في الوقت الذي تبدو فيه واشنطن على وشك إبرام اتفاق نووي جديد مع طهران، تم ربط هجومين على مواقع عسكرية أميركية بميليشيات مدعومة من إيران. فقد تعرضت قاعدة عسكرية أميركية في جنوب سوريا مؤخرا إلى هجوم شنته ميليشيات مدعومة من “الحرس الثوري” الإيراني باستخدام طائرات مسيرة. كما تعرضت قاعدة عسكرية أخرى يستخدمها “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة بالقرب من الحدود الشرقية لسوريا مع العراق لإطلاق صواريخ في اليوم ذاته.

وأعرب المسؤولون الأميركيون عن قلقهم من الأيام القادمة، حيث رأوا أن الهجمات المتتالية التي وقعت في 15 آب/أغسطس الجاري كانت أكثر تعقيدا من الهجمات السابقة. وقد أدى ذلك إلى سلسلة متتالية من الهجمات الانتقامية هذا الأسبوع، بما في ذلك الغارات الجوية التي استهدفت مواقع مرتبطة بإيران في سوريا لثلاث ليال متتالية. وبحسب مسؤول أميركي تحدث لـ”نيويورك تايمز” شريطة عدم الكشف عن هويته في تقرير اترجمه موقع “الحل نت”، فإن الأميركيون أوضحوا لإيران، علانية وكذلك من خلال القنوات الخاصة، أنهم لا يحاولون تصعيد الأعمال العدائية وإنما فقط يسعون لحماية المصالح الأميركية.

كانت هذه الضربات تذكيرا بكيفية توفير سوريا، الممزقة بفعل الحرب الأهلية، أرضا خصبة لعدد كبير من الحروب بالوكالة والتي تلعب فيها كل من إيران وإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وتركيا وتنظيم “داعش” الإرهابي، من بين جهات أخرى، دورا فاعلا. فالوجود العسكري الأميركي في سوريا يجعلها هدفا محتملا للاعبين الذين يتطلعون إلى التنفيس عن مظالمهم تجاه واشنطن أو حليفتها الوثيقة إسرائيل.

ورجح كبار المسؤولين الأميركيين أن تكون هجمات 15 آب/أغسطس على القاعدتين الأميركيتين في سوريا محاولة إيرانية للانتقام من هجوم إسرائيلي سابق، من خلال استهداف الولايات المتحدة حليفة إسرائيل، إلا أن إيران نفت أي صلة لها بهذه الميليشيات في سوريا.

وجاء هجوم الطائرات المسيرة على القاعدة الأمريكية في “التنف” بالقرب من الحدود الجنوبية في سوريا بعد يوم من القصف الإسرائيلي الذي استهدف مواقع عسكرية في محافظتي دمشق وطرطوس أسفر عن مقتل ثلاثة جنود سوريين. وقد استهدفت تلك الضربات قاعدة دفاع جوي للجيش السوري حيث غالبا ما تتمركز مقاتلات مدعومة من إيران، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان” المعارض.

وبالنظر إلى العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، فإن هذا القتال الجديد يأتي في لحظة حساسة للغاية، حيث يقترب الجانبان من التوصل إلى اتفاق نووي يرفع العقوبات عن إيران لقاء فرض قيود على أنشطتها النووية. وقد تؤدي أية هجمات تتسبب في وقوع عدد كبير من الضحايا من كلا الجانبين إلى انحراف المفاوضات النووية عن مسارها.

ومع ذلك، يصر المسؤولون الأميركيون على عدم وجود صلة بين الضربات في سوريا والمفاوضات النووية. ويتساءل مراقبون آخرون عما إذا كانت الهجمات التي تشنها القوات المتحالفة مع طهران محاولة من قبل المتشددين الإيرانيين لعرقلة أي اتفاق.

ويقول بعض المحللين الإيرانيين أنهم يرون الهجمات الأميركية على أنها محاولة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لاسترضاء منتقدي الاتفاق النووي وإثبات أنها سوف تحتفظ بموقف متشدد ضد إيران حتى لو تم التوصل إلى اتفاق نووي.

ويشكل “الحرس الثوري” الإيراني، والذي يعمل بالتوازي مع الجيش، ذراعا قوية للقوات المسلحة الإيرانية، وهو مكلف بتأمين حدود إيران. أما “فيلق القدس”، فرعه في الخارج، فهو مكلف بتنفيذ عمليات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، وكذلك تدريب وتسليح الميليشيات الشيعية التي تعمل بالوكالة في عدد من البلدان. وقد صنفته الولايات المتحدة على أنه جماعة إرهابية، الأمر الذي أصبح نقطة خلاف في المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي.

ويقول مسؤول أميركي كبير أن هناك دوافع محتملة عديدة وراء هجوم إيران في 15 آب/أغسطس. فقد يكون ذلك ردا على هجوم إسرائيلي، إلا أن استخدام الطائرات المسيرة أشار بوضوح إلى تورط “الحرس الثوري” في الهجوم.

قامت إيران خلال السنوات الأخيرة ببناء طائرات مسيرة متطورة قادرة على التسلح. وقد باعتهم تجاريا إلى دول أخرى وصعدت من نقلها إلى الميليشيات التي تعمل بالوكالة عنها. إلا أن تقدم قدرات الطائرات الإيرانية المسيرة واستخدامها في الدول العربية وضد المنشآت النفطية في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ساعد على إقامة شراكة عسكرية بين إسرائيل والعديد من الجيوش العربية والولايات المتحدة.

