التحول في موقف تركيا تجاه سوريا، والحديث عن فتح المفاوضات بين أنقرة، ودمشق بوساطة موسكو، رهنا بشروط وبنود محددة يتفق عليها الطرفان، لم يؤديا فقط إلى إثارة قلق حلفاء أنقرة، في شمال سوريا، بل أيضا الجماعات الجهادية التي تعمل في إدلب، والتي تتلقى دعما تركيا مستمرا.

هذه المخاوف تفاقمت بسبب القصف الروسي السوري المتكرر في إدلب، حيث أفادت وسائل إعلامية محلية أن أربع غارات شنتها طائرات حربية روسية – سورية مشتركة صباح أمس الجمعة استهدفت موقعين مسلحين للفصائل هناك، أحدهما غرب مدينة إدلب، والآخر في ضواحي بلدة بزابو جنوب المدينة، وهذا هو السيناريو ذاته الذي عملت عليه روسيا، منذ تدخلها عام 2015، ونتيجة لذلك حققت مكتسبات على الأرض أفضى إلى إعادة وسط، وجنوب البلاد تحت سيطرة دمشق.

سيناريوهات محتملة، أبرزها وهو المرجح لدى المحليين، أن ينتهي المطاف بهذه الفصائل إلى الانخراط في أحد الفيالق تحت إشراف روسي – تركي تحت السيادة السورية، كما حدث مع أغلب الفصائل في المناطق التي دخلتها روسيا، مقابل دخول المؤسسات المدنية للحكومة السورية إلى مناطقها، فما احتمالية حدوث ذلك؟

أسلوب قديم

في تموز/يوليو 2018، بمساعدة روسيا، استعادت دمشق جنوب البلاد، وعادت مؤسسات الدولة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية، على الرغم من أن الفصائل العسكرية آنذاك كانت تتلقى دعما عسكريا خارجيا، وكانت تجري تدريباتها في الأردن، إلا أن الرؤية الروسية لإعادة الوضع كما كان عليه بعد تعثر العملية السياسية، كان الخيار المفضل لدى الدول الإقليمية.

يقول المحلل والسياسي الروسي، أليكاس موخين، لـ”الحل نت”، أن المشروع الروسي في سوريا “نظام المصالحة”، ليس وليد فترة الأزمة السورية، إنما هو أنموذجا كانت قد استخدمته موسكو سابقا مع الخارجين عليها في دول الاتحاد السوفيتي سابقا، وتتغنى بنجاحه كما يحدث على سبيل المثال في الشيشان.

ويشير موخين، أن روسيا تسعى إلى رسم خرائط جهود القوة الناعمة لها في سوريا من خلال طرح هذا المشروع بعيدا عن تطلعاتها في تثبيت قدمها داخل البحر الأبيض المتوسط، حيث دشّنت ذلك بإعلانها عن مركز المصالحة الروسي لسوريا، المعروف رسميا باسم “مركز المصالحة بين الأطراف المعارضة، ومراقبة هجرة اللاجئين في الجمهورية العربية السورية” في 23 شباط/فبراير 2016.

ويضيف موخين، أن الهدف المعلن من المركز هو تسريع مفاوضات “السلام”، بين دمشق وجماعات المعارضة، كما أنها مؤسسة مشتركة بين تركيا وروسيا منذ تأسيسها، ومقرها في قاعدة حميميم الجوية، حيث تم تكليفها بتنسيق البعثات الإنسانية، وتنظيم الأجواء للتوقيع على اتفاقيات وقف إطلاق النار.

أنقرة تدرس الخطة

في البداية، بدت الاتفاقات في جنوب سوريا ناجحة إلى حد ما: عاد النازحون بسبب القتال في وقت قصير وانضم العديد من الفصائل المحلية إلى “الفيلق الخامس”، الذي تشكل بأوامر روسية، وتعود تبعيته للجيش السوري ظاهريا لمحاربة تنظيم “داعش”، ومع ذلك، ومن خلال نظرة فاحصة بعد ثلاث سنوات، فإن هدف روسيا كان دمج المعارضة بالجيش السوري.

