منذ عدة أيام والملف النووي الإيراني، يخيّم عليه نوع من الغموض وحالة من الجمود بعد أن اقترب من إحياء الاتفاق خلال الأسابيع الماضية. حالة الجمود هذه ناتجة عن عدم جدية إيران في المفاوضات، وتعنتها في فرض شروط ترفضها الولايات المتحدة الأميركية، التي تتعنت بدورها على نقاط محددة يجب تنفيذها لتوقيع الاتفاق، إلى جانب الدور الذي تلعبه إسرائيل بشكل غير مباشر لإفشال التوصل لهذا الاتفاق.

من هنا، يمكن التّكهن إلى حد ما أن الاتفاقية أصبحت في “خبر كان”، وتأكيدا على ذلك، دعا مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، أوروبا والولايات المتحدة، يوم الإثنين الفائت إلى بدء الحديث عن اتفاقية نووية “أطول وأقوى” مع إيران، مضيفا أن المحادثات الحالية تهدف إلى إحياء اتفاقية 2015 التي ماتت بعد تقديم إسرائيل أدلة على أن طهران، لم تكن صريحة خلال المحادثات.

إيران غير جادة

صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، نقلا عن المسؤول الإسرائيلي الذي رافق مؤخرا رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، في زيارته إلى ألمانيا، قال إن هناك “شكوك جدية”، في صدق إيران في السعي للتوصل لاتفاق نووي، مذكّرة بأن هذا الكلام يأتي بعد ساعات على إعلان لابيد، بأنه مرّر للمستشار الألماني أولاف شولتز، “معلومات حساسة وذات صلة” بشأن برنامج إيران النووي.

المسؤول الإسرائيلي الذي رفض الكشف عن اسمه أضاف: “قدّمنا للأوروبيين معلومات تثبت أن الإيرانيين يكذبون بينما لا تزال المحادثات جارية”.

وزاد بالقول: “لن يكون هناك خطة عمل شاملة مشتركة، كما يقول الأميركيون ومعظم الأوروبيين، لدينا الكثير من التحفظات بشأن إمكانية التوصل لاتفاق نووي، لا توجد محادثات الآن مع إيران، لا يوجد أحد في فيينا”، مضيفا: “نحن بحاجة إلى اتفاق من دون شرط انقضاء الوقت”.

بحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنه تم تحييد المبعوث الرئاسي الأميركي روبرت مالي، وأشار المسؤول الإسرائيلي للصحيفة بقوله: “الأمور خارج أيدي معسكر مالي الآن. المحادثات الحاسمة التي نجريها مع الولايات المتحدة لم تعد في يد مالي”.

من جهة أخرى نفى متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للصحيفة أن يكون قد تم تحييد مالي، أو أن يكون الموقف الأميركي قد أصبح أكثر تشددا، مؤكدا أن جهود العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة مستمرة.

من جانبه، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية: “لدينا حوار وثيق جدا مع إسرائيل وحلفاء وشركاء آخرين بشأن إيران، بما في ذلك خطة العمل الشاملة المشتركة، المبعوث الخاص مالي، جزء لا يتجزأ من هذه المحادثات”.

وأشار، إلى أن “هناك سبب واحد فقط لعدم توصلنا إلى تفاهم بعد. طهران، لم تقبل بعد الأساس المعقول الذي قدمه الاتحاد الأوروبي كمنسّق لمحادثات خطة العمل الشاملة المشتركة”.

قد يهمك: تلاشي حظوظ التفاهم على الاتفاق النووي مع إيران

فشل المفاوضات؟

في المقابل، قال وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، إنه “من غير المحتمل” التوصل لاتفاق لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة في المدى القريب.

كلمة “سخيفة”، هي الكلمة التي استخدمها مسؤول أميركي كبير لوصف هذه التقارير لموقع ”جاده إيران”. وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن الولايات المتحدة لم تشدد موقفها على الإطلاق، ولم تتأثر بأي طرف خارجي.

وأضاف الموقع المهتم بالشأن الإيراني نقلا عن المسؤول الأميركي: “لقد كان لدينا موقف ثابت لفترة طويلة، السبب الوحيد لعدم تمكننا من إبرام صفقة خلال الأسابيع الماضية، هو أن إيران أعادت طرح قضايا خارجية”.

محطة نووية في إيران “رويترز”

بينما نفى مسؤول أوروبي، تحدث لموقع ”جاده إيران”، لم يكشف عن هويته، أن يكون الإسرائيليين قد لعبوا دورا في إفشال المحادثات النووية الإيرانية.

