من سعر صرف الدولار غير المنضبط في السوق السوداء إلى خفض قيمة العملة الوطنية، إلى ندرة المواد الغذائية والسلع المستوردة، والأسعار المرتفعة للسلع الأساسية، مرورا بانقطاع المواد الاستهلاكية وغش التجار فيها، والتهديد بمزيد من التقنين الكهربائي، بات معظم الشعب السوري محاط الآن بأزمات صعبة، وصل الأمر به ببيع مدّخراته من أجل تأمين لقمة العيش. فماذا بعد؟

الغش “أمر عادي”؟

منذ أشهر دخل السوريون في دوامة شح المواد الغذائية والبضائع المستوردة بسبب قرار الحكومة بإيقاف الاستيراد من أجل الحفاظ على احتياط النقد الأجنبي في البنوك المركزية للدولة.

وطبقا لما ذكره تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، أمس الاثنين، فإنه على مدى الأيام القليلة الماضية، ارتفعت أسعار المنتجات الاستهلاكية والخضار والفاكهة إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، والذي بدوره انعكس على الأسر ذوي الدخل المحدود، حيث استغنوا عن العديد من السلع في قائمة الضروريات اليومية.

في المقابل، اتجه غالبية الصناعيين في دمشق، إلى الغش في حجم ووزن المواد التي تُباع بالقطعة؛ فمنهم من غيّر وزن العبوة ورفع سعرها ليحقق ربحين متتالين في السلعة الواحدة، فعلى سبيل المثال، كان اللبن من المواد التي تغير حجم عبواته لتتماشى مع ارتفاع الأسعار، وتحقق ربحا للمعمل، إذ انتقلت بعض معامل الألبان من البيع بعبوة وزنها 700 غرام إلى عبوة لبن وزنها 1000 غرام، مع رفع سعرها إلى 3300 ليرة.

أما أصحاب معامل المحارم فرفعوا سعر العبوة من ألف ليرة، إلى 6500 ليرة، مع تخفيض وزن العبوة وتقليل عدد المحارم، ومن ناحية أخرى، قلّل منتجو الشوكولاتة من وزن محتويات العلبة، وذات المفهوم، طبقه تجار اللبنة والجبنة التي ارتفع سعر عبوتها بوزن 350 غرام إلى 6000 ليرة.

وبما أنه لم تعد هنالك أصناف من البسكويت متوافرة بأقل من ألف ليرة، فقد برعت شركات البسكويت أيضا في تخفيض حجم البضاعة وتقليل الصندوق الذي احتوى مثلا خمس قطع إلى ثلاث قطع.

رجل الأعمال محمد زياد، قال للموقع، إن “تكاليف الإنتاج ارتفعت بشكل كبير، وإن تكلفة نقل الموظفين من دمشق إلى مدينة عدرا الصناعية زادت ثلاث مرات، ووزارة المالية تلاحقنا بشأن الضريبة، وأعطتنا مهلة للربط الإلكتروني حتى بداية العام المقبل، فمن الطبيعي أن ترتفع الأسعار”.

وعود الوزير والواقع

من جانبه، قال عبد الرزاق حبزه، أمين سر جمعية حماية المستهلك، إن “الأسعار ارتفعت في الأيام الماضية إلى عتبة جديدة، على عكس ما وعد به وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حيث قال إن الأسعار ستنخفض ولكن للأسف ارتفعت”.

وأكد حبزه، أن الكميات في المواد المصنعة داخل سوريا انخفضت من المصانع، وارتفاع نسبة الغش في مختلف السلع من حيث الوزن والنوعية والكمية والحجم، وهو ما يحدث من دون رادع أو مسؤولية.

وأشار، أمين سر جمعية حماية المستهلك، إلى أن أسعار الفروج الحي ارتفعت إلى 12 ألف ليرة، فيما بلغت كلفة كيلو شرحات الدجاج سعر كيلو لحم العجل، وارتفعت أيضا أسعار الخضار، ويعزو التجار هذه الزيادات في الأسعار إلى ارتفاع سعر لتر البنزين، وارتفاع تكاليف النقل، ورفض التاجر قبول هامش ربح قدره 1000 ليرة، عن كل كيلو من الفاكهة.

ووفقا لحبزه، فإن ارتفاع أسعار السلع قد دفع بشريحة جديدة من المستهلكين إلى الخروج من العجلة الاقتصادية، لأنهم لم يتمكنوا من تأمين احتياجات أطفالهم، وحاول الكثيرون بيع مدّخراتهم لإعالة أنفسهم.

ولفت حبزه، إلى أن المواطن لم يعد يأخذ بنصيحة جمعية حماية المستهلك، لأنه لم يعد يصدقها عندما تبلغه بوعود وزارة التموين بانخفاض الأسعار التي ترتفع تباعا، وأن كل التدخلات والضخ الإخباري، وتوزيع المواد المدعومة من السكر والأرز لم تنخفض أسعارها في السوق، مضيفا “كيف سيصدق المستهلك ويأخذ بنصيحتنا ويأخذ بنصائحنا ونحن غير صادقين معه؟”.

الاقتصاد السوري إلى اقتصاد حرب

دخل الاقتصاد السوري في نفق مظلم كان أقرب من اقتصاد الحرب، فقد ساهمت الحرب في سوريا خلال السنوات الأخيرة، إلى تكوين نخب جديدة حققت مكاسب اقتصادية خلال فترة الحرب من خلال أنشطة اقتصادية غير مشروعة، مستغلين بذلك غياب دور الدولة ودعم أفراد السلطة الحاكمة لهم.

ولم يقف الحد عند هؤلاء الأشخاص واستغلالهم للوضع الراهن، وإنما قاموا بتشكيل مجموعات، وظيفتها الابتزاز وأخذ “الأتاوات” والممارسات السلبية.

لقد غاب عن الاقتصاد السوري خلال السنوات الأخيرة ما تبقى من الدعائم التي يتماسك بها أي اقتصاد قبل انهياره، فالرفاه الاقتصادي يأتي اليوم من الإنتاج الفعال والذي لم يعد موجودا في سوريا، فقد دُمرت 90 بالمئة، من المدن الصناعية الأساسية في سوريا وقُدرت خسائره ب 4.5 مليار دولار حتى مطلع عام 2020، وتراجع عدد المنشآت الصناعية إلى الثلث، واقتصر الإنتاج على المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة الحجم على أبعد تقدير مع غياب التنافسية في السوق جراء القصور في مجالات الإدارة الحديثة والتكنولوجيا، والأبحاث والتطوير، وذلك بحسب تقارير أممية.

العناصر الأساسية التي تتطلبها سوريا للخروج من وضع الاقتصاد الحالي، هي إيجاد الحرية الاقتصادية الغائبة عن سوريا بشكل كبير في الوقت الحالي، والمرتبطة بشكل وثيق بالحرية السياسية، لكي يكون الحَكم في توجه الاقتصاد السوري، هو آلية العرض والطلب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.