“المونة صارت شهوة، البيت اللي فيو مونة مثل مستودعات التاجر المليانة بضاعة”، هذا الوصف يبدو غريبا بعض الشيء على أهالي سوريا، الذين اعتادوا مع دنو شهر تموز/يوليو من كل عام، البدء بالتجهيز لمونة الشتاء، بدأ من البازيلاء إلى ورق العنب، والبامية والفول، وحاليا المكدوس، الذي تبدأ البيوت السورية بصناعته في شهر آب/أغسطس.

اعتاد السوريون في مثل هذه الأيام على تأمين “مونة الشتوية”، من المكدوس، والجبن، و”الشنكليش”، والمربيات بكافة أنواعها، ثم في شهر تشرين الأول/أكتوبر، يأتي تأمين “مونة” الزيتون، وأيضا الزيت الذي وصل سعره إلى حدود الـ300 ألف ليرة، لصفيحة الـ20 ليترا، وذلك كله بالتزامن مع تردي الوضع الاقتصادي.

تُعرف المونة، بأنها ما يدّخره المواطنون من قوت ومواد غذائية، ويسمى المكان الذي يتم حفظ المواد الغذائية بداخله بهدف التخزين، “بيت المونة”. والتموين في المنازل السورية ثقافة قديمة، تتعلق بأنواع من المأكولات المرتبطة بالتراث السوري، وتقوم على تخزين مواد غذائية موسمية بكميات كبيرة بهدف استخدامها خلال فترات أخرى من السنة.

معادلة تقترب من المستحيل

قبيل غروب شمس أمس الاثنين، وخلال تبادلهما الحديث عن موضوع شراء مواد المونة من سوق الهال بمدينة درعا، تقول الحاجة، أم وليد “الله يرحم أيام زمان”، لجارتها أم سفيان، فهذه الجملة باتت متواترة على ألسنة السوريين في كل وقت، فمع استمرار ارتفاع الأسعار غير المسبوق، برزت مخاوف جديدة لدى السوريين من ارتفاعات أخرى خلال المرحلة القادمة، خاصة مع اقتراب العام الدراسي الجديد، وما يليه من مواسم المونة التي يشتهر السوريون بها، حتى باتوا يترحمون على الأيام السابقة.

مع حلول العام الجديد 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يصنف ضمن الطبقة الفقيرة.

وعلى الرغم من أن هذا العام لا يختلف عن سابقه حتى اللحظة، ولكن مع ارتفاع الأسعار في سوريا، يرى المزيد من الناس أن التطمينات الحكومية لا جدوى منها، والأكيد أن ميزانياتهم ستتضرر أكثر وهو ما سينعكس على مونتهم السنوية، ويضعهم في حيرة بما سيتناولونه أثناء فصل الشتاء، خصوصا، وأن حكومة دمشق أوقفت الاستيراد مؤخرا، ورفعت يدها عن دعم الأسمدة الذي سينعكس حتما على زراعة المواد الغذائية.

المعادلة التي لن تفهم ومستحيلة الحل لدى أم وليد، هي أن مونة بيتها الذي يحتضن 8 من الأبناء أحدهم متزوج ولديه طفلين، كانت تكلفها عام 2010 حوالي 60 ألف ليرة سورية، بينما هذا العام فإن ذات المونة من اللبنة، والمكدوس، والزيتون، والبازيلاء، والفاصولياء، والملوخية، دون زيادة أي كيلو عليها باتت تكلفها ما يقارب 12 مليون ليرة سورية، وليس هذا فحسب، بل أنها العام الفائت كانت تكلفتها حوالي 9 مليون ليرة سورية، “يعني هالسنة بس زادت سعر المونة 3 ملايين”، وفق قولها.

“المونة لمن استطاع إليها سبيلا”

بورصة الخضار، كما يصفحها عبد الغني جندل، تاجر الخضار في سوق الهال بريف دمشق، لا تستقر أسعارها من ساعة إلى ساعة، بل على العكس، “كل تاجر الموبايل ما بفارق أيده، لأن الأسعار عم تتغير كل دقيقة، والسعر بينزل على غروب (مجموعة)، الواتس آب الخاص بالتجار”.

يقول جندل، لـ”الحل نت”، خلال سؤالك عن سعر الخضار اليوم الثلاثاء، فسعر ما يتم تموينه، أو المواد التي تدخل في صناعة المونة هي كالتالي: الثوم بـ6 آلاف ليرة، والباميا بـ8 آلاف ليرة، والباذنجان البلدي بـ1500 ليرة، والحموي منه بـ1200 ليرة، والفاصولياء بـ8 آلاف ليرة، والملوخية بـ7 آلاف ليرة، بزيادة أقلها 500 ليرة عن سعر أمس الاثنين.

يشير جندل، إن كل بيت سوري يؤجل شراء حاجيات المونة يوما واحد يكون الفارق بأقل تقدير 25 ألف ليرة سورية، لسعر 50 كيلو من أي نوع من أنواع الخضار.