احتمالية ضغط تركيا على الفصائل التي تدعمها من أجل الانخراط في فيلق جديد برعاية روسيا، لا يستبعده المحلل الروسي، إذ يرى أن أنقرة أقرب للتخلص من أثار الأزمة مع دمشق؛ خصوصا وأن الملف السوري بات ثقيلا عليها في ظل انعدام أفق الحوار، والحل السياسي، وانشغال المجتمع الدولي بالقضايا الأكبر كمواجهة موسكو في أوروبا والصين في الشرق.

من جهته، يعتقد المحلل العسكري، العقيد عبد الله حلاوة، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن تكون أولى المناطق التي ستخضع للعملية الجديدة هي إدلب، حتى يتم تأهيل المعارضة العسكرية في الشمال الغربي للانخراط داخل “الفيلق الخامس”، أو التشكيل الجديد على أبعد تقدير.

وبحسب حلاوة، فإن تفعيل الدبلوماسية وإقناع قادة المعارضة بذلك سيكون من مهمة أنقرة، والتي ستفرض ذلك في حال رفضت الفصائل الانصياع لذلك، مؤكدا أن لا حل أمام “الجيش الوطني” المعارض الذي تدعمه تركيا، لأنه فقد الحاضنة الشعبية أولا، وثانيا يفقد أهلية الدخول في معركة، لأن جميع المعارك التي خاضها سابقا بدعم من سلاح الجو والمدفعية التركية.

مرحلة متوترة

بعد إعلان أنقرة انفتاحها للحوار مع دمشق، تمر المعارضة حاليا بفترة توتر، وفق ما نقله نقل موقع “المونيتور”، حيث أنها تخسر حليفها الرئيسي تركيا وسط حديث تركي عن سعيها لطي صفحة الخلاف مع الحكومة السورية، موضحا، أنه “في ضوء هذه التطورات السياسية، لا تمتلك المعارضة المسلحة حاليا القدرات العسكرية لصد عملية عسكرية حكومية كاملة محتملة في شمال غربي سوريا”.

وفي هذا الصدد، نقل “المونيتور”، عن قيادي في المعارضة السورية مقيم في تركيا رفض الكشف عن هويته، تأكيده على أن الأشهر المقبلة ستشكل خطرا على المعارضة السورية، ومستقبل المناطق الخارجية عن سيطرة الدولة السورية شمالي وشمال غربي سوريا، معربا عن أمله بأن تحل واشنطن، محل أنقرة في حال تخلّت الأخيرة عنهم.

وتابع : “نحن قلقون للغاية من نية تركيا عن فتح فصل جديد مع الدولة السورية، وهذا يعني أنها تعترف بشرعيتها، وبالتالي لم تعد تهتم بإسقاطها، وهذا تغيير خطير للغاية في الموقف التركي، لذا ستسعى روسيا، والحكومة السورية لاستعادة كافة المناطق الخارجة عن سيطرتها”.

وحول مصير فصائل أنقرة شمالي سوريا، والفصائل الجهادية في إدلب بعد التحول التركي إزاء دمشق، سبق أن جرى الحديث عن سيناريوهات محتملة، حيث أفادت صحيفة “العرب”، اللندنية بأنه “من المتوقع أن ينتهي المطاف بهذه الفصائل إلى الانخراط في أحد الفيالق تحت إشراف روسي – تركي تحت السيادة السورية، مقابل دخول المؤسسات المدنية للحكومة السورية إلى مناطقها”.

وكذلك أشارت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، إلى أن “أنقرة تحاول هندسة ترتيبات جديدة تهدف إلى إدخال هيئة تحرير الشام، في السياق الميداني والسياسي، وفي هذا الصدد تسلك أنقرة مسارا متدرّجا ومتأنّيا، بدءا من عمليات تلميع الجولاني وجماعته، والتي لا تزال مستمرّة، مرورا باستمرار التضييق على الجماعات الجهادية المنتشرة في إدلب، وصولا إلى التخلص من الشخصيات غير السورية في صفوف تحرير الشام”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة