منذ إعلان أنقرة على لسان مسؤوليها احتمالية إصلاح العلاقات مع دمشق، تلونت المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية بردود فعل عكسية، خصوصا وأن المشهد السياسي التركي المتحكم بالمعارضة السياسية السورية كشف عبر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بأنه أجرى مع نظيره السوري خلال تجمع دولي في بلغراد في تشرين الأول/أكتوبر، وشدد فيه على ضرورة التوفيق بين المعارضة السورية والحكومة.

هذه التصريحات، وتلكؤ مؤسسات المعارضة السياسية التي تتخذ من أنقرة مقرا لها، ساهم في تنظيم احتجاجات في أكثر من 30 موقعا في شمال سوريا، ورغم سعي أنقرة، إلى تهدئة الغضب من خلال التعهد باستمرار “التضامن مع الشعب السوري”، إلا أن مخاض التغيير في تركيا بات يقلق أكثر من 4 مليون نازح في شمال غربي البلاد.

دعوات عدة في شمال غربي سوريا برزت مؤخرا لتطالب بإدارة عسكرية ومدنية موحدة للمعارضة، يرجّح أنها ستنسف وجود المعارضة الرسمية التي تدعي تمثيل شريحة الفئات المعارضة في سوريا، ولكن هل يسحب قريبا الدعم السياسي من المعارضة الرسمية بعد استعصاء ملف الحل السياسي في ظل تخلي قريب محتمل عن “الائتلاف” المعارض، من قبل تركيا؟

فشل محفوف بخيبة

منذ عام 2011، انقسمت المعارضة السياسية السورية بين لاعبين داخليين وخارجيين. وشكّلت على عجل لجانا من النشطاء والأعيان المحليين بدلا من تشكيل مجموعات معارضة لها باع في السياسة، باتت جميعها بعد تنحيه الكوادر الفاعلة مرتهنة لجهات خارجية، تملي عليها القرارات والرؤى.

يقول الباحث في العلاقات السياسية والدولية، محمد أمين، لـ”الحل نت”، إن عدم وجود منظمة مركزية، أو قادة وطنيين حقيقين يعكسون رؤية الساحة الشعبية، هو ما ولّد الحركة الاحتجاجية الجديدة، لأنهم اعتبروا المتصدرين لصفوف المعارضة الحالية ضيقيّ الأفق وبلا تنسيق، الأمر الذي من شأنه أن يثبت أنه عقبة رئيسية أمام محاولات توجيه كل المعارضة إلى حركة واحدة، قابلة للحياة فيما بعد.

وبحسب أمين، فإن الحركة الاحتجاجية الأخيرة التي جاءت نتيجة خيبة الأمل بعد توافق الحكومة، والمعارضة التركية على الحوار مع دمشق، فاجأت بقايا جماعات المعارضة الحالية، التي يعمل الكثير منها من المنفى في الخارج، بما في ذلك جماعة “الإخوان المسلمين”، التي كافحت خلال الفترة السابقة من أجل جعلها ذات صلة بحركة عفوية بلا قيادة.

ويعتقد أمين، أنه إذا لم تنتج عن هذه الحركة حاليا جسم سياسي يعكس تطلعات الشريحة المعارضة لرؤية أنقرة، فإن الأخيرة ترى أنه أمام ضرورة ملحة لفرض تسوية سياسية من شأنها أن تسمح لعناصر المعارضة التي تضع في اعتبارها مصالح تركيا بتقاسم السلطة في دمشق. بعبارة أخرى، سيكون إدخال قوات المعارضة المدعومة من تركيا إلى دمشق مثل حصان طروادة أمرا مهما لأردوغان.

تداعيات تحول موقف تركيا

على الرغم من أن إقامة علاقات بين تركيا ودمشق قد تبدو خطوة ذكية من قبل أردوغان، إلا أن القرار يمثل خيانة للشعب السوري ونجاحه ليس مضمونا للحكومة التركية، إذ أثار هذا التحول احتجاجات عفوية واسعة النطاق في الأوساط المعارضة السورية، مما دفع جاويش أوغلو، للقاء رؤساء مؤسسات المعارضة السورية، لإعادة التأكيد على “دعم تركيا لحقوق السوريين”.

