لا يزال الملف النووي الإيراني مصابا بالجمود، على الرغم من التفاؤل الذي كان سائدا خلال الأسبوعين الماضيين، بعد المقترح الذي قدمه الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى حل لتوقيع الاتفاقية، والذي كان مقبولا بشكل مبدئي من قبل إيران والولايات المتحدة، وفق ما أفادت به تقارير صحفية.

في المقابل هناك توقعات بأن الرد الإيراني، على النص الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي، لإحياء الاتفاق النووي لن يكون على الأرجح قادرا على إرضاء الأطراف الأخرى لا سيما واشنطن، ذلك لأن إيران، تصر على الضمانات الاقتصادية والتي تتضمن استفادة طهران من المزايا الاقتصادية لإحياء الاتفاق النووي، إضافة إلى إلغاء العقوبات الدولية، بحسب ما أفادت به مصادر “الحل نت”.

إذا ما فشلت المفاوضات النووية هذه المرة، فإن هذا سيخلق “أزمة خطيرة”، حيث إن جمود المفاوضات على مدار فترات أطول، سوف يؤدي إلى امتلاك إيران لقنبلة نووية، التي أصلا باتت على مقربه منها، وهذا ما سيشعل صراعا كبيرا في المنطقة، لاسيما وأن إيران سيتاح لها زيادة مستوى التهديد لأمن واستقرار المنطقة.

التعطيل لأهداف اقتصادية

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أكد اليوم الإثنين، على مطالب بلاده بالمفاوضات النووية، مبينا أنها تشمل رفع العقوبات بشكل مستدام والتحقق المطمئن من رفعها والحصول على الضمانات الكافية وإغلاق قضايا الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وأضاف رئيسي، في مؤتمر صحافي بمناسبة أسبوع الحكومة والذكرى الأولى لتشكيل حكومته، أن حكومته تعمل على مسارين في آن واحد، هما السعي للتخلص من العقوبات الأميركية الذي وصفها بأنها “ظالمة”، والمسار الثاني هو العمل على رفع هذه العقوبات عبر المفاوضات النووية.

وأكد رئيسي، على أن إيران لم ولن تلتزم بالقيود والعقوبات، وفق وصفه، لافتا إلى أن إيران لن تعول على الأجانب وتعتمد على قدراتها والحلول الداخلية، بحسب ادعاءه.

وجدان عبد الرحمن، الخبير في الشأن الإيراني، أوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن تصريحات الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، كتصريحات تضيف شروطا اقتصادية بهدف تعطيل الحل من خلال جعل الشروط أكثر صعوبة، نابعة من الخطة أو المشروع الذي أتى به التيار المتشدد في إيران، وعلى رأسه حسين شريعة مداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد الإيراني، علي خامنئي، والداعي إلى تأخير التوقيع على الاتفاقية لمدة شهرين إضافيين على الأقل، ومن الواضح أن تصريحات رئيسي تدل على استجابته للمتشددين.

وأضاف عبد الرحمن، أنه لو تم توقيع الاتفاق بين إيران والغرب، وعادت الولايات المتحدة إلى مجموعة “5+1” فإن ذلك لا يعطي ضمانات اقتصادية لإيران أو ما يمكن تسميته الانتفاع الاقتصادي من توقيع الاتفاقية.

إقرأ:وسط ترقب عالمي.. ساعات حذرة في مفاوضات النووي الإيراني

إيران خاسرة بسبب نشاطاتها النووية

الرئيس الإيراني، شدد على أنه “لن يكون هناك اتفاق من دون إغلاق قضايا الضمانات (اتفاق الضمانات تابع لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية)”، وذلك في إشارة إلى الخلافات بين إيران و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بشأن ثلاثة مواقع إيرانية مشتبه بممارستها أنشطة نووية غير معلنة، بعد إعلان الوكالة سابقا أن مفتشيها حصلوا فيها على آثار جزيئات اليورانيوم.

وفي هذا السياق، يرى وجدان عبد الرحمن، أنه لو تم توقيع الإتفاق، فإن موضوع المواقع النووية الثلاث المشتبه بها والتي عُثر فيها على ذرات من اليورانيوم المخصب ستبقي الملف مفتوحا أمام “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، أي أن الملف سيكون سيفا مسلطا على النظام الإيراني.

ونتيجة لهذه العلاقة بين إيران والوكالة، فلن تعود الشركات الغربية والعالمية وحتى البنوك للتعامل اقتصاديا مع إيران، ولهذا تجد إيران نفسها خاسرة من هذا الاتفاق لأنها أيضا ستقوم بإخراج اليورانيوم المخصب الذي كلفها مليارات الدولارات الأميركية إلى خارج البلاد، وإضافة لذلك فإن من بين النقاط التي تم الحديث عنها أن اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة يجب خفض نسبة تخصيبه إلى 20 بالمئة وإخراج الأخير لخارج إيران، وأما ما يمكن لإيران العمل به في مشروعها النووي هو العودة إلى التخصيب بنسبة ما دون الـ 4 بالمئة كما كانت قبل العام 2015.

