مع الارتفاع غير المسبوق في تكاليف الاستطباب، أصبح الاعتماد على أدوية العطارين، والطب البديل “العربي” أكثر شعبية بين المواطنين، وخاصة ذوي الدخل المحدود والمتدني. ومع ذلك، فإن تناول هذه الأعشاب دون الاعتماد على جرعات محددة، بالإضافة إلى حقيقة أن خلط الأعشاب مع غيرها يمكن أن يؤدي إلى عواقب لا يُحمد عقباها، وتدهور الحالة الصحية للمريض.

إزاء ذلك، طالت العديد من الانتقادات والاتهامات للعطارين بأن معظمهم لم يتلقوا أي تعليم أكاديمي، وأنهم “يجب أن يتلقوا تدريبا من أجل اكتساب المزيد من الخبرة وعدم ارتكاب أخطاء في الحالات المرضية. في حين رأى العطارون ذلك النقد “مجحفا” بحقهم، وأن العديد من العطارين أكملوا تعليمهم الأكاديمي الذي يخدم مجالهم وليسوا جاهلين كما يحاول البعض ترويجه.

انتقادات للعطارين

منذ أكثر من ثلاثمائة عام ما يزال سوق العطارين، أحد أشهر أسواق دمشق القديمة المتفرع عن سوق البزورية شاهدا على مهنة متوارثة عن الأجداد، فإن سوق العطارين يشهد إقبالا لافتا، وغالبا ما يردد المتداون عبارة شائعة تقول: “الأعشاب إذا ما فادت ما بتضر”.

وتعرض مريض يعتمد على علاج العطارين ويتناول الأعشاب بشكل مفرط، لنتائج سلبية بعد أن وصف له أحد العطارين عشبة “السنمكي” كعلاج للإمساك دون تحديد الجرعة والكمية المناسبة لتناولها، ما أدى لارتخاء القولون بسبب الاعتياد وكسل الأمعاء، فتأزمت صحة المريض، وفق تقرير لموقع “هاشتاغ” المحلي، يوم أمس الإثنين.

ووفق التقرير المحلي، فإن هذه الحالة ومثلها حالات كثيرة دفعت لانتقاد مهنة العطارة التي لا تعتمد على أسس علمية وفق أكاديميين. حيث يشير أستاذ النباتات الطبية والعطرية في كلية العلوم بجامعة “حلب”، عبد العليم، إلى أن معظم العطارين لم يتلقوا أي تعليم أكاديمي، وأن معظم أصحاب المهنة أخذوها عن آبائهم وأجدادهم، وبالتالي، فإن إمكانية “وقوعهم في أخطاء مختلفة وارد بشكل كبير”، على حد وصفه.

واستدل أستاذ النباتات العطرية بمثال، حيث قال: “تتمثل هذه الأخطاء في الخلط بين عشبة وأخرى، حيث يمكن أن يصف العطار لشخص ما عشبة معينة، ولكنها ليست هي المطلوبة، الأمر الذي يحدث بشكل كبير بسبب وجود عدة نباتات مختلفة ولكن لها اسم عربي واحد”.

عطارين أكاديميين؟

العطار، أبو أحمد، في حديثه للموقع المحلي، اعتبر الانتقادات الموجهة لعمل العطارين بأنها “مجحفة” وبحسب رأيه فإنه من الخطأ التعميم والقول بأن، “العطارة مضرة أحيانا” لأنه يعمل في هذه المهنة منذ ثلاثين عاما وراثة عن أبيه الذي ورثه بدوره عن جده، إضافة إلى دراسته للصيدلة.

ولفت أبو أحمد، إلى أن الكثير من العطارين أكملوا تعليمهم الأكاديمي الذي يخدم مجالهم وليسوا جهلة كما يحاول ترويجه البعض، إلى جانب أنهم لم يعتمدوا فقط على ما ورثوه من خبرة بالرغم من أهميتها. فمن غير الممكن التقليل من أهمية الخبرة ليس في مجال العطارة فقط، وإنما في مجالات عديدة تُعد الخبرة أهم من الشهادة. وأكد أبو أحمد، على أن العطار ليس طبيبا ولكن لديه خبرة بالأعشاب الطبيعية.

سوق العطارين ببزورية بدمشق

في حين، أستاذ النباتات العطرية، أشار إلى أن انتقاد عمل العطارين ليس غايته رفض دورهم لما لهم من أهمية في المجتمع، ولكن الهدف تقليل الأخطاء، وزيادة فاعلية الطب الشعبي، وشدد على ضرورة إخضاع العطارين إلى التدريبات في مجال التصنيف والتعريف الدقيق للنباتات، واستخداماتها لأنهم لا يعلمون سوى الاسم الشائع للنبات، أو أن يساعدهم مختَص بتحديد هوية النباتات بدقة.

أيضا، “يجب أن يتلقوا التدريبات في أوقات جمع النباتات وتحديد أجزائها الفعالة. فبعضها تكمن فاعليتها في الجذور، وأُخرى في الأوراق”، ونوّه أستاذ النباتات العطرية بجامعة “حلب”، إلى أن هذه الفاعليات ربما قسم كبير من العطارين على علم بها، ولكن الأوقات الصحيحة لجمع النبات يمكن أن لا يكونوا على دراية بها، فبعض النباتات تُجمَع في آخر الربيع، وأُخرى في الخريف.

قد يهمك: النباتات العطرية والطبية لا قيمة لها في سوريا

العقبات والحلول

في المقابل، قال رئيس الجمعية العلمية للأعشاب الطبية، شادي الخطيب، إن المشكلة تكمن في عدم امتلاك العطارين أي شهادة تتعلق بمجال عملهم. ووفق رأي الخطيب، فإنه من الصعوبة إخضاعهم إلى التأهيل لعدم حصول بعضهم على الشهادات الأكاديمية.

وبحسب رأي الخطيب، أن الحل الأفضل كبديل عن التدريب، بأن يُفرَض على محلات العطارة التعاقد مع متخصصين ودورهم يكمن في التعريف بأصناف الأعشاب وبيعها بشكلها “الحر”، دون إحداث أي تعديلات عليها أو بيعها كمستحضرات علاجية.

وأشار الخطيب، إلى أنه لا يمكن تنظيم هذه المهنة إذا لم يأتِ جيل جديد متخصص، فمنذ زمن طويل كان الحلاق، يأخذ دور طبيب الأسنان والعطار معا، ومع تقدم الوقت والتطور لم يعد له أي دور إلا في مجال الحلاقة.

سوق البزورية بدمشق

ومثالا آخر حول ذلك، وطبقا للخطيب، فإن محال النظارات الطبية سابقا كانت موجودة بناء على الخبرة، ومن ثم تم إحداث معهد صحي قسم البصريات يخرّج مختصين بشؤون النظارات الطبية والعدسات.

وحول هذا الأمر، اقترَح الأستاذ الجامعي في كلية العلوم بجامعة “حلب”، عبد العليم بلو، ضرورة تأسيس المعهد العالي للنباتات الطبية والعطرية والطب الشعبي، بغية نشر ثقافة التداوي بالأعشاب في المجتمع، والتعريف بالنباتات الطبية المستخدَمة بالطب الشعبي، وإجراء البحوث والدراسات على النباتات الطبية لضمان استمرارية الطب الشعبي وأمانه. الأمر الذي اتفقه عليه بالرأي الخطيب أيضا، بضرورة إحداث مثل هذا المعهد الذي يضم المتخصصين في كليات العلوم، والصيدلة، والطب البشري والزراعة.

إهمال حكومي

رغم فوائدها المتعددة ومساهمتها في الاقتصاد ودعم المزارعين، تواجه حكومة دمشق اتهامات بإهمال قطاع زراعة النباتات الطبية والعطرية، في وقت يصفها مختصون بـ“الذهب الأخضر“.

الاختصاصي في جامعة “دمشق”، ثائر برهوم، وصف النباتات الطبية والعطرية في سوريا بـ“الذهب الأخضر“، مؤكدا وجود إهمال من قبل الجهات المعنية بواقع هذه الثروة، وترك الفلاحين لرحمة التجار والسماسرة، مع حرمانهم من جميع مقومات الإنتاج، ما يحرم السوريين الاستفادة من هذه الثروة.

سوق البزورية بدمشق

واعتبر برهوم، وهو متخصص بدراسات الجدوى الاقتصادية الزراعية في جامعة دمشق، في تصريحات صحفية سابقة، أن مسؤولية الحكومة تتمثل بوضع خريطة عمل ودراسات وبيانات عن توزع هذه الثروة، مستغربا مطالبة الفلاحين بالقيام بهذا الدور.

وتستخدم النباتات الطبية، لعلاج العديد من الأمراض لاحتوائها على مواد فعالة بيولوجية ذات خواص علاجية سواء أخذت بشكل مباشر من الطبيعة مثل الكمون، والبابونج، واليانسون، والحبة السوداء، أو بشكل غير مباشر عن طريق استخلاص المواد الفعالة، كالأتروبين المستخلص من نبات ست الحسن، والمستعمل في توسيع حدقة العين، والآفيون المستخرج من نبات الخشخاش، والجيليكوسيدات المستخرجة من نبات الديجتاليس، والمستعملة لتقوية عضلات القلب وتحسين ضربات.

قد يهمك: آخر الغرائب في سوريا.. صرف صحي بين القبور!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.