الملف النووي الإيراني، والذي تعرضت مباحثاته لعثرات عديدة أبرزها تلك التي وضعتها لإيران من خلال محاولات لفرض شروط غير مقبولة دوليا، أدت إلى أن يكون الاتفاق النووي مهددا بالانهيار، حيث تشير كل المعطيات الحالية إلى تلاشي حظوظ إنجازه.

الاتفاق بعيد؟

الولايات المتحدة الأميركية، اعتبرت أن التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن الملف النووي بات أمرا بعيدا.
وقال المتحدث باسم “البيت الأبيض”، جون كيربي، يوم أمس الخميس، إن “الولايات المتحدة وإيران أصبحتا بعيدتين عن أي صفقة بشأن الاتفاق النووي”.

وأضاف “لم نعد قريبين من أي اتفاق كما كنا من قبل”، مشيرا إلى وجود فجوات في المواقف بين الطرفين بشأن الاتفاق النووي، مشددا في نفس الوقت على أن الرئيس الأميركي، جو بايدن لا يزال “ملتزما بالدبلوماسية” تجاه إيران .
وأردف كيربي أنه “يريد ضمان أن تكون هناك خيارات أخرى متاحة لحرمان إيران من قدرة إنتاج سلاح نووي إذا توصلنا إلى اتفاق”، مبينا أن واشنطن مستمرة في العمل على إعادة إحياء الاتفاق النووي ولكن صبرها بدأ ينفد.

إقرأ:خطة فرنسية للإتفاق النووي الإيراني.. “إسرائيل” توافق وواشنطن تُعلق

رد غير بناء

وزارة الخارجية الأميركية، أوضحت يوم الثلاثاء الماضي، أن الرد الإيراني على ملاحظات بلادها بشأن مسودة الاتفاق النووي، لم يضع الطرفين على طريق إحياء الاتفاق”.

كما أعلنت الأسبوع الماضي، أن الرد الأخير الذي قدمته طهران في إطار المحادثات المتعلقة بالاتفاق النووي لعام 2015 “ليس بناء”، وهو ما يحد من احتمال العودة إلى الالتزام بهذا الاتفاق التاريخي.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، “يمكننا أن نؤكد أننا تلقينا رد إيران عبر الاتحاد الأوروبي”، مضيفا “نحن ندرسه وسنرد عن طريق الاتحاد الأوروبي، لكنه للأسف غير بناء”، بحسب تقارير صحفية اطلع عليها “الحل نت”.

يأتي الرد الأميركي، في الوقت الذي أعرب فيه مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الأسبوع الفائت عن أمله بإحياء الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني في الأيام المقبلة.

كلام بوريل، يأتي على خلفية المقترح الذي قدمه الاتحاد الأوروبي في 8 آب/أغسطس الماضي، وما سماه “نصا نهائيا” لإحياء الاتفاق الذي أبرم في عام 2015 وانسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أحاديا.

وكانت وسائل إعلام رسمية إيرانية، نقلت عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قوله إن إيران أرسلت ردا “بناء” على المقترحات الأميركية المتعلقة بإحياء اتفاق 2015 النووي الذي أبرمته طهران وقوى عالمية.

ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، عن كنعاني، الأسبوع الماضي، دون ذكر المزيد من التفاصيل أن”النص الذي أرسلته إيران له أسلوب بناء يهدف لاختتام المفاوضات”.

قد يهمك:توقعات بفشل الاتفاق النووي الإيراني

ما الذي يقلق الكونغرس؟

بحسب تقريرسابق لـ”الحل نت”، فقد أرسل 50 عضوا في مجلس النواب الأميركي، هم 34 عضوا ديمقراطيا و16 عضوا جمهوريا، رسالة إلى الرئيس جو بايدن، يوم أمس الخميس، أعربوا فيها عن القلق العميق بشأن صفقة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وطالبوا الإدارة بالتشاور مع الكونغرس أولا قبل توقيع أي صفقة.

وجاء في الرسالة الموجهة إلى “البيت الأبيض”: “نكتب إليك لنطلب بكل احترام أن تزود إدارتكم الكونغرس بالنص الكامل لأي اقتراح لإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، بما في ذلك أي اتفاقات جانبية، والتشاور مع الكونغرس قبل إعادة الانضمام إلى ذلك الاتفاق”، وأبدى النواب قلقا كبيرا بشأن كثير من البنود التي قد ترد في النص النهائي لأي اتفاق مع إيران.

وأشارت الرسالة إلى أن المسودة التي تقدم بها الاتحاد الأوروبي تنص على أن “الأشخاص غير الأميركيين الذين يتعاملون مع أشخاص إيرانيين ليسوا مدرجين في قائمة العقوبات الأميركية لن يتعرضوا للعقوبات، سواء كان هؤلاء الأشخاص الإيرانيون منخرطين في معاملات منفصلة أم أشخاصا إيرانيين مدرجين في قائمة العقوبات الأميركية، بمن في ذلك الحرس الثوري الإسلامي الإيراني أو الشركات التابعة له”.

وقال موقعو الرسالة، إن الكونغرس أثنى على إدارة بايدن في رفض إزالة تصنيف الحرس الثوري” الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية، التي تعد إحدى الأدوات الأميركية القوية لإجبار الدول الراعية للإرهاب على تغيير سلوكها، إلا أن البند المذكور يسبب كثيرا من القلق.

وقال النواب في الرسالة: “نحن قلقون من أن ذلك يمكن أن يخفف بشكل كبير فاعلية العقوبات المتعلقة بالإرهاب على (الحرس الثوري) الإيراني، والأذرع الإرهابية شبه العسكرية التابعة لإيران، ويوفر لطهران مسارا للتهرب من العقوبات”.

وأشاروا إلى أنه لا يمكن الوثوق بإيران، الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم. موضحين أن “الحرس الثوري” الإيراني نفّذ عمليات اغتيال بشكل مباشر أو من خلال وكلائه في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن إيران و”الحرس الثوري” الإيراني سيكونان خطرا هائلا على الأميركيين في الداخل والخارج، وعلى حلفاء الولايات المتحدة.

ومن جهة ثانية، حذر النواب، من أنه بالإضافة إلى ذلك، وبموجب هذه الصفقة المقترحة، ستكون روسيا هي الحكم الفعلي للامتثال والحفاظ على اليورانيوم الإيراني المخصب، دون أي آليات إشراف من الولايات المتحدة أو شركائنا الأوروبيين”.

وطالبوا إدارة بايدن بعدم السماح لروسيا بأن تكون متلقية لليورانيوم الإيراني المخصب، أو أن يكون لها حق إجراء أعمال نووية مع إيران، بما في ذلك عقد بين موسكو وطهران بقيمة 10 مليارات دولار لتوسيع قدرات إيران النووية والبنية التحتية النووية.

وقالوا في الرسالة: “ينبغي ألا نسمح لمجرم الحرب فلاديمير بوتين بأن يكون ضامن الصفقة أو الحارس لكميات هائلة من اليورانيوم الإيراني المخصب لأن إيران تدعم الحرب غير الشرعية في أوكرانيا وتزود روسيا بطائرات بدون طيار تستخدم لقتل الأوكرانيين”.

إقرأ أيضا:“خيارات بديلة” في الاتفاق النووي الإيراني.. انسحاب أميركي قريب؟

إيران تتلاعب من أجل الاقتصاد

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أكد الأسبوع الماضي، على مطالب بلاده بالمفاوضات النووية، مبينا أنها تشمل رفع العقوبات بشكل مستدام والتحقق المطمئن من رفعها والحصول على الضمانات الكافية وإغلاق قضايا الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وأضاف رئيسي، في مؤتمر صحفي بمناسبة أسبوع الحكومة والذكرى الأولى لتشكيل حكومته، أن حكومته تعمل في مسارين في آن واحد، هما السعي لإفشال العقوبات الأميركية الذي وصفها بأنها “ظالمة”، والمسار الثاني هو العمل على رفع هذه العقوبات عبر المفاوضات النووي.

وجدان عبد الرحمن، الخبير في الشأن الإيراني، أوضح خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن تصريحات الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، كتصريحات تضيف شروطا اقتصادية بهدف تعطيل الحل من خلال جعل الشروط أكثر صعوبة، نابعة من الخطة أو المشروع الذي أتى به التيار المتشدد في إيران، وعلى رأسه حسين شريعة مداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد الإيراني، علي خامنئي، والداعي إلى تأخير التوقيع على الاتفاقية لمدة شهرين إضافيين على الأقل، ومن الواضح أن تصريحات رئيسي تدل على استجابته للمتشددين.

وأضاف عبد الرحمن، أنه لو تم توقيع الاتفاق بين إيران والغرب، وعادت الولايات المتحدة إلى مجموعة “5+1” فإن ذلك لا يعطي ضمانات اقتصادية لإيران أو ما يمكن تسميته الانتفاع الاقتصادي من توقيع الاتفاقية.
نشاطات إيران سبب خسارتها

الرئيس الإيراني، شدد الأسبوع الماضي على أنه “لن يكون هناك اتفاق من دون إغلاق قضايا الضمانات (اتفاق الضمانات تابع لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية)”، وذلك في إشارة إلى الخلافات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن ثلاثة مواقع إيرانية مشتبه بممارستها أنشطة نووية غير معلنة بعد إعلان الوكالة سابقا أن مفتشيها حصلوا فيها على آثار جزيئات اليورانيوم.

وفي هذا السياق، أوضح وجدان عبد الرحمن، أنه لو تم توقيع الإتفاق، فإن موضوع المواقع النووية الثلاث المشتبه بها والتي عُثر فيها على ذرات من اليورانيوم المخصب ستبقي الملف مفتوحا أمام “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، أي أنه الملف سيكون سيفا مسلطا على النظام الإيراني.

ونتيجة لهذه العلاقة بين إيران والوكالة، فلن تعود الشركات الغربية والعالمية وحتى البنوك للتعامل اقتصاديا مع إيران ما زال هذا الملف مفتوحا، ولهذا تجد إيران نفسها خاسرة من هذا الاتفاق لأنها أيضا ستقوم بإخراج اليورانيوم المخصب الذي كلفها مليارات الدولارات إلى خارج البلاد، وإضافة لذلك فإن من بين النقاط التي تم الحديث عنها أن اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة يجب خفض نسبة تخصيبه إلى 20 بالمئة وإخراج الأخير لخارج إيران، وأما ما يمكن لإيران العمل به في مشروعها النووي هو العودة إلى التخصيب بنسبة ما دون الـ 4 بالمئة كما كانت قبل العام 2015.

وأشار عبد الرحمن، إلى أن إيران بكل حال لن تستفيد من التوقيع على الاتفاقية من الناحية الاقتصادية، وحتى الأموال الإيرانية المحجوزة في الخارج فلن تتمكن من الوصول إليها ما لم يتم الإفراج عن السجناء السياسيين لديها، والفائدة الوحيدة من التوقيع على الاتفاقية هي الحفاظ على النظام الحالي وتجنب احتمال حدوث ضربة عسكرية.

قد يهمك:مفاوضات الملف النووي الإيراني: لماذا تسعى موسكو إلى عرقلة الاتفاق مع حلفائها الإيرانيين؟

تحضيرات إسرائيلية

إسرائيل وخلال الأيام الأخيرة، كثفت الضغوط على الدول الغربية لعرقلة الاتفاق، وقال مسؤول في “البيت الأبيض” في وقت سابق، إن بايدن تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، وقال مكتب لبيد في بيانه الخاص حول الاتصال الهاتفي، إنهما تناولت المفاوضات “التي تجريها الدول العظمى حول الاتفاق النووي مع إيران والجهود المختلفة التي يتم بذلها من أجل وقف سعي إيران نحو امتلاك السلاح النووي”.

أما على الجانب العسكري، وقعت إسرائيل أمر شراء قيمته 927 مليون دولار لحيازة 4 طائرات “بوينغ كي سي 46 أيه” للتزود بالوقود لسلاحها الجوي، ومن المقرر أن تبدأ عمليات التسليم عام 2025.

وستحل الطائرات محل طائرات “بوينغ 707” المتعددة الاستخدامات التي يعود عمرها لعشرات السنين، وتستخدمها إسرائيل حاليا للتزود بالوقود في الجو، بحسب وكالة “رويترز” للأنباء، ومن شأن الطائرات الجديدة أن تساعد إسرائيل في إظهار جديتها بشأن احتمال توجيه ضربة، تهدد بها منذ فترة طويلة، للمنشآت النووية الإيرانية.

وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، أوضح أن هذه الطائرات ستمكن الجيش الإسرائيلي من مواجهة التحديات الأمنية القريبة منها والبعيدة.

إقرأ:تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني

من الجدير بالذكر أن المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني كادت أن تفضي إلى إحياء الاتفاق لكن نتيجة للتلاعبات الإيرانية والشروط فإن الأمل بالتوصل للاتفاق بدأ بالتلاشي، وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة وما سينتج عنه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.