات العالية“.

ويبدو أن حكومة دمشق بدأت تستثمر بالدمار، الذي حل بالمدن، لجذب السياح، وهو ما ظهر واضحا في تقديمها مناطق مدمرة في ضواحي دمشق لتصوير فيلم صيني – إمارتي، من إنتاج الممثل الصيني الشهير جاكي شان.

المراقد هي ما تبقى من السياحة في سوريا

الخبير الأثري، والمهتم بالشأن السياحي أحمد خنوس، يقلل من احتمالية تعافي السياحة في سوريا حاليا، بسبب “استمرار الحرب، وعدم الاستقرار السياسي والأمني”. مضيفا لـ”الحل نت” أن “كثيرا من المعالم السياحية باتت شبه مدمرة”.

كذلك يشير خنوس إلى “تأثير الخلاف الغربي مع الروس، نتيجة الحرب في أوكرانيا، في الحد من جذب شريحة السياح من أوروبا، وخاصة أن سوريا باتت معروفة غربيا بأنها دولة نفوذ روسي”.

وإذا كان الحال كذلك، لماذا يتوافد الزوار بمئات الآلاف للسياحة في سوريا؟ يجيب خنوس: “الغالبية العظمى من الزوار هم من الطائفة الشيعية، من لبنان وإيران والعراق وغيرها من الدول، وهؤلاء تكون زيارتهم مقتصرة على المراقد الدينية”.

ويشير الخبير الأثري إلى زيادة عدد الحسينيات في سوريا، قائلا: “تتغلغل إيران بشكل مخيف في مناطق سورية عديدة، منها دير الزور في الشرق، وفي الجنوب أيضا”.

وقبل اندلاع الاحتجاجات، كان القطاع السياحي يساهم بنسبة أحد عشر في المئة من إجمالي الناتج المحلي، إذ كان متوسط عدد السياح السنوي يبلغ ما يقارب الخمسة ملايين، غالبيتهم من أوروبا.

ووفق تقديرات حكومية فإن خسائر القطاع السياحي منذ بداية الحرب وصلت إلى نحو ثلاثمئة وثلاثين مليار ليرة سورية. وحسب قاسم درويش، مدير التخطيط في وزارة السياحة السورية، فإن “النهوض بالسياحة في سوريا بشكل ملحوظ لن يتم قبل عام 2030″، مضيفا: “حتى ذلك التاريخ سيبقى الاقتصاد السوري يسجل سنويا مزيدا من الخسائر، التي كان يجنيها من القطاع السياحي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.