في كل موسم، تشهد الأسواق السورية عادة معروفة باسم “الأوكازيون”، وهي مشتقة من الفرنسية، تقوم على تقليد بيع ما تبقى من السلع الموسمية لمنعها من التكدّس لموسم آخر تنتج فيه موضة وموديلات جديدة. وبالتالي فإن البيع حتى بسعر التكلفة من دون ربح أفضل كثيرا من خسارة التخزين ودفع أجوره، وهذا مستحيل في ظل هامش الربح المرتفع جدا، وهنا يقتنص المواطنون الفرصة بما يفترض أنه موعد التخفيضات على السلع التجارية.

مَن الرابح؟

رغم أن التاجر ينظر إلى “الأوكازيون”، على أنه اقتطاع من أرباحه وربما خسارته في بعض الأحيان بسبب التخفيضات المغرية التي يضعها، إلا أنه يبرز كالفائز الأكبر من هذا العرض الذي يكشف مرارا وتكرارا الجانب الجشع لتجار التجزئة، والمنتجين على مدار العام، حسب ما وصفته صحيفة “البعث” المحلية.

واعتبر تقرير الصحيفة الذي نُشر اليوم السبت، أن هذا يكشف الأخطاء التي ارتكبت في سياسات التسعير القائمة منذ عقود، إذ لم تكن هذه الأخطاء ناجمة عن فشل القوانين، بقدر ما كانت ناجمة عن إساءة معاملة المشرفين والمسؤولين عن التنفيذ.

وقالت الصحيفة، “الآن تستدعي انتباهنا احتفالات الأوكازيون الكذابة والخداعة والتي طالما سجلت إعلانات بالمراوحة بين 20-70 بالمئة، ليخرج السؤال المتجدد: هل أسعار التخفيضات حقيقية أم وهمية؟ ليبقى الجواب معلقا في ذهنية، ولسان إدارة تجارة داخلية تعتبرها حقيقية، وتجّار يصرون على تبييض الصفحات، وإثبات حسن النيات والتعتيم على الممارسات التي تخبئ زيتا عكرا في كل المناسبات، في وقت يدلل الخبراء، والمتابعين، والعارفين ببواطن أمور أسواقنا، أنها وهمية ومرتبطة بجشع التجار”.

التعريج المثير للجدل في التقرير، هو أن التقرير بيّن أن زبائن “الأوكازيون” في سوريا، يرونه كذبة وأنهم ضحية إغراء وإعلانات التخفيضات في كل موسم، متسائلين، “إذا كانت هوامش الربح التي تسمح بها أنظمة السوق وقواعده للمنتجين والباعة لا تتجاوز نسبة الـ 40 بالمئة فكيف سنصدق حقيقة التخفيضات التي تصل لنسبة 70 بالمئة”.

“المكاسرة” طريقة أخرى

نتيجة للعديد من العقبات التي تواجه جميع القطاعات في سوريا، ظواهر ووسائل جديدة تبدأ بالظهور من أجل الالتفاف على ارتفاع الأسعار، والتي تفوق قدرة معظم السوريين اليوم. وأيضا، نتيجة لقيام التجار برفع الأسعار حسب مزاجهم، بالإضافة إلى احتكارهم لبعض الأنواع والتلاعب في الأسعار حسب رغبتهم، مما دفع المواطن السوري إلى “المكاسرة”، من أجل خفض سعر المواد لأقل سعر ممكن بما يتناسب مع راتبه ومدخوله الضئيل، خاصة وأن المواطن يتأثر بفرق السعر حتى لو كان ألف ليرة سورية.

على سبيل المثال، الحديث عن أسعار الأدوية وتباينها بين صيدلية وأخرى يكاد لا يتلاشى حتى يطفو على السطح مرة أخرى، وكأن الحديث هنا عن سلعة تجارية قابلة للعرض والطلب، وليس عن عقار دوائي يفترض أن يكون سعره محددا، وغير قابل للتفاوض.

