ما إن تجددت الآمال حول إيجاد حل للأزمة اليمنية، لاسيما في ضوء التقارب السعودي الإيراني، حتى عادت أجواء الحرب المشحونة لتخيب على آمال اليمنيين، بعد أن صعّد “الحوثيون” المدعومين من إيران من الموقف، إثر شنّ هجمات متفرقة في إطار تصعيد قتالي على جبهات متعددة، الأمر الذي أثار مخاوف انعكاس ذلك على مساعي تجديد الهدنة الأممية المنتهية منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

خلال الأيام القليلة الماضية، هاجم “الحوثيون” مواقع القوات المشتركة والجنوبية في محافظة لحج جنوب اليمن، فيما وسّعت الجماعة الموالية لإيران عملياتها العسكرية في مديريتي مرخة العليا وحريب، وذلك بالتزامن مع محاولة اغتيال محافظ تعز غربي البلاد، وأثناء ما كانت مدفعية الميليشيا تدك شعاب بوارة ووضو وشرق غربي حريب، وشامخ وامقوة والخشيبة بمرخة، الأمر الذي أثار تكهنات حول ما تسعى إليه الجماعة.

هذا التصعيد “الحوثي” المباغت والذي اصطدم بمواجهة قوية من قبل قوات “العمالقة”، وقوات دفاع شبوة، كان الأعنف منذ انتهاء الهدنة التي رعتها “الأمم المتحدة” في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ودخول البلد في حال هدنة “غير معلنة”.

خريطة تصعيد “الحوثيين”

خلال المواجهات العسكرية التي وقعت بين “الحوثيين” وقوات العمالقة ودفاع شبوة، تم إسقاط مسيّرتين تابعتين لـ “الحوثيين” وإفشال محاولات تسلل رامية إلى إحراز نصر جديد في المديريتين اللتين تشتركان مع الحدود الإدارية لمحافظة البيضاء وسط اليمن.

اقرأ/ي أيضا: “خان الذهب“.. دراما عراقية تقترب من المتابع وتبتعد عن الواقع

في محافظة لحج، أشارت مصادر إلى أن هجوما استهدف مواقع في طور الباحة وأخرى في القبيطة وهي مناطق محاذية لمحافظة تعز، وأدت لمقتل وإصابة 10 من القوات المشتركة والجنوبية، لافتة إلى أن تعزيزات عسكرية من القوات المشتركة وصلت تلك المناطق وشنّت هجوما واسعا على مواقع “الحوثيين”.

كل ذلك، فيما كانت ميليشيا “الحوثيين”، تقصف منازل المدنيين في حريب مأرب، في قبيلة أل عامر، بالمدفعية الثقيلة ما تسبب في تدمير منزل وتضرر منازل أخرى في المنطقة، بينما قُتل ستة مدنيين جراء الألغام التي زرعها “الحوثي” في محافظة الحديدة.

حالة تصعيد “الحوثي” فتحت الباب أمام التكهنات ووراء ذلك، فيما إذا كانت الجماعة تحاول إيصال رسائل سياسية؛ لعل أهمها إظهار نفسها ككيان مستقل لا يتأثر بأبعاد عودة العلاقات السعودية الإيرانية، أو محاولة لفت نظر الإقليم والعالم بالتفاوض معهم ورفع الحرج أمام أتباعهم، في حين رأى البعض أن الجماعة تحاول تحقيق انتصارات جيوسياسية تستبق أي اتفاق محتمل مع الشرعية كورقة ضغط جديدة.

الجماعة تحاول توجيه رسائل لأنصارها بأنها ما تزال ندّا قويا قادرا على الصمود، وما وراء التصعيد الأخير مطامع اقتصادية واستراتيجية يسعى “الحوثيون” لتحقيقها من خلال السيطرة على مناطق الشمال والجنوب الغنية بالنفط بحجة وجود احتلال سعودي إماراتي أميركي.

محمد شجاع لـ”الحل نت”.

لذلك، فإن التصعيد الأخير الذي شنّه “الحوثيين” لا يتعدى كونه جزءا من سلوك الجماعة المعتاد، بحسب المحلل السياسي شجاع، الذي أشار إلى أنه لا توجد دلالة واضحة غير ذلك، وإلا لو كانت الجماعة حريصة فعلا على مستقبل البلاد واليمنين لوضعت فرقا بين لحظة الصراع الراهنة مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وبين الحالة الانسانية المتردية في الداخل اليمني للخروج، لاسيما مع معاناة اليمنين وانهيار الحالة الإنسانية ودمار البلاد.