ولم تتأخر دوائر المعارضة في الداخل، ومنها تسع جمعيات للمحامين والمعلمين والمهندسين ومهن أخرى، في حشد التظاهرات للتعبير عن رفضهم لهذا التحول الجديد واستنكارهم له. إذ وجدت هذه الدوائر الانعكاس صادما بشكل خاص في ضوء التطورات التي حدثت في الأشهر العديدة الماضية.

ووفقا للباحث في العلاقات السياسية والدولية، فإنه على الرغم من أن القيادة التركية يجب أن تدرك مخاطر التحول الدراماتيكي في موقفها من دمشق، إلا أنها تبدو مصممة على المخاطرة بمكانتها ومستقبلها السياسي ومستقبل المعارضة السياسية السورية التي تحتضنها، خصوصا إذا عارضت الدول الغربية هذا التطبيع، فإن مستقبل المعارضة السورية سيكون على المحك، أمام أي جسم جديد.

ويرى أمين، أنه إذا أصّرت تركيا على السيطرة على الفصائل من خلال قواتها المنتشرة في مناطق المعارضة، فليس من المستبعد أن تحدث اشتباكات بين الطرفين. ومثل هذا السيناريو لن يفيد إلا دمشق. مضيفا، “ومع التطبيع، قد تحصل أنقرة على بعض النتائج المرضية التي تسبق انتخابات 2023، لكنها ستفقد بالتوازي مع المعارضة المدعومة من قِبلها مصداقيتها أمام الشعب السوري، الذي قد يتحول من صديق داعم إلى عدو دائم”.

دعوات لتحييد المعارضة الخارجية

“هيئات ثورية”، ونقابات، وناشطون في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، دعوا إلى تشكيل إدارة عسكرية ومدنية موحدة وعزل “الفاسدين”.

وقال أحد القائمين على “الحراك الثوري الموحد”، يوسف عبود، لموقع “تلفزيون سوريا”، أمس الاثنين، إن العنوان العريض للمظاهرات التي خرجت يوم الجمعة الماضي، هو “توحيد القيادة والقرار ومحاربة الفساد”.

وأشار عبود، إلى طرح مبادرة سابقة لتوحيد فصائل “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة بقائد واحد، وصندوق مالي واحد، لتكون الواردات الاقتصادية تحت إشراف إدارة واحدة، فضلا عن محاربة الفساد بكافة أشكاله وأنواعه، على مستوى الفصائل، والمجالس المحلية وغيرها، مشددا على رفض المصالحة مع دمشق.

ومؤخراً، طرحت النقابات المهنية والعلمية في شمال سوريا، نقاطا عدة للخروج من المأزق الذي تعيشه السياسة الحالية للبلاد، بينها إيقاف التفاوض مع دمشق، ورفض الوصاية، وتوحيد مناطق المعارضة بإدارة مدنية واحدة، ودعم “الجيش الوطني” المعارض، وإنهاء الحالة الفصائلية، ونقل مؤسسات “الائتلاف السوري”، إلى سوريا.

ورجّح نقيب “نقابة المحامين الأحرار في سوريا”، محمود النجار، أن الاستجابة لمبادرة النقابات، ستنعكس “إيجابيا” على أداء “الجيش الوطني” والحالة الأمنية.

الجدير ذكره، أن التطورات السياسية العديدة، وموقف تركيا من الحكومة السورية شكّلت نقطة تحول في تطلعات القاطنين في شمال غربي سوريا، وتطورت معظم هذه المطالب، التي كانت تركز في السابق على الإطاحة بالحكومة وإطلاق سراح السجناء وغيرهم، في الأسابيع الأخيرة لتشمل دعوات لإنشاء إدارة عسكرية ومدنية موحدة، وكذلك إقالة من وصفوا بأنهم “فاسدون”، ما يفتح الباب أمام خطة شاملة قيد التطوير، تتوافق أهدافها إلى حد كبير مع أهداف المحتجين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.