وفق ما نقلته صحيفة “تشرين” المحلية، عن إحدى السيدات في وقت سابق من الأسبوع الفائت، فإن عبارات المساومة على الأسعار كانت شائعة في الأسواق التجارية، حيث تخضع بضائعها لأخذ الأسعار والرد في السعر بمعنى “المكاسرة”، بينما كانت الصيدليات تنأى بنفسها عنها عندما كانت أسعار الأدوية محددة، ومطبوعة على العبوات ولا مجال فيها للزيادة، وليس كما يحدث اليوم، عندما دخل الدواء هذا المضمار، وأصبحت عبارات مثل “راعينا، اعملنا خصم” شائعة على ألسنة المرضى أثناء شراء الأدوية من الصيدليات، والغريب – بحسب السيدة – أن العديد من الصيادلة يقومون بالفعل بخصم على فاتورة الدواء، “قلّ هذا الخصم أو أكثر” مما يدل على توسّع هامش ربحهم.

استمرار رفع الأسعار

“الأوكازيون” في سوريا طريقة ممتازة لتحريك السوق وبيع السلع وعرضها بأقل من سعر الطلب الأولي، وهو في صيغته الحقيقية غير المزورة، تخدم العميل قبل البائع، ولكن في الأسواق السورية حاليا هذا غير ممكن، مما يحتم إعادة التفكير في المقاربة، والأدوات بطريقة تضع حدا لـ”المسرحية”، التي يتناولها البائع وتجعلهم يتحكمون فيها كما يرونها مناسبة.

وإذا ما ألقينا نظرة على وتيرة زيادة أسعار سلع معينة، مثل السكر، والمتة وهي من أساسيات البيت السوري، أو على خدمات أخرى مثل أسعار سيارات الأجرة، فسوف نكتشف أن هناك سوقا لأسهم، وبورصة ذات إمكانات وأرباح مستغلة. فاليوم، تصل كلفة السكر إلى 6000 ليرة سورية، وتصل كلفة التاكسي، الآن إلى الآلاف حسب خط السير.

كما يصل سعر المتة النصف كيلو أكثر من 12 ألف ليرة، و7 آلاف للعلبة 250 غراما، بالإضافة إلى ندرتها في الأسواق، ما أدى إلى تضاعف أسعارها إلى أرقام فلكية عند مقارنتها بمستوى الدخل وتحديداً الرواتب والأجور، فراتب الموظف بالكاد يشتري 10 علب من تعبئة النصف كيلو.

وهنا، نستعين بما سبق عرضه في مجال التحليل المالي، لحساب تراجع وتآكل القدرة الشرائية للموظف السوري، عبر استخدام مؤشر السكر، وتكاليف النقل، خصوصا أسعار سيارات الأجرة، وعلب المتة بالعمليات الحسابية البسيطة والمتواضعة، والتي تخلُص إلى أنه في عام 2010 كان سعر كيلو السكر يتراوح ما بين 15 و25 ليرة، وأجرة التاكسي أيضا بـ25 ليرة، وعلبة المتة بـ25 ليرة.

واليوم فإن سعر العلبة نفسها 5,500 ليرة في المحلات، وبالسعر النظامي تقريبا يعني زاد سعر العلبة 200 ضعف، وإذا كان وسطي الرواتب 15000 ليرة، في العام 2010 فهذا يعني أن وسطي الرواتب في العام 2022 يجب أن يكون 3 ملايين ليرة لتبقى القوة الشرائية لدخل الموظف.

الجدير ذكره، أن مستشار في مجلس الوزراء حذّر في وقت سابق، من أن تكلفة الغذاء للأسرة السورية المتوسطة سترتفع إلى عنان السماء في الأيام المقبلة، مما يشير إلى انخفاض حاد في مستويات المعيشة. ونتيجة لذلك، ستضطر الأسر إلى تقنين مؤونتها الغذائية من حيث الكمية والنوعية، وذلك إلى حد كبير نتيجة لصعوبة الحصول على الغذاء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.