الموقف التركي المستجد في الملف السوري بات أبرز المواقف وأكثرها حساسية خلال الآونة الأخيرة؛ فيما يتعلق بتأثيراته على شكل الحل في سوريا وإمكانات إنهاء الصراع الذي طال أمده دون إنجاز أي تقدم في عملية المفاوضات السياسية.

تبعات الدعوات التركية

كثيرة هي التساؤلات التي تدور حول تبعات تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إزاء إعلانه رغبة تركيا بإجراء اتفاق أو مصالحة بين حكومة دمشق والمعارضة السورية، لا سيما إمكانات تنفيذ الرؤية التركية حيال عقد المصالحة المفترضة بين دمشق ومعارضيها، إضافة إلى احتمالات عودة العلاقات السياسية والدبلوماسية المباشرة والمعلنة بين أنقرة ودمشق، فكيف ستكون ردة فعل دمشق وهل ستتعاطى بشكل إيجابي مع الطروحات التركية.

ورغم تغيير وكالة “الأناضول” التركية لصيغة الخبر، وإزالة مصطلح “مصالحة” وجعله “اتفاق” في إطار نقلها لتصريحات وزير الخارجية التركية، إلا أن محللون أكدوا أن الدعوة واضحة، حيث تسعى أنقرة لتصدير هذا الخطاب منذ أشهر عبر بعض المسؤولين، ووسائل الإعلام لديها.

رفض التدخل التركي؟

الكاتبة السياسية السورية ميس كريدي، تؤكد أن إعادة العلاقة بين دمشق وأنقرة أمر طبيعي، لا سيما وأنهما تملكان حدود مشتركة واسعة، لكنها تعتقد أن عودة العلاقات يجب أن تبنى، بدون إعطاء الحق لتركيا بالتدخل بالشأن السوري.

وتقول كريدي التي تتحدث من دمشق في حديث خاص مع “الحل نت”: “في وقت من الأوقات، حتما سيكون هناك حوار بين أنقرة ودمشق، لكن هذا الحوار إن حصل، فسيكون مبني على حماية الأمن الوطني لكلا الدولتين، وبالتالي لا يكون هناك أي حق لتركيا بالتدخل بالشأن الداخلي السوري”.

وترفض كريدي أن تفرض تركيا على الحكومة السورية، الحوار مع فصائل المعارضة، معتبرة أن ذلك تدخلا في الشأن الداخلي لسوريا، ولن تقبل به دمشق، وبالتالي دعوة أنقرة للحوار بين المعارضة والحكومة السورية هي دعوة مرفوضة بطبيعة الحال، حسب تعبيرها.

وحول ذلك تضيف: “لا يمكن لتركيا أن تفرض أجندة سياسية أو تفرض أشخاص على الدولة السورية، هذا الموضوع لن يحصل. الكلام عن فرض تركيا لأي مصالحة مع المعارضة، يُقرأ في سياق التدخل في الشأن الداخلي السوري”.

من جانبه يرى الصحفي المختص بالشأن التركي سركيس قصارجيان، أن التقارب بين أنقرة ودمشق قادم لا محالة، في حين تراهن الحكومة السورية على عامل الزمن، بسبب اقتراب الانتخابات التركية.

ويقول قصارحيان في حديث لـ”الحل نت”: “دمشق كانت قد اشترطت عدة شروط لعودة العلاقات، هذا التقارب لن يكون بالقريب العاجل بسبب تعقيد الملفات، وأعتقد أن دمشق تراهن على عامل الزمن، بمعنى أنه كل ما اقترب موعد الانتخابات التركية كانت أنقرة بحاجة أكبر إلى تطبيع علاقاتها مع دمشق، لكي تنجح بإعادة إحياء خطاب عودة اللاجئين والانفتاح التجاري مع الخليج من خلال الترانزيت السوري”.

وكانت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمس الخميس، تسببت بغضب واسع في أوساط السوريين، ذلك في وقت شهدت فيه العديد من المدن والبلدات الواقعة تحت سيطرة “الجيش الوطني” الموالي لأنقرة، ليلة الجمعة، خروج محتجين رفضا لتصريحات الخارجية التركية، الداعية لتصالح المعارضة مع الحكومة السورية.

وشهدت مدن اعزاز والباب وجرابلس والراعي، خروج مئات الأهالي في مظاهرات، تنديدا بالموقف التركي، كذلك شملت التظاهرات مدينة إدلب وبعض قرى وبلدات ريفها، وتل أبيض في الرقة، رفضا للتصالح مع دمشق.

قد يهمك: اتصال يتبعه لقاء.. أردوغان بين أحضان الأسد؟

لم يعد من المفاجئ الحديث عن قرب تواصل بين أردوغان والأسد، وذلك في ظل كثرة التقارير التي أشارت إلى الانتقال من مستوى التنسيق الأمني بين الطرفين إلى ما هو أعلى من ذلك بفضل جهود تحركات بعض الدول. لكن المثير للتساؤل هو عن الفائدة التي سيحققها أردوغان من التقارب مع الأسد بعد قطيعة وعداء استمر أكثر من 10 سنوات، شهدت فيها تلك المرحلة توتر كبير وعداء معلن بين الطرفين.  فما الذي يريده أردوغان من الأسد، وكذلك ماذا سيتحقق للأخير من فائدة إذا ما تم هذا الاتصال وتبعه لقاء يجمع الطرفين، قد يكون برعاية خليجية أو أفريقية أو حتى روسية.

اتصال بين أردوغان والأسد

صحيفة “تركيا” التركية، كشفت الثلاثاء الماضي عن حراك من دولة خليجية وأخرى أفريقية، لترتيب لقاء بين أردوغان والأسد. مشيرة إلى أن محادثات طهران وسوتشي دفعتا إلى اتخاذ قرارات مهمة ستنعكس على الملف السوري.

وبحسب ما اطلع عليه “الحل نت” فإن دولة خليجية، بالإضافة إلى دولة إسلامية أفريقية، دون الكشف عن اسمهما، تقومان بتحركات دبلوماسية لترتيب لقاء بين أردوغان والأسد.

الصحفي والمحلل السياسي عقيل حسين يصف هذه المحاولات بالـ “جديّة“، من أجل تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، حيث يعود السبب الرئيسي وراء ذلك وفق حسين إلى ضغط الرأي العام في تركيا.

وقال حسين في حديث سابق لـ“الحل نت“: “الرأي العام التركي يضغط باتجاه عودة العلاقات مع دمشق، فهو يريد بأي شكل إنهاء الانخراط التركي في المشكلة السورية على النحو الذي يجري الآن“.

وأضاف: “يرى كثير من الأتراك أنهم تضرروا بهذا الانخراط ولم يجنوا أي مكاسب، رغم أن الحكومة التركية تقول إن تدخلها لحماية الأمن القومي التركي. بدأ الرأي العام بظل الأزمة الاقتصادية يضغط بهذا الاتجاه، بالتالي أحزاب المعارضة التقطت هذه النقطة وبدأت العمل عليها بشكل كبير، الأمر الذي جعل الحكومة التركية تفكر بأخذ هذه الورقة من المعارضة والاستفادة منها“.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال في تصريحات لمجموعة صحافيين رافقوه، خلال عودته من سوتشي، قبل أيام، إن بوتين أخبره بأن حل الأزمة السورية سيكون أفضل بالتعاون مع دمشق ، وأنه رد بأن جهاز المخابرات التركية يتعامل بالفعل مع هذه القضايا مع المخابرات السورية “لكن بيت القصيد هو الحصول على نتائج“.

وأضاف أردوغان بحسب ما نقلت وسائل إعلام أن “بوتين يحافظ على نهج عادل تجاه تركيا بشأن هذه القضية، ويذكر، على وجه التحديد، أنه سيكون معنا دائماً في الحرب ضد الإرهاب، وأنه ما دامت مخابراتنا تعمل على الأمر مع المخابرات السورية، فإننا نحتاج إلى دعم روسيا، وهناك اتفاقيات وتفاهمات بين البلدين في هذا الصدد“.

اقرأ أيضا: بنود حول سوريا في قمة بوتين-أردوغان.. ما احتمالات تنفيذها؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة