على خلفية تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، مؤخرا، أشعل الشارع السوري في الشمال السوري، بعدما كشف الأخير عن محادثات أجراها مع وزير الخارجية السورية، داعيا للصلح بين المعارضة ودمشق.

وكان “لن نصالح” الشعار الأبرز لجميع التظاهرات الغاضبة التي خرجت يومي الخميس والجمعة الماضيين، وردد المتظاهرون شعارات مناهضة لأنقرة، وسط دعوات لإزالة العلم التركي من جميع المناطق الخاضعة لنفوذ فصائل “الجيش الوطني” المعارض، كما منعوا مرور القوات التركية على طريق عفرين أعزاز.

وفي هذا الصدد أعلن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، يوم أمس السبت، القبض على شخصين “متهمين” بحرق العلم التركي بهدف التحريض ضد تركيا، في مدينة أعزاز، بريف محافظة حلب.

القبض على شخصين

الإعلان جاء عبر تغريدة على الحساب الرسمي لوزير الداخلية التركية، سليمان صويلو، على منصة “تويتر”، إنه “تم القبض على (أ. ي. ه) الضالع في إحراق العلم التركي مؤخرا في أعزاز، و (م. ه) الذي ساعده، بهدف التحريض والاستفزاز”.

وأردف الوزير التركي، أن القبض على المتهمين جاء إثر عملية مشتركة للمخابرات الأمنية ومديرية أمن ولاية كليس، والشرطة العسكرية في أعزاز، الواقعة ضمن منطقة عملية “درع الفرات”، التي ينفذها الجيش التركي شمالي محافظة حلب. كما وأشار إلى استمرار العمل لتحديد المشتبه بهم الآخرين، والقبض عليهم.

وجاءت حادثة حرق العلم التركي على خلفية التظاهرات التي اندلعت في شمال سوريا، يوم الخميس والجمعة الفائتين، نتيجة التصريحات التركية بشأن دعوتها للمصالحة بين المعارضة السورية وحكومة دمشق.

وشهدت مدينة إدلب تجمعا للمتظاهرين عند دوار “الساعة”، وسط المدينة، منددين بالتصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، المتعلقة بالسعي للمصالحة بين دمشق والمعارضة السورية.

كما وقد أفادت مصادر محلية لموقع “الحل نت”، إن “أكثر من 400 شخص تجمعوا أمام القاعدة العسكرية التركية في بلدة المسطومة جنوب إدلب، احتجاجا على التصريحات التركية الأخيرة”.

وأوضحت المصادر ذاتها في وقت سابق، أن “المتظاهرين رددوا عبارات وهتافات، ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إضافة لشعارات طالبت الجيش التركي، بالخروج من محافظة إدلب”.

وأردفت المصادر، أن “المتظاهرين اختاروا بلدة المسطومة كونها تحتوي القاعدة العسكرية الأكبر للجيش التركي جنوب محافظة إدلب، ويتواجد بداخلها ضباط يشرفون على عمليات الأتراك في المنطقة”.

قد يهمك: لماذا تراوغ تركيا بشأن تصريحاتها حول “المصالحة” بين دمشق ومعارضيها؟

استغلال تركي

كان وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، قد كشف يوم الخميس الفائت، أنه أجرى محادثة “قصيرة” مع وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، وذلك على هامش اجتماع “حركة عدم الانحياز” الذي عُقد في تشرين الأول/أكتوبر 2021، بالعاصمة الصربية بلغراد.

واعتبر جاووش أوغلو، أن من الضروري “تحقيق مصالحة بين المعارضة وحكومة دمشق في سوريا بطريقة ما”، ورأى أنه لن يكون هناك “سلام دائم دون تحقيق ذلك”.

وعقب موجة الغضب والمظاهرات التي اندلعت بين الأوساط السورية المعارضة، على خلفية هذه التصريحات التركية، بشأن “المصالحة” بين المعارضة السورية وحكومة دمشق، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، تانجو بيلغيتش، يوم الجمعة الفائت، إن تركيا تدعم الحل السياسي في سوريا، وفق القرار الأممي 2254، وجاء هذا التصريح كتفسير لتصريحات أوغلو.

كما وأصدرت وزارة الخارجية التركية، بيان رسمي عن المتحدث باسم الوزارة: “تركيا منذ بداية الأزمة في سوريا، هي أكثر الدول التي عملت على دعم حلول للأزمة تقوم على تحقيق مطالب الشعب المشروعة”.

وأضاف البيان: “في هذا الإطار، تركيا كانت في مقدمة الأطراف التي عملت على ترسيخ وقف إطلاق النار ميدانيا، وساهمت في مساري أستانا، وجنيف، وبناء اللجنة الدستورية، وقدمت الدعم الكامل للمعارضة وهيئة التفاوض”.

وأشار البيان، إلى أن “تركيا تسعى لإيجاد الحل السياسي وفق خريطة الطريق التي أقرتها الأمم المتحدة وفق القرار 2254، وستنشط فاعلة لتحقيق ذلك”.

وضمن هذا الإطار، يرى الكاتب والصحفي السوري، فراس علاوي، أن هذه التصريحات، هي تفسير لخطاب جاووش أوغلو، والسبب في ذلك أولا، توضيح الدور السياسي لتركيا بتوافقات مسار “أستانا”، لا سيما التوافق مع روسيا، وهو أيضا رسالة للروس، مفادها أن “تركيا عندما خطت خطوات بالتقارب مع محور أستانا، فإنها تنظر في مصلحتها المشتركة مع الشعب السوري”، أي أن الأتراك يريدون استخدام هذا التقارب السياسي من أجل الحصول على مكاسب سياسية من روسيا.

وأردف علاوي، في حديثه السابق لموقع “الحل نت”، أن التوضيحات باتت واضحة للجميع، وهي أن تركيا تتجه نحو هذا التقارب مع حكومة دمشق، لكن وفي اعتقاد علاوي، أن خطوات هذا التقارب ستكون أبطأ مما كان متوقعا في الحقيقة، لأن هذا الأمر، أولا، واجه رفضا شعبيا، واندلعت موجة غضب عارمة من الشارع السوري. إضافة إلى ذلك، فتركيا تستغل هذا الأمر حتى الوصول إلى الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، لذا فالأمر عبارة عملية استفادة سياسية من الوضع والتقارب مع روسيا، وأيضا نوع من الضغط على الولايات المتحدة، بشأن موقفها من الشمال السوري ربما.

واستطرد علاوي في حديثه، أنه في الأساس، ينظر السوريون إلى الأتراك على أنهم حليف، ولكن كحليف يحقق مصالحها وأهدافها السياسية أكثر من مصالح السوريين. وفي النهاية، تنظر تركيا إلى مصالح وأهداف بلادها السياسية فقط، وإذا تقاطعت مع مصالح السوريين بنسب معينة، فسيتم تحقيقها.

وخلُص علاوي، حديثه بالقول: “هذه التصريحات سيبررها السياسيين الأتراك خلال الأيام المقبلة، لكن خطوات التقارب ستكون واضحة وصريحة حقيقة، لكنها ستكون بطيئة جدا، في محاولة لاستغلال الوقت حتى الوصول إلى الانتخابات الرئاسية التركية، وأيضا للاستفادة منها سياسيا من الجانب التركي”.

وعليه، فإن تركيا مستعدة لتغيير بعض سياساتها تجاه الملف السوري، من أجل إيجاد حل للأزمة السورية، بغية تحقيق مصالح تركيا السياسية والاقتصادية وغيرها، والحفاظ على القاعدة الشعبية للحزب الحاكم داخل تركيا، الذي بات يتفاقم مع الوقت. أما بالنسبة لدمشق من جانبها فإن لها شرط صعب التحقيق من قبل أنقرة، ألا وهو انسحاب تركيا من كافة الأراضي السورية، فإما أن يتنازل الطرفان ويتوصلان إلى صيغة مشتركة ترضي مصالح الجانبين فقط على حساب مصالح الشعب السوري، أو ستبقى العلاقات متوترة على هذا النحو، وبالطبع في كلتا الحالتين ستكون الأثمان غالية من حيث التصعيد العسكري على الشمال السوري، ومن جهة أخرى بين القوى العسكرية المحلية في الداخل (مناطق فصائل الجيش الوطني المعارض المدعوم من أنقرة)، نتيجة الانقسام الذي يخلفه هذا التقارب بين عدة أطراف. بالإضافة إلى حدوث موجة هجرة جديدة للسوريين نحو أوروبا، وزيادة التضييق والعنصرية على السوريين من قبل الأتراك.

قد يهمك: غضب عارم يجتاح الشمال السوري ردا على تصريحات وزير الخارجية التركي

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.