وأشار عبد الرحمن، إلى أن إيران بكل حال لن تستفيد من التوقيع على الاتفاقية من الناحية الاقتصادية، وحتى الأموال الايرانية المحجوزة في الخارج فلن تتمكن من الوصول إليها ما لم يتم الإفراج عن السجناء السياسيين لديها، والفائدة الوحيدة من التوقيع على الاتفاقية هي الحفاظ على النظام الحالي وتجنب احتمال حدوث ضربة عسكرية.

قد يهمك:تفاؤل حذر بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني.. ما فرص نجاحه؟

ما هي احتمالات النجاح والنتائج؟

إيران، أعلنت في السادس عشر من الشهر الحالي، أنها قدمت ردها المكتوب على مقترح قدمه الاتحاد الأوروبي بشأن إحياء الاتفاق النووي، وأكدت طهران، إنه سيتم استئناف الاتفاق النووي، إذا كان الرد الأميركي “واقعيا ومرنا”، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

ولم تفصح إيران عن تفاصيل بشأن الرد، لكنها أفادت بأن نقاط التباين المتبقية “تدور حول ثلاث قضايا، أعربت فيها أميركا عن مرونتها اللفظية في حالتين، لكن يجب إدراجها في النص”، في حين ترتبط الثالثة “بضمان استمرار تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي للاتفاق)، والتي تعتمد على واقعية أميركا لتأمين (التجاوب مع) رأي إيران”.

وفي هذا السياق، بين الأكاديمي والباحث في الشأن الإيراني، مسعود إبراهيم حسن، في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن هناك ردود فعل إيجابية من الأطراف المفاوضة سواء من الجانب الأميركي، أو الإيراني تجاه الاقتراح الأوروبي، وأن الجانب الأوروبي قدّم العديد من الامتيازات لإيران، وتنازلت الأخيرة بدورها في هذا الإطار، بما في ذلك التنازل عن شطب “الحرس الثوري الإيراني” من قائمة الإرهاب.

ووفق اعتقاد حسن، هناك ملفات أخرى لم تظهر للنور، أهمها الوجود الإقليمي لإيران، وملف الصواريخ الباليستية، وهذين الملفين مهمان للغاية بالنسبة لإيران، بحسب تعبيره.

وأردف حسن، في حديثه، أن إسرائيل ترفض رفضا قاطعا إتمام الاتفاق النووي الإيراني، لأن هذا الاتفاق يعطي شرعية وقوة لإيران لتنفيذ مشاريعها الإقليمية، وتوسعها في المنطقة. لذلك تسعى إسرائيل، وفق رأي حسن، بكل جهودها لإفشال هذه المفاوضات ووقف رفع العقوبات عن طهران، لأن تل أبيب تسعى لإضعاف طهران، ورفض منحها الشرعية لتوسعها الإقليمي في المنطقة.

ومع ذلك، إذا كانت هناك شروط قوية في الاتفاقية الجديدة تحد من قدرات إيران، وتحجم توسعها بالمنطقة، فإن إسرائيل ستسعى للتكيف مع الأمر، تماما كما فعلت إسرائيل، دائما وأبدا وحتى بعد اتفاق 2015 تركت الباب مفتوحا أمام العمليات العسكرية مع إيران، من خلال عمليات صغيرة، مثل اغتيالات العلماء النوويين الإيرانيين، أو العمليات السيبرانية ضد المفاعلات النووية، لذلك حتى بعد توقيع اتفاقية جديدة حول الملف النووي، ستبقي إسرائيل الباب مفتوحا لمواصلة عملياتها العسكرية ضد إيران، سواء في الأراضي الإيرانية أو في الداخل السوري، على حدّ تعبير الباحث في الشأن الإيراني.

وبحسب حسن، فإن التواجد والتمدد الإيراني زاد بعد العام 2015، إذ لم ينص الاتفاق آنذاك على الحد من التواجد الإيراني في المنطقة، ولذلك استغلت إيران الحرب في سوريا للتدخل وإنشاء قواعد بزعم أن تدخلها جاء بطلب من الرئيس السوري بشار الأسد.

إن التحرك الإيراني في المنطقة، وخاصة في سوريا، لم ولن يتغير حتى لو تم التوقيع على اتفاقية جديدة بخصوص الملف النووي. على العكس من ذلك، ستسعى طهران لتوسيع أطماعها في المنطقة أكثر. لذلك لن تخاطر الولايات المتحدة الأميركية، وتوقع الاتفاقية ضمن كل الشروط التي ذُكرت أعلاه، ما لم تكن هناك رؤية لواشنطن للسيطرة على تحركات إيران في المنطقة.

إقرأ:“ساعات حاسمة” لإحياء الاتفاق النووي الإيراني.. ما فرص نجاحه؟

لا يمكن في الواقع التكهن بما ستؤول إليه مفاوضات النووي الإيراني، خاصة أن إيران تحاول الانقلاب بعد كل تقارب من خلال فرض شروط جديدة تكون سببا في تعطيل التوصل لاتفاقية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة