الاقتصاد السوري، الذي بات اقتصادا خاضعا لعدة أطراف، وهزيلا، إذ يتأثر بأي متغيرات اقتصادية في دول الجوار، بات أبرز عناوين الدولة السورية المنهارة، ففي سبيل تكريس السيطرة الإيرانية على الاقتصاد السوري، أعلن خازن الغرفة التجارية المشتركة السورية – الإيرانية، محمد عمار دللول، قبل أيام، عن البدء بإنشاء منصة وتطبيق التجارة الالكترونية بين الفعاليات الاقتصادية في القطاع الخاص بالبلدين ودول الجوار، مبيّنا أن المنصة التي يتم إنشاؤها ستماثل منصات التجارة العالمية، وتدعم استخدام اللغات العربية والفارسية والإنكليزية، وتتيح للمتفاوضين من مشترين وبائعين عرض المنتجات والخدمات والتفاوض واعتماد التسعير، وتنفيذ عمليات الشراء والتوقيع والدفع الالكتروني.

من جهة ثانية، تُطرح العديد من التساؤلات حول مدى تأثر السوق المحلية في سوريا، برفع الدعم عن المحروقات في لبنان، نظرا إلى خطوط التهريب التي لم تنقطع يوما بين البلدين، والتي تشكل أحد مصادر تغذية السوق السوداء بالمحروقات لتأمين المواد التي عجزت الجهات الحكومية السورية عن تأمينها، حيث تولدت مخاوف ناتجة عن اختلاف وجهة التهريب لتصبح من سوريا إلى لبنان رغم قلة المحروقات في سوريا، حيث نشرت وسائل إعلام لبنانية، أن التسعيرة الجديدة زادت بمقدار 20 ألف ليرة لبنانية، على صفيحة البنزين أوكتان 95 و98، ليصبح سعر الصفيحة 638-653 ألف ليرة.

تسويق إلكتروني يضمن السيطرة

بحسب الاتفاق السوري الإيراني، لإنشاء المنصة، فإن هذه المنصة ستكون متصلة تقنيا بالشركات والمؤسسات والمنتجات والمصارف وشركات التحويل وشركات الشحن والنقل، وستتيح خدمة التفاوض والاتفاق والتحويل والدفع الالكتروني، وتهدف المنصة تسهيل عملية التبادل التجاري والاستثماري والصناعي والخدمي بين البلدين، وتبسيط انتقال السلع والبضائع والخدمات والتعريف بمنتجات البلدين داخل كل منهما ودول الجوار والسوق الدولية، وسينعكس عملها إيجابا على الصناعة المحلية وتسويق منتجاتها وفتح أسواق ومنافذ بيع جديدة أمامها.

استثمارات إيرانية في سوريا “وكالات”

كما أنها ستعرض التشريعات والأنظمة السورية والإيرانية ذات العلاقة والأنظمة والإجراءات ذات العلاقة بالاستيراد والتصدير، والمعلومات والبيانات عن المنتجات التي يحتاجها المستوردون والمصدرون في البلدين، وتستهدف المواد المباشرة مثل المواد الأولية وغير المباشرة، مثل مواد دعم الإنتاج وقطع الغيار، ومواد الصيانة والإصلاحات والعمليات الإنتاجية، ويتم البيع فيها وفق مسارين، سوق عمودية، وسوق أفقية بين بائع وعدة مشترين، أو مشتر وعدة بائعين، وبين عديد البائعين والمشترين، إضافة إلى التجارة التعاونية وتجارة العروض والتخفيضات.

الخبير الاقتصادي، حسن سليمان، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه في ظل السباق العالمي في حقل تكنولوجيا المعلومات، والتسويق الإلكتروني، تحاول إيران وسوريا إيجاد سبيل لها للحفاظ على تدفق السلع والخدمات التي باتت تعتمد بشكل كبير على هذا النوع من التسويق، وهذا ما يسهل عملية تزويد السوق بشكل آني، أو ما يسمى “أون تايم”، أي التصنيع عند الطلب، وهو ما يخفف بدوره تكاليف الحصول على الاحتياجات والبضائع.

ويضيف سليمان، أن العمل وفق المنصة يعزز رقابة هذه الدول على تدفق الأموال والرقابة على الأفراد أيضا، مشيرا إلى دور صيني، تم الحديث عنه مؤخرا في مساعدة إيران وسوريا في البرمجيات والتجسس.

لفت سليمان، إلى أن إيران، هي المستفيد الأكبر من اتفاقية المنصة، فهي تتمتع بقدرات تقنية عالية في حين أن البنية التقنية السورية تكاد تكون مدمرة، وبالتالي فذلك سيسهل على إيران استكمال سيطرتها على السوق السورية “إلكترونيا”، بعد أن سيطرت على العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى.

إقرأ:ما هي فواتير الخط الائتماني الإيراني في سوريا؟

المحروقات السوداء إلى ارتفاع وتضخم إضافي

قرار صُدر في لبنان قبل عدة أيام تضمن رفع الدعم بالكامل عن المحروقات، حيث زاد مبلغ 20 ألف ليرة لبنانية، على سعر كل من صفيحة البنزين والمازوت.

ونتيجة لهذا الارتفاع فقد زادت مخاوف اللبنانيين من ارتفاع المازوت والبنزين في السوق السوداء، وهو أمر طبيعي نتيجة لارتفاع أسعار هذه المشتقات بشكل نظامي.

تهريب مازوت بين سوريا ولبنان “وكالات”

في سوريا، بدأت العديد من التساؤلات تُطرح حول ما إذا كان رفع الدعم عن المحروقات في لبنان سيؤثر على السوق السورية، خاصة أن عمليات تهريبها بين البلدين لم تتوقف منذ سنوات وخاصة من لبنان إلى سوريا.

ووفق خبراء محليين، فإن السعر الجديد لا يُعتبر مختلفا بشكل كبير عن الأسعار المدعومة محليا، فالتسعير في لبنان سيكون وفق السعر العالمي، ومع انخفاض سعر النفط الخام عالميا فقد أصبح السعر بلبنان مقاربا للأسعار المحلية السورية، أي ما يعادل 20 دولار لتنكة البنزين أوكتان 95، أما في السوق السوداء فمن المتوقع ألا يكون هناك تغيير بالأسعار وستكون أعلى من لبنان بنسبة 30بالمئة، أي أن سوريا لن تتأثر بالقرار بشكل ملموس.

ولكن رفع الدعم عن المحروقات في لبنان، كشف أن التكاليف الإضافية للاستيراد التي يتحدث عنها المسؤولون السوريون، أصبحت مجرد شماعة يعلّق عليها كل شيء، فالسعر الجديد للمحروقات في لبنان بعد رفع الدعم يصبح أقل من السعر المحلي، إذا حُسم منه الضرائب ونسب أرباح المحطات، ما يؤكد أن سوريا أصبحت أغلى من كل دول الجوار وبمعظم السلع.

ولكن وعلى الرغم من ذلك، فإن رفع الدعم لن يوقف عمليات التهريب، بحسب حسن سليمان، الذي يرى أنه في ظل رفع الدعم الذي جرى في لبنان، فإن ذلك سيعزز السوق السوداء، ويدفع بالمستهلك اللبناني بتفضيل المحروقات السوداء على المستوردة نظاميا بسبب سعرها الأقل نسبيا، وشح الأولى في السوق.

يوضح سليمان، أن هذا الأمر سيعزز سيطرة عصابات التهريب ومن يقف خلفها على سلسلة مهمة من سلاسل التوريد بين سوريا ولبنان في آن معا، وهذا ما سيجعلهم يرفعون الأسعار في كلا البلدين، مشيرا إلى أن ذلك من الممكن أن يؤدي إلى تعويم لأسعار السوق بشكل مضطرد، وهذا ما يمكن أن يرفع من نسب التضخم أيضا في البلدين.

قد يهمك:مصانع إيرانية جديدة في سوريا.. ماذا بعد ذلك؟

مشاريع إيرانية وخط ائتماني

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى العديد من المشاريع الإيرانية في سوريا، والتي تم الاتفاق عليها بين الطرفين، وتؤدي إلى تعزيز سيطرة إيران على الاقتصاد السوري.

ففي آذار/مارس الماضي، أجريت مباحثات بين “المؤسسة العامة للصناعات الهندسية” وشركة “إم إم تي إي” الإيرانية، تتعلق بافتتاح مشروع صناعي ضخم داخل سوريا.

وبحسب التقرير، فإن الخطة الإيرانية ستبدأ عبر افتتاح مشروع إيراني استثماري ضخم يضم مصنع لـ “تعدين الحديد” في محافظة حماة، وسط سوريا، وأن الشركة الإيرانية المعنية بالطاقة البديلة، زارت معمل حديد حماة، للاطلاع ميدانيا على واقع عمله وإمكانية تطويره، وجدد الحديث عن الاتفاق مع وفد إيراني على العناوين العريضة التي يجب العمل عليها.

 وبحسب مصادر اقتصادية خاصة من دمشق، فإنه ومنذ عام 2011 بدأت إيران بتوسيع نفوذها على عدة جبهات داخل سوريا، ولا شك في أنها منذ ذلك الوقت تسعى للسيطرة على اقتصاد البلاد.

وأكدت المصادر الخاصة خلال حديث سابق لـ “الحل نت”، “هذا واضح منذ سنوات، بأن إيران تحاول الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الممتلكات في سوريا وأهمها شراء نسبة كبيرة من “العقارات” في سوريا، خاصة في العاصمة السورية دمشق، وهذا الأمر بات معروفا للعامة”.

أما حول مساعي طهران، من إنشاء مصنع للطاقة البديلة وقدرتها على تنفيذ ذلك، قالت المصادر ذاتها، “نشهد جهودا مستمرة ومتكررة من الجانب الإيراني، مؤخرا في سوريا، حيث التقت وفود إيرانية بعدد من المسؤولين في غرف الصناعة والتجارة السورية، من أجل إيجاد مشاريع اقتصادية طويلة الأمد، وربما هذا المشروع الذي تم الإعلان عنه حاليا، مصنع الطاقة البديلة ومعمل لتصنيع الحديد الاسفنجي وتطوير القضبان”.

أشار المصدر ذاته من دمشق، لـ “الحل نت”، صحيح أنه مشروع مكلف ولكنه طويل الأمد وسيكون منتج أيضا، وبالتالي فإن إيران ستتمكن من توسيع نفوذها أكثر ولسنوات طويلة، ومن جهة أخرى تسعى من خلال هذه المشاريع، لإمداد وتأمين رواتب الميليشيات التابعة لها في سوريا ولبنان، وعلى رأسها ما يسمى بـ “الدفاع الوطني” التابع لـ “الحرس الثوري” الإيراني، و “حزب الله” اللبناني.

من جانب آخر، وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس السوري، بشار الأسد إلى إيران، تم الاتفاق على إعادة تفعيل الخط الائتماني بين البلدين.

والمقصود بالخط الائتماني بين الدول، تقديم تسهيلات مالية وقروض ذات فوائد ميسرة، تمنحها البنوك والمؤسسات المصرفية والمالية في دولة ما، لعملائها في دولة أخرى، ضمن قيمة محددة متفق عليها، شريطة تسديده في إطار زمني متفق عليه بين الجانبين. وبحسب الصحيفة، فإن وصول الناقلتين الإيرانيتين إلى سوريا جاء في إطار تفعيل الخط الائتماني، بين دمشق وطهران، بعد زيارة الأسد الأخيرة لطهران، في أيار/مايو الماضي.

الباحث الاقتصادي في مركز “جسور للدراسات”، خالد التركاوي، بين لـ”الحل نت” في وقت سابق، أن ” إيران دخلت أكثر من مجال وقطاع في سوريا وحصلت على استثمارات حتى في مجالات المؤسسات العامة مثل الصوامع والمطاحن والشركات العقارية و الأراضي المملوكة للدولة السورية أي أنها دخلت في مجالات مختلفة ومتنوعة وحتى في مجال القطن والنسيج”.

وأضاف التركاوي، “بالطبع كل هذا على حساب المؤسسات الحكومية العامة، وبالتالي فإن (حكومة دمشق)، تحول مؤسساتها الحكومية ذات الطبيعة الاستثمارية إلى شركات إيرانية، إلى جانب منح تراخيص للإيرانيين بشكل غير مسبوق في مختلف القطاعات، أبرزها قطاع النقل والطيران، أي أن دمشق تمنح إيران هذه الامتيازات مقابل ديونها القديمة لخطوط الائتمان الإيرانية، وبذلك تكون دمشق قد دفعت الجزء الأكبر من هذه الديون”.

ناقلة نفط إيرانية إلى سوريا بموجب اتفاق الخط الإئتماني “وكالات”

وخلُص الباحث الاقتصادي إلى أن تغلغل إيران، في سوريا هو بثلاثة مستويات؛ الأول وفق تعبيره إن إيران كان لديها تغلغل عسكري منذ بداية عام 2012-2011، ثم بدأت بالتغلغل اجتماعيا في سوريا واستطاعت السيطرة اجتماعيا إلى حد ما على بعض المناطق، مثل منطقة السيدة زينب، وبعض المناطق في حمص مثل منطقة المزرعة، وجزء من القصير، وبعض مناطق في حلب ودير الزور، بمعنى أنه بالمجمل باتت لديها حاضنة شعبية في العديد من المناطق السورية، وهذا يعتبر المستوى الثاني بعد التغلغل العسكري وبالتالي جاء المستوى الثالث من خلال التغلغل الاقتصادي، فقد شهدت الأسواق السورية مؤخرا تواجد العديد من المنتجات الإيرانية، وهذا بالتأكيد يعود إلى الفراغ الموجود بالسوق السوري وعدم وجود مستثمرين في سوريا نتيجة الأوضاع الراهنة، وبالتالي إيران تتمدد وتهيمن قدر المستطاع على الاقتصاد السوري، وكل ذلك بموافقة الحكومة السورية، وفق تعبير الباحث التركاوي.

إقرأ أيضا:إيران وإسرائيل في سوريا.. “كسر عظم” وتغيير استراتيجيات؟

من الواضح، أن السيطرة الإيرانية على الاقتصاد السوري باتت أكبر مما هو متوقع، حيث تفرض إيران العديد من الاتفاقيات الاقتصادية على سوريا، والتي تصب بمعظمها في صالحها وصالح اقتصادها لتحول سوريا لأحد بوابات الهرب من العقوبات الدولية، كما تحولت سوريا لبلد يتأثر سلبا بكل ما يجري في دول الجوار حتى بأبسط القرارات في هذه الدول كرفع الدعم عن المحروقات

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة