بعدما انتهت الحرب العالمية الثانية دخلت الدول بمرحلة جديدة من النزاعات، ومع وجود تحالفات جديدة بين الدول وتنازلات من دول لأخرى، تحولت النزاعات إلى نزاعات داخلية، بدعم إقليمي أو دولي لجهة معينة، أو تدخل فردي من قبل دولة في شأن دولة أخرى لدعم فئة على حساب فئة أخرى من نفس البلد ليطلق على هذه النزاعات والحروب بالحرب الأهلية، وكان لهذه الحروب آثار انعكست على الاقتصاد بشكل مباشر، وطرحت مفهوم اقتصاد الحرب.

ويعرف اقتصاد الحرب على أنه تحول اقتصاد بلد ما من اقتصاد رسمي إلى اقتصاد غير رسمي يكون فيه كل من السوق السوداء وتجار الحرب والأزمات اللاعبين الأساسيين في اقتصاد الدولة التي نشبت فيها الحرب.

وفي حالة تحول الاقتصاد الرسمي إلى اقتصاد الحرب تقوم الدولة المعنية باتخاذ عدة خطوات متعلقة بعجلة الاقتصاد وتخصيص الموارد لدعم المجهود الحربي.

كيف تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد حرب

دخل الاقتصاد السوري في نفق مظلم كان أقرب من اقتصاد الحرب، فقد ساهمت الحرب في سوريا خلال السنوات الأخيرة، إلى تكوين نخب جديدة حققت مكاسب اقتصادية خلال فترة الحرب من خلال أنشطة اقتصادية غير مشروعة، مستغلين بذلك غياب دور الدولة ودعم أفراد السلطة الحاكمة لهم.

ولم يقف الحد عند هؤلاء الأشخاص واستغلالهم للوضع الراهن وإنما قاموا بتشكيل مجموعات وظيفتها الابتزاز وأخذ “الأتاوات” والممارسات السلبية.

لقد غاب عن الاقتصاد السوري خلال السنوات الأخيرة ما تبقى من الدعائم التي يتماسك بها أي اقتصاد قبل انهياره، فالرفاه الاقتصادي يأتي اليوم من الإنتاج الفعال والذي لم يعد موجودا في سوريا، فقد دُمرت 90 بالمئة من المدن الصناعية الأساسية في سوريا وقُدرت خسائره ب 4.5 مليار دولار حتى مطلع عام 2020، وتراجع عدد المنشآت الصناعية إلى الثلث واقتصر الإنتاج على المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة الحجم على أبعد تقدير مع غياب التنافسية في السوق جراء القصور في مجالات الإدارة الحديثة والتكنلوجيا والأبحاث والتطوير، وذلك بحسب تقارير أممية.


عندما كان حجم خسارة القطاع الصناعي، جزء لا يتجزأ من خسارة البنى التحتية فقد صرح وزير خارجية دمشق السابق وليد المعلم، في مقابلة مع مجلة “interaffairs”  الروسية في أيلول/سبتمبر 2018، بأن “أكثر من 75 بالمئة من البنية التحتية في سوريا مدمرة، وأن سوريا تحتاج إلى ما يقارب 500 مليار دولار، لتعود كما كانت قبل الحرب، وذلك حتى نهاية عام 2018”.

كانت هناك عسكرة للاقتصاد السوري وتحوير لدور الدولة ومؤسساتها إلى دولة أمنية، بحسب حديث الخبير الاقتصادي، خالد التركاوي، لـ “الحل نت”.

العناصر الأساسية التي تتطلبها سوريا للخروج من وضع الاقتصاد الحالي هي إيجاد الحرية الاقتصادية الغائبة عن سوريا بشكل كبير في الوقت الحالي، والمرتبطة بشكل وثيق بالحرية السياسية، لكي يكون الحكم في توجه الاقتصاد السوري هو آلية العرض والطلب، بحسب التركاوي.

أثر اقتصاد الحرب على المواطن

لم تنفصل معركة المواطن في سوريا للحصول على قوت يومه عن المعارك التي دارت في بلده، فالحالة النفسية لدى المواطن السوري في ظل حالة الحرب التي تعيشها سوريا مع نفاذ الاحتياطيات من القطع الأجنبي وتخصيص موارد الدولة للإنفاق على الآلة العسكرية، وعدم إيجاد بنية نقدية سليمة من قبل حكومة دمشق، وغياب الاستثمارات في سوريا، كل ذلك كانت عوامل ضغط على سعر صرف الليرة السورية، وقادتها نحو المزيد من الانهيار المستمر.

لا يتوقف وصف الاقتصاد السوري، بأنه اقتصاد حرب على خروج القطاع الصناعي والزراعي من الناتج القومي لسوريا، وغياب البنى التحتية المؤهلة وانهيار العملة وتكريس موارد الدولة نحو الآلة العسكرية فحسب، بل اقتصاد الحرب يركز أيضا على العامل البشري، لأنه أساس النهوض في الاقتصاد، فالحرب في سوريا قد شردت أكثر من 13 مليونا من بيوتهم وجعلتهم لاجئين يعانون الاضطهاد، أو نازحين يعانون مرارة النزوح بداخل بلدهم، وأن أكثر من 12.5 مليون شخص من الشعب السوري، لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، وأكثر من 90 بالمئة من إجمالي عدد السكان يعيشون تحت خط الفقر بحسب تقارير تابعة للأمم المتحدة، مع خسارة أكثر من 700 ألف إنسان قد لقوا حتفهم وأكثر من عشرات آلاف المفقودين.

اقرأ أيضا: اقتصاد الظل يسيطر على سوريا.. ما الذي يحصل؟

الطرح الأخير، توافق مع وجهة نظر التركاوي، بأن مشكلة الاقتصاد السوري اليوم، ليست نابعة من ندرة الموارد الطبيعية، وإنما من ندرة الموارد البشرية ذات الكفاءة العالية، وبأن الحل السياسي العادل في سوريا، هو البوصة الأساسية التي ستوجه المغتربين في الخارج، وخاصة أصحاب الكفاءات بالعودة إلى سوريا.

اقتصاد الحرب وأطفال سوريا

إذا ما اقتربنا من المشهد السوري أكثر نرى أن 2.5 مليون طفل سوري خارج المدارس وهم داخل سوريا، أي أنهم يحتاجون وبشكل عاجل لإعادة تأهيل ليكونوا رأس مال بشري فاعل في الاقتصاد، ملتمسين بذلك وبشكل حقيقي ظهور اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة بالتهميش الاجتماعي والطبقية، الاقتصادية المقيتة، وانعدام الأمن وتفشي الفقر بنسبة عالية جدا، ليعمق بذلك وصف الواقع الاقتصادي بأنه اقتصاد حرب.

الحل في سوريا والنهوض باقتصادها، يبقى مرتبطا بالحل السياسي من خلال حث اللاعبين في الملف السوري في البحث عن السلام فيها بشكل حقيقي بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والذي من شأنه اتخاذ خطوات نحو حل النزاع، بالتزامن مع معالجة الاقتصاد غير الرسمي من خلال دعم مؤسسات الدولة وضبط موارد الدولة وثرواتها ومصادر قوتها ووضعها في سياقها الصحيح، وتطوير النخب الاجتماعية كرأس مال بشري قوي وتوظيف كل ما سبق لتكون سوريا وجهة للاستثمار على مستوى العالم.

الاقتصاد السوري، عرف قبل عام 2010 كواحدة من أكثر اقتصاديات الدول النامية تنوعا، فحسب معطيات “الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي” فإن سوريا كانت تنتج ما يتراوح بين 75 إلى 85 بالمئة من أغذيتها وأدويتها وألبستها وأحذيتها وتصدّر الفائض منها إلى أكثر من 60 دولة.

الإنتاج السوري من النفط، كان بحدود 450 ألف برميل يوميا ويزيد عن حاجة السوق المحلية فيصدّر الفائض منه بنحو 150 ألف برميل يوميا إلى دول عدة، تأتي في مقدّمتها ألمانيا، كما حلّت سوريا بين البلدان الخمسة الأولى في العالم بإنتاج القطن وتربية الأغنام والأبقار، أمّا إنتاجها من الحبوب فتراوح ما بين 3.5  إلى 6 ملايين طن سنويا، أي ما يزيد على حاجة السوق المحلية في معظم السنوات.

ورغم التبعات الكارثية للجفاف في مناطق عدة شرق سوريا آنذاك وأخطبوط الفساد وضعف أداء الحكومة والفساد في مؤسساتها وقيودها المقيتة على المبادرات الخاصة، فإن سلعا وخدمات أساسية كالخبز والسكر والرز والأدوية ومصادر الطاقة والطبابة والتعليم كانت قبل الأزمة متوفرة بكميات كافية وبأسعار رمزية أو دون مقابل، رغم ضعف جودة قسم منها، وفق تقرير لموقع “دويتشه فيله” الألماني، حيث كانت سوريا بسبب رخص منتجاتها وجودة صناعاتها الاستهلاكية وعراقة تاريخها قبلة لملايين السياح سنويا والذين زاد عددهم على 8 ملايين في عام 2010.

المؤشرات الحالية

اليوم أضحت معظم السلع الأساسية نادرة يصطف الناس في طوابير يومية طويلة للحصول على القليل المتوفر منها، بسبب تدمير المصانع والزراعة ووطأة العقوبات الغربية على التجارة السورية.

قد يهمك: اقتصاد الحرب في سوريا: أموال طائلة لدمشق؟

في حلب عاصمة سوريا الاقتصادية، كما كان يطلق عليها، تم وبحسب تقرير من “بي بي سي” البريطانية، تدمير 18 من أصل 20 مدينة صناعية خلال الحرب. وكانت المدينة بعدد مصانعها ومشاغلها الذي وصل إلى نحو 35 ألفا أهم مركز لصناعة الأنسجة والأقمشة والألبسة والأحذية في الشرق الأوسط.

وإلى جانب الصناعة تم أيضا تخريب قسم حيوي من الجسور والطرق وتفكيك الخطوط الحديدية وبيعها كخردة؛ كما لحق الدمار بنحو 70 بالمئة من محطات الكهرباء وخطوط الغاز والنفط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.