وبالعودة إلى أم وليد، فإن غلاء الأسعار سواء للباذنجان، أو الجوز، والزيت، جعل من كل بيت سوري إما أن يقنن صنع المكدوس إلى النصف لـ”الذواقة”، أو العزوف عن صناعته، فتكلفة القطرميز الذي يزن كيلو واحد، تبدأ أسعاره من 150 ألف ليرة سورية، وما فوق حسب الجودة.

حتى أم سفيان، التي لا تبدو أحسن حالا من جارتها أم وليد، فهي تردد المقولة السورية الشهيرة “لا تشكيلي ببكيلك” أي إن الحال من بعضه كما يوصف بالعامية، فهي التي استطاعت أن تحصل على 400 دولار أميركي ما يعادل مليون و800 ألف ليرة سورية، من ابنها الذي يعيش في الأردن، لتموين البامية، والبازيلاء، فور نزولها في الأسواق، لم تهنأ بتموينها لمدة 23 يوم، قائلة: “ياريتني يبستها وما فرزتها”.

الحادثة التي كلما تتذكرها أم سفيان تضرب كفها بالآخر، هي أنها فقدت مونتها خلال ذهابها إلى دمشق لحضور عزاء لأحد أقاربها، وغابت عن البيت 5 أيام، وحينها وبسبب انقطاع الكهرباء عن مجمدة الطعام التي تضع فيها النساء مونتهن الشتوية من أجل الحفاظ عليها.

غرف المونة خاوية

التموين في سوريا، تراجع بشكل كبير خلال الأعوام السابقة وهذا العام بشكل أكبر كما رصده “الحل نت”، لارتباطه بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي، وتأثّره بتراجع الإنتاج الزراعي، وضعف الاستيراد والتصدير وحركة التجارة.

تؤشّر معدلات التموين للعائلة السورية، على المستوى الاقتصادي الفردي، الذي تدهور بشكل كبير ليصل بـ 90 بالمئة، من السوريين إلى خط الفقر، وذلك وفق دراسة أعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة “الأسكوا”، ونشرتها في أيلول/سبتمبر الماضي.

لابد من الإشارة، إلى أن “أحوال بعض المواطنين “المعدومة” خرجت من قائمة الأشخاص “المدعومة” بكيلو سكر، أو كيلو رز حكومي وسط تراكم الأزمات التي بدّلت لون أوراق الملوخية من الأخضر إلى الأسود في عيون معدومي الدخل بعدما وصل سعر كيس الملوخية الذي يحوي 5 كيلو إلى 30 ألف ليرة سورية على أقل تقدير”.

وبات تموين الـ 60 كيلو زيتون، طموح أي عائلة، فبسبب ضعف القوة الشرائية، تحولت عادة تحضير المونة الشتوية إلى الرفاهيات بسبب الأسعار المرتفعة للخضروات مقارنة بالسنوات السابقة، خاصة في القطفة الأولى.

كما أن التقنين الكهرباء الذي تتبعه الحكومة، يشكل مشكلة كبيرة لغالب المواطنين في مختلف المحافظات السورية، حيث تصل ساعات التقنين في بعض المناطق إلى 20 ساعة، يوميا مقابل “لمعة واحدة”، في حين ينعم البعض في ساعات لا بأس بها من الكهرباء وسط تبريرات خاصة بالمياه، وغيرها من الخطوط المعفية لأسباب أخرى.

بيوت المونة، أصبحت خاوية وفقا لأغلب حديث من حاورهم “الحل نت”، حيث تتميز البيوت السورية ولا سيما القديمة، بوجود غرف مخصصة لتخزين المونة، أما المنازل التي بنيت في عشرينيات القرن الماضي، فغالبا ما تحتوي سقيفة واسعة ملحقة بالمطبخ كمكان لحفظ الأغذية.

وتأخذ المونة أكثر من شكل في سوريا، الأول هو حفظ المواد الأولية كالرز، والبقوليات، والحبوب، والسكر، والزيت والسمن، لاستخدامها على مدار السنة، لأهداف اقتصادية وكنوع من الأمن الغذائي على مستوى العائلة الواحدة، كما ترتبط بكثرة عدد أفراد العائلة في المنزل الواحد، ما يتطلب توفيرا دائما لهذه المواد.

والشكل الآخر يتعلق بتموين الخضراوات، كالبازلاء والباذنجان والبامية، والجزر، والفستق، والملوخية وغيرها، بهدف استخدامها في الطبخ، ونتيجة زراعتها في مواسم محددة، وتتم إما بالحفظ عن طريق التبريد، أو بوسائل أخرى كالتجفيف.

ومن الجدير بالذكر، أن الكثير من السوريين يتجنبون صنع المونة خلال الموسم الحالي، مثل المكدوس والجبنة واللبنة وغيرها، بسبب عدم قدرتهم على شرائها، نظرا لارتفاع الأسعار، ونقص التمويل الذي تسببت به الأزمة الاقتصادية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.