ومنذ حوالي عام، عقد تحالف معارض لإسرائيل تقوده إيران اجتماعا من أجل مناقشة كيفية الرد على الهجمات الإسرائيلية المتزايدة داخل سوريا، بحسب قيس قريشي، المحلل المقرب من الحكومة الإيرانية والمطلع على إستراتيجية “الحرس الثوري” في المنطقة. وقد ضم هذا اللقاء خبراء عسكريين من سوريا والعراق واليمن و”حزب الله” اللبناني و”فيلق القدس” الإيراني، الذراع الخارجية لـ”الحرس الثوري”.

وأكد حدوث هذا اللقاء شخص في العاصمة دمشق مقرب من القوات الإيرانية هناك، إلا أنه طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث علنا.

وخلال لقائهم ذاك، أعرب السوريون عن عدم رغبتهم في شن هجمات ضد إسرائيل من أراضيهم تجنبا للمخاطرة بحرب شاملة، في وقت تعاني فيه البلاد فعليا من الضعف. لذا، قرر التحالف الرد على الضربات الإسرائيلية باستهداف القواعد الأميركية في سوريا على أمل أن تضغط واشنطن إثر ذلك على إسرائيل للتراجع عن استهدافها لإيران.

وقد خاضت إسرائيل وإيران لسنوات حربا سرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتصاعدت الهجمات الانتقامية المتبادلة مؤخرا وتوسعت لتشمل الضربات البرية والجوية وآخرها في البحر.

وفي ذلك الاجتماع، خلص الخبراء العسكريون أيضا إلى أنه بالرغم من تفوق الجيش الأميركي على الميليشيات التي تعمل بالوكالة عن طهران في سوريا، وغالبا كان يرد بالهجمات المضادة، إلا أن سياسة إدارة بايدن كانت تهدف إلى نزع فتيل التوترات في المنطقة. وقد سعت إلى تجنب الخوض في أي حرب جديدة في ذات الوقت الذي كان اهتمام واشنطن يتحول بعيدا عن الشرق الأوسط.

وقرر المشاركون في الاجتماع المذكور أن تكون هناك ضربة انتقامية ضد قاعدة أمريكية في سوريا، وخاصة في “التنف”، مقابل كل ضربة إسرائيلية على هدف إيراني هناك. “يركز الإيرانيون على التنف لأنهم يعتبرونها نقطة مزعجة لهم. إنهم يريدون توسيع نفوذهم العسكري في تلك المنطقة بالكامل”، يقول عمر أبو ليلى، المدير التنفيذي لمؤسسة “دير الزور 24 الإخبارية” التي تركز على محافظة دير الزور شرقي سوريا.

تسارعت مؤخرا وتيرة الهجمات باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ على القواعد العسكرية الأميركية في سوريا. ففي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، هاجمت القوات الموالية لإيران قاعدة “التنف” بخمس طائرات مسيرة محملة بقنابل وشظايا. وقال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون في ذلك الوقت أن هجوم الطائرات المسيرة هذا هو أول هجوم لإيران ضد الولايات المتحدة ردا على هجوم من قبل إسرائيل.

ولم تتبنى إيران ذلك الهجوم، إلا أن قناة في تطبيق المحادثة “تلغرام” يديرها أعضاء تابعون لـ”الحرس الثوري” الإيراني قالت أن هذا الهجوم جاء ردا على إعطاء الولايات المتحدة الضوء الأخضر لإسرائيل لتشن هجماتها على القوات المتحالفة مع إيران في شرق سوريا.

ويعود التدخل الإيراني في سوريا ووجود “الحرس الثوري” إلى العام 2011، عندما أرسل “الحرس الثوري” مقاتلين وجنرالات لمساعدة حكومة دمشق عسكريا ضد المناوئين لها من المعارضة السورية المسلحة. بقيت القوات الإيرانية وعشرات الآلاف من المقاتلين بالوكالة من دول مثل العراق ولبنان وأفغانستان في سوريا، رغم خروج الأسد من الصراع منتصرا إلى حد كبير وسيطرته على معظم أنحاء البلاد، كجزء من سياسة إقليمية أوسع تتمثل في الحفاظ على تهديد لإسرائيل من دولة لها حدود مشتركة معها. “البطاقة الرابحة في يد إيران الآن هي أنها تجاور إسرائيل عبر سوريا أيضا”، يقول قريشي لـ”نيويورك تايمز”.

ومنذ ذلك الحين، ترسخت إيران ووكلائها في أجزاء من سوريا، لاسيما في الشرق وحول العاصمة دمشق. وقد أقاموا بنية تحتية عسكرية واشتروا عقارات وجندوا مقاتلين محليين وحاولوا نشر الإسلام الشيعي هناك. ويقول مسؤولون أميركيون إن هناك عددا صغيرا نسبيا من قادة “الحرس الثوري” متبقين في سوريا، وهم يديرون الميليشيات المتحالفة المكونة من مقاتلين سوريين وعراقيين وأفغان.

وقد بدأت الضربات الأميركية، مساء الثلاثاء الماضي، عندما ألقت طائرات مقاتلة قنابل موجهة على نحو 12 مستودعا للذخيرة تستخدمه الجماعات المتشددة التابعة لـ”الحرس الثوري” في دير الزور. وقال المسؤولون الأميركيون حينها إنهم لا يريدون إثارة تصعيد متبادل، لذلك تأكدوا من عدم وجود مسلحين في المستودعات عندما ضربوا لتقليل مخاطر وقوع إصابات.

لكن في اليوم التالي، ردت ميليشيا يشرف عليها “الحرس الثوري” بالهجوم على موقعين أميركيين في سوريا وهما موقع دعم البعثة “كونيكو” في شمال شرق سوريا والقرية الخضراء. ورد الجيش الأميركي” بطائرات هليكوبتر هجومية من طراز “إيه سي 130” وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز “أباتشي”، مما أسفر عن مقتل أربعة مسلحين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.