محافظة شبوة تقع في وسط الجزء الجنوبي من الجمهورية اليمنية وتبعد عن العاصمة صنعاء مسافة 474 كم، وتتصل المحافظة بمحافظتي حضرموت ومأرب من الشمال، وبمحافظة حضرموت من الشرق، والبحر العربي وجزء من محافظة أبين من الجنوب، وبمحافظات أبين والبيضاء ومأرب من الغرب، ويسعى “الحوثيون” للسيطرة عليها إلى جانب مأرب، لما تتمتع به من موقع جيوسياسي وجيوبولوتكي، وثروة نفطية وزراعية وحيوانية.

ما دلالة توقيت “الحوثيين”؟

إلى ذلك، وعن اختيار “الحوثيين” الوقت الحالي للتصعيد، شرح شجاع في حديث لموقع “الحل نت”، أن الجماعة تحاول كسب المرحلة قبل احتمالية أي اتفاق يمكن أن يحدث؛ لأنها جماعة عدائية لديها ثأر طويل مع اليمنيين، وتنظر إليهم على أنهم أقرب لـ “الدواعش”، بالتالي هي تريد إحكام قبضتها على الوضع.

المحلل اليمني لفت إلى أن “الحوثيين” غير قادرين على الصمود أمام متطلبات المواطنين في اليمن إلا بخلق مشاكل جديدة، فالجماعة لا تمتلك القدرة على التعامل بنَفَس ديمقراطي مؤسساتي، لكونها عصابة تعمل على نهب المقدّرات ومن ثم تدعي الحصار وتسرد المبررات رغم الإيرادات المهولة التي باتت تمتلكها.

اقرأ/ي أيضا: بعد حادثتي بغداد والأنبار.. أسباب وأرقام صادمة وراء انهيار المباني المتكرر في العراق؟

وسط ذلك، دفع تصعيد “الحوثيين” الحكومة اليمنية إلى عقد اجتماع طارئ ضم قيادة وزارتي الدفاع والمالية، ورئاسة هيئة الأركان العامة، تم فيه إقرار خطة واسعة لرفع الجاهزية القتالية استعدادا للرد على تصعيد “الحوثيين” في حال استمر، واستمرت حالة الرفض لجهود السلام من قبل قادة الميليشيا.

من جانبه، أكد رئيس “مجلس الشورى” اليمني أحمد بن دغر، أهمية عودة المقاومة من أجل استعادة الجمهورية اليمنية من أيدي ميليشيات “الحوثي”، وأشار في تغريدة على “تويتر”، “يتجاهل الحوثيون أن الشعوب إذا ما خيرت فهي حتمًا لا تختار سوى الحرية”.

ذلك يأتي بينما لم يحصل أي تغيير على مستوى الساحة اليمنية منذ صدور البيان الثلاثي السعودي الصيني الإيراني في السادس من الشهر الماضي، سواء على صعيد السلوك الإيراني أو جماعة “الحوثي”، لكن الأيام وحدها ستظهر ما إذا كانت هناك رغبة إيرانية جادة في تحريك الوضع اليمني بمجمله، وهو وضع يقلق السعوديّة ويعتبر بين الأولويات بالنسبة إليها. 

الصراع بين المواطن اليمني و”الحوثيين”، لم يعد صراعا على الحكم، بل صراعا وجوديا لأن الجماعة تحمل مشروعا يصطدم بالنسيج الاجتماعي، وبناء على ذلك فإن الشواهد والمعطيات تشير إلى أن هناك تعقيدات كبيرة وأن مسألة التسوية ما تزال بعيدة وإن بدا أن هناك هدنة في الوقت الحالي.

عام كامل مرّ على الهدنة الأممية التي أعلنت بين أطراف الحرب في اليمن، والتي دخلت حيز التنفيذ في الأول من شهر رمضان الماضي، المصادف 2 نيسان/إبريل 2022، ومنذ ذلك الحين يشهد اليمن أطول مدة لوقف إطلاق النار في اليمن منذ اندلاع الحرب في هذا البلد، والتي تدخل عامها التاسع على التوالي في ظل جملة من المتغيرات الدولية والإقليمية.

اليمن يعيش حالة اللاحرب واللاسلم، بعد نصف عام من هدنة مستمرة بلا اتفاق بعد أن انتهت في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في ظل رفض “الحوثيين” تمديدها حيث وضعوا عددا من الشروط للموافقة؛ أبرزها دفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم، وفي مجمل الاتفاق، استفاد “الحوثيون” من بنود الهدنة، فيما فشلت الحكومة في الضغط من أجل تنفيذ بند فتح الطرقات في محافظة تعز.

مسار الهدنة في اليمن

الهدنة كانت ناجحة كليا في ما يخص توقف الهجمات العابرة للحدود سواء من قبل السعودية التي أوقفت الهجمات الجوية، أو “الحوثيين” الذين توقفوا عن شنّ أي هجمات بالطائرات المسيّرة على الأراضي السعودية، لكن على مستوى الجبهات الداخلية تتصاعد الاشتباكات بين أطراف القتال المحلية ما بين الحين والآخر، وتمكنت جماعة “الحوثي” من إيقاف تصدير النفط بهجمات استهدفت ميناء شبوة وكذلك حضرموت شرقي اليمن.

الحوثيين في اليمن

خلال الأشهر الماضية، دارت محادثات ثنائية سرية بين “الحوثيين” والسعودية بوساطة عُمانية للاتفاق على وقف إطلاق النار وتمديد الهدنة، لكنها تعثرت ولم ينتج عنها أي اتفاق عملي بعد، بيد أن المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، يحاول استغلال التقارب السعودي الإيراني، للمضي قدما نحو تسوية سياسية، بعدما نجح برعاية اتفاق بين الأطراف اليمنية حول صفقة تبادل للأسرى والمختطفين، من المقرر أن يتم تنفيذها الأسبوع المقبل.

بمقابل ذلك، وفي سياق التصعيد، واصل “الحوثيون” شن حملة اعتقالات واختطاف بحق الناشطين في إب، والمشاركين في تشييع الناشط حمدي المكحل قبل أيام، حيث يجري الحديث عن اختطاف أكثر من 60 شخصا بينهم 20 ناشطا.

استمرارا لذلك، وفي صنعاء، أقدمت الميليشيا على اقتحام منزل الناشط الحقوقي علي ناصر الجلعي، وقامت باختطافه تحت تهديد السلاح إلى مكان مجهول، في حين أكدت مصادر مطلعة في صنعاء، قيام الميليشيا بافتعال أزمة اقتصادية جديدة من خلال منع دخول مادة القمح إلى مناطقها والقادمة من مناطق الشرعية، ما يزيد الوضع تعقيدا بالنسبة للسكان القابعين في مناطق سيطرتها خلال ما تبقى من شهر رمضان.

في الأثناء، أعلنت “المنظمة الدولية للهجرة” في اليمن، رصد نزوح 235 أسرة مؤلفة من 1.410 أفراد، نزحوا مرة واحدة على الأقل، خلال الأسبوع الماضي، جراء استهداف ميليشيات “الحوثي”، لقرى ومناطق سكنية بالقصف المدفعي والصاروخي في حريب جنوب مأرب.

كل ذلك، في وقت أفادت به مصادر محلية في وادي حضرموت جنوب شرق اليمن، أن مسلحين مجهولين قاموا باختطاف مواطنا بريطانيا من وسط مدينة تريم، واقتادوه إلى جهة مجهولة، فيما رجّحت المصادر أن تكون العناصر الخاطفة تابعة لـ “تنظيم القاعدة” الذي ينشط بشكل كبير في تلك المنطقة.

بناء على هذه المعطيات، فإن الحديث عن تهدئة الأوضاع بشكل مجاني في اليمن بات أمرا شبه مستحيل، حيث تأكدت الجماعة المدعومة إيرانيا من مدى تأثيرها في المعادلة الإقليمية التي فشلت في الحد من نشاطاتها، الأمر الذي يعني أما مكاسب “حوثية” جديدة في الطريق، أو استمرار للتصعيد هنا وهناك للضغط على الأوضاع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات