خلال اليومين الماضيين، اندلعت موجة غضب بين الأوساط السورية المعارضة، بعد ما أدلى به وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، الخميس، الذي اعتبر أنه “من الضروري تحقيق المصالحة بين المعارضة وحكومة دمشق”، واستدل تصريحاته باجتماع جمعه بنظيره السوري، فيصل المقداد، منذ حوالي عشرة أشهر في بلغراد.

على الرغم من أن هذا الاجتماع كان على هامش اجتماع “حركة عدم الانحياز”، و”لم يكن رسميا”، إلا أنه يعتبر أول اتصال دبلوماسي بين تركيا ودمشق، منذ عام 2011، وربما يكون هذا هو الوقت المناسب لتركيا، لاستخدام هذا الاجتماع في تصريحاتها المعتادة لوسائل الإعلام، بدافع بروباغندا إعلامية لكسب ما يمكن تحقيقه نتيجة الظروف السيئة التي تمر بها تركيا، بالإضافة إلى قرب الانتخابات التركية، ويبدو أنه بعد فشل تركيا في تحقيق أطماعها بشن عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا، بدأت باستخدام هكذا تصريحات مخبئة في “جعبتها”، والتي ربما قد تمدها ببعض الوقت وتنال بعض الدعم من الشارع التركي، لحين الوصول إلى الانتخابات التركية في الصيف المقبل 2023.

لكن ربما لم تكن تركيا، قد حسبت أنه من الممكن لمثل هذه التصريحات أن تُشعل الشارع السوري غضبا، إضافة إلى أن حكومة دمشق، لم تبدِ أي أهمية لهذا الأمر. الأمر الذي دفعت بأنقرة إلى الإسراع بإصدار بيان رسمي ينص على أن تركيا، “تواصل توفير الحماية المؤقتة لملايين السوريين، وإيجاد حل سياسي للملف السوري وفق خريطة الطريق المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2254”.

ومن هذا المنطلق، تبرز عدة تساؤلات ملحة، منها: “مراوغة تركيا في تصريحاتها بشأن “المصالحة” بين دمشق ومعارضيها – تصريحات شبه متناقضة في يومين متتاليين- والعواقب التي ستصاحب هذه الإيضاحات التركية، فيما إذا سيكون السوريون أمام مزيدا من التضييق والعنصرية التركية.

إضافة إلى ذلك، وبعد هذه التصريحات التركية، وردود فعل المعارضة المدعومة منها (الائتلاف السوري المعارض وتصريحات بعض قادة فصائل الجيش الوطني) الضعيفة والمذعنة، هل ثمة ثقة بينهم وبين السوريين في شمال سوريا، والموجودين في تركيا، وهل ستكون هناك موجة جديدة من الهجرة بين السوريين خلال الأيام المقبلة جراء كل ذلك. وأخيرا، إذا ما راوغت تركيا مجددا بإصدار مثل هكذا تصريحات، فما العواقب التي ستصاحبها، بعد العواقب التي رافقت التصريحات الأولى، من مظاهرات ودعوات للإطاحة بالحكومة التركية، والحكومة السورية معا.

استفادة سياسية

عقب موجة الغضب والمظاهرات التي اندلعت بين الأوساط السورية المعارضة، على خلفية تصريحات وزير خارجية تركيا مولود جاووش أوغلو، بشأن “المصالحة” بين المعارضة السورية وحكومة دمشق، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، تانجو بيلغيتش، يوم أمس الجمعة، إن تركيا تدعم الحل السياسي في سوريا، وفق القرار الأممي 2254، وجاء هذا التصريح كتفسير لتصريحات أوغلو.

كما وأصدرت وزارة الخارجية التركية، بيان رسمي عن المتحدث باسم الوزارة: “تركيا منذ بداية الأزمة في سوريا هي أكثر الدول التي عملت على دعم حلول للأزمة تقوم على تحقيق مطالب الشعب المشروعة”.

وأضاف البيان: “في هذا الإطار، تركيا كانت في مقدمة الأطراف التي عملت على ترسيخ وقف إطلاق النار ميدانيا، وساهمت في مساري أستانا وجنيف، وبناء اللجنة الدستورية، وقدمت الدعم الكامل للمعارضة وهيئة التفاوض”.

وأشار البيان، إلى أن “تركيا تسعى لإيجاد الحل السياسي وفق خريطة الطريق التي أقرتها الأمم المتحدة وفق القرار 2254، وستنشط فاعلة لتحقيق ذلك”.

وضمن هذا الإطار، يرى الكاتب والصحفي السوري، فراس علاوي، أنه بداية هذه التصريحات، هي تفسير لخطاب مولود جاووش أوغلو، والسبب في ذلك أولا، توضيح الدور السياسي لتركيا بتوافقات مسار “أستانا”، لا سيما التوافق مع روسيا، وهو أيضا رسالة للروس، مفادها أن “تركيا عندما خطت خطوات بالتقارب مع محور أستانا، فإنها تنظر في مصلحتها المشتركة مع الشعب السوري”، أي أن الأتراك يريدون استخدام هذا التقارب السياسي من أجل الحصول على مكاسب سياسية من روسيا.

وأردف علاوي، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن التوضيحات باتت واضحة للجميع، وهي أن تركيا تتجه نحو هذا التقارب مع حكومة دمشق، لكن وفي اعتقاد علاوي، أن خطوات هذا التقارب ستكون أبطأ مما كان متوقعا في الحقيقة، لأن هذا الأمر، أولا، واجه رفضا شعبيا، واندلعت موجة غضب عارمة من الشارع السوري. إضافة إلى ذلك، فتركيا تستغل هذا الأمر حتى الوصول إلى الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، لذا فالأمر عملية استفادة سياسية من الوضع والتقارب مع روسيا، وأيضا نوع من الضغط على الولايات المتحدة بشأن موقفها من الشمال السوري ربما، وأيضا تحاول روسيا جمع كل الملفات في ملف واحد، للاستفادة من الضغط وتحويله إلى عامل منفعة لهم.

قد يهمك: اتفاق أم مصالحة بين دمشق ومعارضيها.. ما الذي تريده تركيا؟

زيادة الشرخ

بحسب تقدير علاوي، فإن الانقسام بين المواقف السياسية بل والعسكرية للمعارضة السورية (ائتلاف المعارضة السورية وفصائل الجيش الوطني السوري المدعومة من أنقرة)، وبين الشارع السوري المعارض ازداد وسيزداد شرخا، حيال ذلك. وأضاف علاوي، أن “القيادات السياسية والعسكرية المعارضة أقرب إلى الموقف التركي، بينما الشارع السوري المعارض يرفض هذا النهج، وبالتالي سيكون في الأيام المقبلة شرخ أكبر بين هذين الطرفين، أكثر مما هو عليه الآن”.

واستطرد علاوي في حديثه، أنه في الأساس، ينظر السوريون إلى الأتراك على أنهم حليف، ولكن كحليف يحقق مصالحها وأهدافها السياسية أكثر من مصالح السوريين. وفي النهاية، تنظر تركيا إلى مصالح وأهداف بلادها السياسية فقط، وإذا تقاطعت مع مصالح السوريين بنسب معينة، فسيتم تحقيقها.

وخلُص علاوي، حديثه بالقول: “هذه التصريحات سيبررها السياسيين الأتراك خلال الأيام المقبلة، لكن خطوات التقارب ستكون واضحة وصريحة حقيقة، لكنها ستكون بطيئة جدا، في محاولة لاستغلال الوقت حتى الوصول إلى الانتخابات الرئاسية التركية، وأيضا للاستفادة منها سياسيا من الجانب التركي”.

من جانب آخر، اعتبر رئيس حزب المستقبل ورئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو، أن المواقف والتصريحات الأخيرة التركية بشأن “المصالحة” بين المعارضة السورية ودمشق جاءت بضغط شديد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة سوتشي. بهدف تعويم الأسد.

ووفق تقدير داود أوغلو الذي حدد خلال لقاء صحفي على منصة “ميديا سكوب”، ثلاث شروط لا بد من توافرها للبدء بعملية محادثات رسمية مع دمشق.

وتابع داود أوغلو “الشرط الأول هو أن تبدأ دمشق فعليا بعملية مصالحة وسلام داخل البلاد، لكن هذا غير موجود الآن، أما الشرط الثاني فهو سيطرة دمشق بالقوة على كامل الأراضي السورية وهذا أيضا غير موجود، والشرط الثالث أن تكون لهجة النظام الرسمية متعاونة مع تركيا وتسعى للتقارب مع أنقرة، وهذا أيضا غير موجود”.

يبدو أن التقارب بين دمشق وأنقرة، يبدو منطقيا في ظل التوجهات الإقليمية الجارية، والساعية إلى تخفيض الصراعات القائمة، وحلحلة الكثير من الأزمات وعزل حالة التوتر على خلفية وجود تناقضات جمة في ملفات مشتركة، وذلك لحساب إيجاد فرص تعاون مصالحية، والعمل أمام التحديات القصوى التي فرضتها، أو بالأحرى كشفت عنها الحرب الروسية الأوكرانية.

وعليه، فإن تركيا مستعدة لتغيير بعض سياساتها تجاه الملف السوري، من أجل إيجاد حل للأزمة السورية، بغية تحقيق مصالح تركيا السياسية والاقتصادية وغيرها، والحفاظ على القاعدة الشعبية للحزب الحاكم داخل تركيا الذي بات يتفاقم مع الوقت. أما بالنسبة لدمشق من جانبها فإن لها شرط صعب التحقيق من قبل أنقرة، ألا وهو انسحاب تركيا من كافة الأراضي السورية، فإما أن يتنازل الطرفان ويتوصلان إلى صيغة مشتركة ترضي مصالح الجانبين فقط على حساب مصالح الشعب السوري، أو ستبقى العلاقات متوترة على هذا النحو، وبالطبع في كلتا الحالتين ستكون الأثمان غالية من حيث التصعيد العسكري على الشمال السوري، ومن جهة أخرى بين القوى العسكرية المحلية في الداخل (مناطق فصائل الجيش الوطني المعارض المدعوم من أنقرة)، نتيجة الانقسام الذي يخلفه هذا التقارب بين عدة أطراف. بالإضافة إلى حدوث موجة هجرة جديدة للسوريين نحو أوروبا.

كما أن تركيا تلعب دور المراوغة من خلال أداء وظيفة وكقوة وسيطة في أيدي أبرز الأطراف في الملف السوري؛ واشنطن وموسكو، حيث إنها لا تعلن بشكل دائم رجحان كفتها في اتجاه واحد ومباشر، بل أنها تحجل بين الطرفين، ومن ناحية أخرى، فإن مثل هذه التصريحات التركية تأتي بهدف التشويش، بحيث لا يكون هناك موقف واحد بارز يتشكل من خلاله موقف معارض ضد تركيا سواء محليا داخل تركيا وربما يتم استغلاله من قبل المعارضة التركية، أو في سوريا ومن قبل القوى المحلية المدعومة من تركيا.

قد يهمك: دور تركي جديد في سوريا.. ما موقف دمشق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.