المسؤول الأوروبي، نوّه إلى أنه “لم يكن هناك تصلّب في المواقف الأوروبية أو الأميركية، بل كانت هناك خطوة أخيرة من جانب طهران، نتيجتها الوحيدة هي المأزق الحالي”.

قد يهمك: دول أوروبية تتهم إيران بفشل المفاوضات النووية.. كيف ردت طهران؟

ماذا تريد إيران؟

إيران تصرّ على أن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإسقاط تحقيق في آثار اليورانيوم، التي تم العثور عليها في مواقع مرتبطة بأنشطة طهران النووية قبل عام 2003. كما تطالب بأنواع مختلفة من الضمانات من الولايات المتحدة.

وهنا من المهم التركيز على أن مسألة تسوية تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليست متعلقة بموافقة واشنطن فقط، بل بمجلس محافظي الوكالة، وكذلك بالوسطاء الأوروبيين، وهؤلاء يؤكدون جميعا على ضرورة عدم تسييس عمل الوكالة، وتفاخر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن إحدى نجاحاته الدبلوماسية هي منع تسييس عمل الوكالة، والحيلولة دون ربط التقرير بمساومات التفاوض.

في هذا السياق، أوضح المسؤولون الأمريكيون، أن الولايات المتحدة لن تتنازل في مسألة طلب طهران، إغلاق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضدها؛ لأن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تلغي سلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في المراقبة على المواقع النووية في جميع أنحاء العالم، وتسييس قراراتها.

مفاوضات فينيا “AFP”

من جهتها، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأربعاء الماضي، أنها “لا تستطيع ضمان أن البرنامج النووي الإيراني سلمي حصرا”، بسبب عدم رد طهران على مسألة المواقع غير المعلنة والمشتبه في أنها شهدت أنشطة غير مصرح عنها.

وكان الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، قد أكد خلال الأسبوع الماضي على مطالب بلاده بالمفاوضات النووية، مبيّنا أنها تشمل رفع العقوبات بشكل مستدام، والتحقق المطمئن من رفعها، والحصول على الضمانات الكافية، وإغلاق قضايا الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وأضاف رئيسي، في مؤتمر صحفي بمناسبة أسبوع الحكومة والذكرى الأولى لتشكيل حكومته، أن حكومته تعمل في مسارين بآن واحد، هما السعي لإفشال العقوبات الأميركية، الذي وصفها بأنها “ظالمة”، والمسار الثاني هو العمل على رفع هذه العقوبات عبر المفاوضات النووية.

وجدان عبد الرحمن، الخبير في الشأن الإيراني، أوضح خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن تصريحات الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، كتصريحات تضيف شروطا اقتصادية بهدف تعطيل الحل من خلال جعل الشروط أكثر صعوبة، نابعة من الخطة، أو المشروع الذي أتى به التيار المتشدد في إيران، وعلى رأسه حسين شريعة مداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان”، المقربة من المرشد الإيراني، علي خامنئي، والداعي إلى تأخير التوقيع على الاتفاقية لمدة شهرين إضافيين على الأقل، ومن الواضح أن تصريحات رئيسي تدل على استجابته للمتشددين.

أضاف عبد الرحمن، أنه لو تم توقيع الاتفاق بين إيران والغرب، وعادت الولايات المتحدة إلى مجموعة “5+1” فإن ذلك لا يعطي ضمانات اقتصادية لإيران، أو ما يمكن تسميته الانتفاع الاقتصادي من توقيع الاتفاقية.

وأردف وجدان عبد الرحمن، أنه لو تم توقيع الاتفاق، فإن موضوع المواقع النووية الثلاث المشتبه بها والتي عُثر فيها على ذرات من اليورانيوم المخصّب، ستُبقي الملف مفتوحا أمام “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، أي أن الملف سيكون سيفا مسلطا على النظام الإيراني.

هذا وبعد 16 شهرا، من محادثات إيران المتعددة الأطراف مع الدول المشاركة في الاتفاق النووي، والمفاوضات غير المباشرة مع أميركا لإحياء الاتفاق، قدم الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي اقتراحا نهائيا لكسر الجمود في هذه المفاوضات.

كما وقدمت إيران، وأميركا ردّهما على هذا الاقتراح “النهائي”، من الاتحاد الأوروبي. لكن في ردها الأخير في 2 أيلول/ سبتمبر الجاري، طالبت إيران، بتلقي ضمانات من الولايات المتحدة، لإغلاق ملف الضمانات في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي قلل من آمال الدول الأوروبية الأعضاء في الاتفاق النووي، والولايات المتحدة في إحياء هذا الاتفاق.


قد يهمك: هل يُعمق الاتفاق النووي من نفوذ إيران في لبنان وسوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.