بعد تراجع منتوج الحمضيات في الساحل السوري خلال الفترة الماضية، وتكبد المزارعين لخسارات عدة، لجأ العديد من المزارعين إلى اقتلاع أشجار الحمضيات وإقامة مزروعات بديلة في مكانها، وكان من بين هذه الأصناف الجديدة، الفواكه الاستوائية، وقد نجح نسبة كبيرة منهم بهذه الزراعات، بعد أن كانت هذه الفواكه المستوردة في فترة سابقة حكرا على بعض أرفف في “المولات” التجارية لسنوات عديدة، وضيفا يوميا على طاولات المجتمع المخملي.

بعد رؤيتها على شاشات التليفزيون، أو في تلك المولات، بمثابة رؤية تحفة حضارية، أصبحت الفواكه الاستوائية في ظل غياب الدعم الحكومي والسياسات الزراعية الضبابية، تُباع على البسطات أسوة بباقي الفواكه المحلية.

غياب الدعم الحكومي

عندما توجّه الكثير من المزارعين السوريين إلى الزراعة الاستوائية، لم يكن ذلك بدعم الجهات الحكومية من حيث تأمين البذار والمستلزمات الزراعية، لاسيما وأن أصناف البذار دخلت البلاد بطرق غير شرعية، وفق ما أكدته مديريات الزراعة في تلك المناطق، وفقا لتقرير لصحيفة “البعث” المحلية، يوم أمس الأحد.

ووفق التقرير المحلي، فإن هذه الزراعات ازدهرت في البلاد بعد تجارب شخصية لعدة مزارعين، والتي بدورها فتحت باب الزراعة الاستوائية على مصراعيه، لكن وعلى الرغم من نجاح معظمها إلا أن تبنيها من قبل القطاع الحكومي ما زال محكوما بعدة قيود لجهة حماية الزراعة المحلية وعدم إحلال الزراعة الاستوائية كبديل لها، لاسيما أن سعر الحبة الواحدة من أي فاكهة يفوق الـ 4000 ليرة سورية ويصل في بعض الأحيان إلى 30 ألفا حسب جودتها ووزنها ومكان تواجدها أو بيعها.

من جانبها وزارة الزراعة السورية أكدت أن الزراعات الاستوائية تدخل في إطار “القطاع الخاص” ولا زالت بعيدة عن الدعم الحكومي لها رغم العائدية الاقتصادية الناتجة عنها في حال لاقت الدعم اللازم لها، وذلك لأسباب مجهولة.

محاولات فردية

في المقابل، يرى إياد محمد، أمين سر لجنة الاستيراد والتصدير في اتحاد غرف التجارة أن سبب التوجه لهذه الزراعة هو الطلب المرتفع على المنتجات التي كانت تستورد سابقا بالقطع الأجنبي، رافقه تردي الناتج الاقتصادي لمزارعي الحمضيات وعدم قدرة الجهات المعنية على إيجاد حلول جذرية لمزارعي الأشجار المثمرة المحلية، لذا قام مجموعة من المزارعين بالمغامرة كمحاولات فردية من خلال القيام بتجارب عديدة على مجموعات كبيرة من الشتول الاستوائية الحديثة، وفق ما نقلته صحيفة “البعث” المحلية.

أحد الأكواخ لبيع الفواكه الاستوائية في طرطوس “فيسبوك”

وأشار محمد إلى وجود أصناف استوائية تُزرع محليا منذ أكثر من عشرين سنة، مثل “أفوكادو وكيوي” وذلك على نحو تجاري اقتصادي بحت بسبب تدني أسعار الحمضيات على مدى عشر سنوات ماضية؛ وإيجاد صعوبات عديدة في تسويقها وتصديرها، عدا عن الارتفاع الكبير في تكاليف الزراعات المحمية في المناطق الساحلية، على حد وصفه.

أما بالنسبة لمستلزمات إنتاج هذه المحاصيل ومدى الدعم الذي تقدمه وزارة الزراعة لمزارعيهم، فقد قال محمد أن مستلزمات الزراعة لم تدرج بعد في المديريات والإرشاديات الزراعية  حيث لا زالت “زراعة كيفية” لا تخضع لخطة زراعية منظمة، وفي حال خضوعها لوزارة الزراعة سيكون لها دعم جيد، على حد زعم محمد.

“تطبيل حكومي”

من جهة أخرى، هناك تجارب كثيرة لازالت برسم انتظار نتائجها على أرض الواقع لثمار استوائية تم استجرار بذارها من قبل المزارعين بطرق وأساليب ملتوية وفق التقرير المحلي، بهدف الربح الوفير الذي عجزت الحكومة عن توفيره لهم، إذ يرى حسين خرما، أحد أصحاب المزارع الاستوائية أن هذه التجارب لم تأتِ بنتائج إيجابية مباشرة، وإنما بعد تجارب متكررة في زراعتها.

نوّه خرما، إلى تجاهل الجهات الحكومية لما يبذله المزارعون من جهد وتكلفة لتأمين مستلزمات هذه الزراعات والاكتفاء بالتغني و”التطبيل” على منابر الإعلام بإنجاز المزارعين ونجاحهم بإدخال صنف مستورد إلى أسواقهم وسط تجاهلهم للقيمة المادية التي يضيفونها إلى خزينة الدولة، وفق تعبيره.

بدوره، لم ينفِ الخبير التنموي أكرم عفيف نجاح هذه التجربة في سوريا، خاصة أنها استطاعت إعطاء نكهات مميزة تفوقت على بلد المنشأ نتيجة التربة الخصبة في سوريا، داعيا الجهات الحكومية إلى دعمها، على اعتبار أن هذه المحاصيل ذات إنتاجية عالية جدا.

كما أوضح مزارعو المحاصيل الاستوائية في تصريحات صحفية سابقة؛ أنهم واجهوا صعوبة في التسويق في البداية بسبب عدم وجود دعم حكومي من جهة وعدم معرفة الناس بهذه الأصناف، وفيما بعد تم تسويق المحاصيل داخل سوريا، ومن ثم تم تصدير جزء من إنتاجيتها إلى الخارج العام الماضي بجهود خاصة من المزارعين، وسط غياب الدعم الحكومي، خاصة على صعيد التسويق والتصدير الخارجي.

قد يهمك: الفواكه الاستوائية على البسطات في سوريا.. الحبة بـ10 آلاف

البيع على البسطات

نتيجة لازدهار زراعتها في مناطق الساحل السوري، شهدت أسواق العاصمة دمشق، مؤخرا، انتشارا لعدة أنواع من الفاكهة الاستوائية في المحال التجارية والبسطات، وذلك بعد أن كان بيعها محصورا بالمولات وبعض المحال بسبب غلاء أسعارها.

موقع “أثر برس” المحلي أكد في وقت سابق أن هذه الفاكهة يتم بيع معظم أنواعها بالحبة، حيث يبلغ سعر الحبة الواحدة من فاكهة “الدراغون الاستوائية” ثمانية آلاف ليرة سورية، أما سعر حبة من البابايا 10000 ليرة سورية، بينما سجل سعر كيلو من المانغا 18000 ليرة سورية، أما سعر حبة المانغا المصرية 7000 ليرة سورية، وسعر حبة فاكهة الشوكولا الاستوائية 6000 ليرة سورية، بينما سعر حبة القشطة 7000 ليرة سورية، وتختلف الأسعار حسب الجودة والوزن.

بيع الفواكه الاستوائية على البسطات في سوريا “إنترنت”

ومن جانب آخر، أوضح تقرير سابق لـ”الحل نت” أن المواطنين يخاصمون الفاكهة في هذه الأيام، بعد أن حلقت أسعارها بـ“العالي“، فهم غير قادرين على شرائها، رغم أنها في موسمها ويفترض أن تكون رخيصة أو ذات أسعار معقولة. كما بيّن التقرير، أن تلك الفاكهة تتبع معهم مبدأ “شم ولا تدوق“، فمعظم أنواعها الجيدة صعبة المنال في هذه الأيام لارتفاع ثمنها بشكل غير طبيعي.

وحول الأسعار، فقد بلغ سعر كيلو التفاح الجيد نوعا ما 4500 ليرة، والدراق ما بين 4500-5500 ليرة حسب نوعه، والخوخ 4000 ليرة، والإجاص الجيد بـ3500 ليرة، والنوع الثاني بـ2500 ليرة، والعنب ما بين 2500-3500 ليرة، والكرز النوع الأول 7000 ليرة والثاني بـ 5500 ليرة.

أما البطيخ الأحمر وحده من دون غيره رخيص السعر في هذه الأيام، فالكيلو يباع ما بين 350-450 ليرة، بينما البطيخ الأصفر ما زال ثابت السعر عند الـ800 ليرة للكيلو، حيث بيّن المواطنون أن الأسعار تختلف بين سوق وآخر.

لذا، وفي ظل هذه الظروف الحالية، تدور التساؤلات حول احتمالية أن يتجه المزارعين إلى زيادة الاعتماد على زراعة الفوكه الاستوائية كحل بديل عن الحمضيات، وفيما إذا كان الواقع مناسبا أساسا لهذه الزراعة التي تحتاج إلى رعاية وتكاليف مادية من الإمدادات والمواد الأولية التي تدخل في عملية الإنتاج. كل هذا يتوقف على الظروف المناسبة ودعم الحكومة السورية للقطاع الزراعي المتهالك مثل باقي القطاعات الأخرى.

قد يهمك: فواكه استوائية بديلة عن الحمضيات في سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.