بشكل دقيق، إن الصراع السعودي الإيراني قصة قائمة تاريخيا، وبعيدا عن الغوص في التاريخ، فهو صراع محتدم منذ سبعينيات القرن الماضي بشكل شبه مستمر، وتجلى بشكل كبير ما بعد الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق، بعد توغل طهران في بلاد الرافدين، والعمل على جعله ممرا لتصدير “الثورة الإسلامية”.

منذ ذلك الحين، وما بعد سنة 2005، خاضت كلّ من السعودية وإيران مواجهة غير مباشرة، وتمثّلت بالصراع الطائفي الذي شهده العراق، ولا تزال تداعياته قائمة حتى يومنا على حساب العراقيين، ولعل المساحة لا تكفي لاستعراض المواجهات وساحات النزال التي فتحها الجانبان طيلة نحو عقدين، لكن ما يمكن الإشارة له هو أن كل ما مرّ به هذا الصراع قد غدا خرابا؛ من سوريا واليمن ولبنان، وجبهات أخريات لا يزلن في إطار الاختمار.

هذا بالمختصر، لجملة النقاط الخلافية التي انتهت بعلاقة البلدين في العام 2016 إلى الانقطاع، وإغلاق كلا الجانبين لسفارتيهما، وذاتها النقاط التي جرى التفاوض عليها منذ العام 2021 ببغداد، وانتهت بهدنة يبدو أن الكعب الإيراني الأعلى فيها، حيث تم الاتفاق في العاشر من آذار/مارس الماضي، في بكين على إعادة العلاقات بينهما وفتح سفارتيهما خلال مدّة شهرين، ولعل هذه المدّة هي لاختبار مدى جدّية الطرفين في العمل على نجاح الاتفاق.

سياقات الاتفاق السعودي الإيراني

في تفاصيل الاتفاق، قرر الجانبان برغبة مشتركة من طهران والرياض على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإعادة فتح السفارتين والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين، وذلك رغبة من الطرفين في حل الخلافات بالحوار، كما اتفق الجانبان على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

اقرأ/ي أيضا: “العشرة” و“الماروت” وغيرها.. مسلسلات رمضانية تنعش الدراما العراقية

مع التركيز على مدّة الشهرين والتي كما تمت الإشارة لها بأنها فترة اختبار لإظهار مدى التزام الجانبين ببنود الاتفاق، وعلى الرغم من عدم تحقّق أي تقدم في الملفات العالقة بين الطرفين، بل منها من عاد إلى التصعيد؛ مثل اليمن التي شهدت طيلة الأشهر الماضية هدنة غير معلنة، لكن سرعان ما عادت لتشتعل بعد الاتفاق، لكن مع ذلك أعلنت السعودية وإيران الخميس الفائت، إعادة فتح السفارات والممثليات ومتابعة تطبيق بنود الاتفاق.

في بكين، وقّع وزيرا الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بيانا مشتركا بشأن تنفيذ الاتفاق الذي توصل إليه البلدان قبل نحو شهر بوساطة صينية، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.

الطرفان اتفقا في البيان المشترك الذي صُدر في ختام مباحثاتهما بالعاصمة الصينية بكين، على أهمية متابعة تنفيذ اتفاق عودة العلاقات بين البلدين الموقّع في بكين في آذار/مارس الماضي، من خلال إعادة فتح الممثليات واتخاذ الإجراءات لفتح سفارتي البلدين في الرياض وطهران وقنصليتي جدة ومشهد، كما أكد الجانبان على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين، وكذلك الاتفاقيات ذات الطابع الاقتصادي، فضلا عن الاتفاق على تعزيز التعاون في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

عمليا، فإن الاتفاق بصيغته الحالية كما يراه المهتم بالشأن السياسي علي الشمري، أنه “انصياع سعودي لخيار إيراني”، اختارت طهران العمل به اليوم واضطرت الرياض القبول به، مبينا أنه طيلة السنوات الماضية، وتحديدا خلال السنوات السبع الماضية، تقود الرياض حملة عسكرية على النفوذ الإيراني المتمثل بـ”الحوثيين” في اليمن، غير أن الحقيقة كشفت خسائر سعودية لا تُعد ولا تحصى، مقابل مكاسب إيرانية لم تكن حتى يوما متوقعة.

خسائر سعودية أمام مكاسب إيرانية؟

الشمري وفي حديث لموقع “الحل نت”، أوضح، أن جميع الجبهات التي خاضت السعودية مواجهة فيها ضد طهران، لم يتغير فيها شيء سوى زيادة نفوذ إيران وتكريسه، وهو مؤشر خلل واضح في السياسية السعودية وعدم اتزان، مشيرا إلى أنه بعد ما كانت اليمن قاب قوسين أو أدنى من تشكيل نظام جديد لا يخل في البنية الديمغرافية ولا حتى الأيدلوجية، بات اليوم تحت رحمة “الحوثي”.

بناء على ذلك، وفقا للشمري، و”بالنظر إلى المساعي السعودية في دمج الرئيس السوري بشار الأسد إلى الدائرة العربية، وهو ما يعني اعترافا بسلطته، وبعد أن قتل الآلاف من السوريين في وقت كانت السعودية فيه تدعم المعارضة السورية وتبدي استعدادها لتقديم كل الدعم للإطاحة به، يعني واقعيا أنه اعتراف صريح بالخسارة أمام إيران التي لولاها لما استمر الأسد يوما واحدا بعد العام 2011″.

اقرأ/ي أيضا: بعد اتفاق رعاة الحرب.. رسائل إيرانية وراء تصعيد “الحوثيين” في اليمن؟

الشمري أشار، إلى أن الاتفاق السعودي الإيراني هي لحظة استسلام لواقع الحال الذي فرضته إيران في كل مناطق الصراع، ففي العراق الحكومة اليوم بيد أعوان طهران، وفي اليمن لـ”الحوثي” شأن لم يحلم به من قبل، وفي سوريا سيستمر الأسد في أقل التقديرات عقدين أخرين رغما عن الرياض، كذلك واقع الحال في لبنان لا بديل لـ “حزب الله”.

الوقائع تقول، إيران هي التي اختارت لحظة الاتفاق وليست السعودية التي باتت محاصرة من مضيقي “هرمز” في الخليج العربي و”باب المندب” في البحر الأحمر، عبر “الحرس الثوري” بشكل مباشر، أو من خلال وكلائه.

علي الشمري لـ”الحل” نت.

تشهد، المنطقة العربية والشرق الأوسط شراكات جديدة، وإعادة رسم للقوى وضمن ذلك محاولات التوغل الصيني، وهذه واحدة من الأمور التي دفعت إيران للقبول باتفاق عودة العلاقات مع الرياض، إذ إن طهران تعد حليفا استراتيجيا لبكين، بالتالي يحتم عليها الاستجابة للسياسة الصينية، وفسح المجال أمامها لتكريس وجودها في المنطقة على حساب التواجد الأميركي، وهو ما يفرض على إيران تخفيف أو التريث بالصراع، فمن غير الممكن أن تستقبل المنطقة الرغبة الصينية بود في الوقت الذي تستمر فيه حليفتها بالأعمال العدائية.

أخطاء سعودية استراتيجية 

الشمري أشار إلى أن “مرحلة الصراع القادمة ستكون في قلب منطقة الخليج العربي، وقتها ستعي السعودية كارثة أفعالها، لاسيما في ظل ابتعادها عن الغرب الذي يمثل حليفها الاستراتيجي، والذي كان يوفر لها الحماية، وفي ضوء عدم امتلاكها المقدرة على مواجهة التهديدات الإيرانية، سواء كانت من طهران بشكل مباشر، أو من قبل وكلاءها”.

ليس ذلك فحسب، بل بحسب دراسات ومختصين، فإن الاتفاق الذي أُبرم لاستئناف العلاقات بين السعودية وإيران بوساطة صينية يشكل على الأرجح الحدث الدبلوماسي البارز الأول من نوعه في الشرق الأوسط، لكنه مؤشر أبعد لما هو سعودي إيراني، إذ تتمحور القصة الأهم حول حجم النفوذ الكبير الذي تتمتع به الصين في المنطقة.

تعاني إيران حاليا من عزلة دولية شديدة، وتؤرقها منذ أشهر الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وتعتمد بشكل كبير على الصين استراتيجيا واقتصاديا، بالتالي لا شك أن هذا الاتفاق يسهم في التخفيف من عزلتها، ويضفي شرعية على نظامها، ويعزز نفوذ الصين الإقليمي، وعلى الرغم من ذلك لا يزال غير واضحا بعد ما إذا كانت إيران على استعداد لإدخال تغييرات يُعتدّ بها على سياساتها الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة.

يشار إلى أن العلاقات السعودية الإيرانية قد انقطعت في العام 2016، عندما هاجم محتجّون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بعدما أعدمت المملكة رجل دين شيعيا معارضا يُدعى نمر النمر.

وسط ذلك، ثمة قناعة اليوم لدى مختلف الأطراف الدولية، بأن أي اتفاق مع الحكومات الإيرانية يبقى هشّاً، ما لم يحصل على مباركة الدولة العميقة، بل إن المباركة وحدها، لا تضمن بالضرورة استدامة الاتفاق؛ إذ يسهل على مؤسسات الدولة العميقة التنصل من مخرجات حوار، لم تشارك به مباشرة، أو توقّع عليه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات