نزاعات متكررة بين طاجيكستان، وقرغيزستان، تتسبب بوقوع مواجهات عسكرية بين الجانبين، بسبب الخلاف على ترسيم الحدود البرية، التي تمتد إلى ألف كيلو متر، وسط آسيا، فما هو تاريخ الخلافات بين الدولتين؟.

مواجهات عسكرية

مواجهات عسكرية شهدتها الحدود المشتركة على مدار الأيام الثلاثة الماضية، وقد أسفرت عن مقتل وإصابة أشخاص من الجانبين، وذلك في تصعيد متجدد، بعدما دخل الجانبين العام الماضي مواجهة وُصفت بـ“العنيفة”، وكادت أن تؤدي إلى حرب مفتوحة.

الخلافات الحدودية بين طاجيكستان، وقرغيزستان، اللتان كانتا جزء من الاتحاد السوفييتي، ظهرت بعد انهيار الاتحاد عام 1991، وانفصال الجمهوريات السوفييتية، للتحول بعدها إلى أحداث عنف بين الجانبين في أعقاب تلك الفترة.

تتشارك الدولتان بنحو ألف كيلو متر من الحدود البرية المتعرجة، وتشهد ثلث هذه المنطقة نزاعات متكررة، بسبب القيود المفروضة على إمكانية الوصول للمياه والأراضي التي يعتبرها السكان المحليون ملكا لهم، وكثيرا ما أدت تلك الخلافات إلى اشتباكات عنيفة في الماضي.

ويتخوف مراقبون من اندلاع حرب مفتوحة بين الجانبين، لاسيما بعد أن توسعت المواجهات العسكرية بينهما خلال العامين الماضيين، ووقعت المواجهة الأخير مطلع شهر حزيران/يونيو الماضي، حيث اتهمت طاجيكستان، جارتها قرغيزستان بإثارة الاشتباك الحدودي؛ بعد أن عبر جنودها بالقرب من قرية “فوروخ” الطاجيكية، وهو ما أدى إلى تبادل إطلاق النار، لكن في النهاية اتفق الجانبان على وقف إطلاق النار.

قد يهمك: ماذا تضمن “إعلان سمرقند” الصادر عن “قمة شنغهاي”؟

وفي مطلع العام الجاري، وقع تبادل لإطلاق النار بين قوات حرس الحدود الطاجيكية، والقرغيزية بسبب غلق أحد الطرق. وقالت السلطات القرغيزية، حينها إن مواطنَين طاجيكيين، أغلقوا طريقا بين مقاطعة باتكين، وقرية إسفانا، القرغيزية. وعلى الرغم من أن حرس الحدود من كلا الجانبين نجحوا في فتح الطريق، اندلع القتال بعدها قبل أن تتدارك الدولتان تحوله لصراع أكبر.

كذلك بسبب النزاع على حقوق المياه، فإن واحدة من أسوأ المواجهات وقعت في نيسان/أبريل من العام الماضي 2021، وبحسب تقارير، تطورت الاشتباكات بالحجارة إلى تبادل لإطلاق النار، وجرى الاتفاق على عقد هدنة وسحب القوات، ولكن إطلاق النار استمر لفترة، ليسفر في النهاية عن مقتل العشرات، وإصابات أكثر من 300 شخص.

ترسيم الحدود

وبقي ملف ترسيم الحدود بين الجانبين عالقا، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ما أسفر عن نزاعات متكررة على مصادر المياه والحدود، بين الدولتين اللتان تستضيفان قاعد عسكرية روسية، وتُعدان حليفتين مقربتين من موسكو، إلا أن اتفاقات الحدود بينهما تتسبب في أزمات بين الفينة والأخرى.

ويدفع هذا الصراع روسيا دوما، إلى محاولة التهدئة بين الجانبين، تجنبا لأي صراعات جديدة في محيطها السوفيتي السابق، وذلك بعد أن تمكنت من وقف الحرب في جنوب القوقاز بين أرمينيا، وأذربيجان في إقليم ناغورنو قره باغ، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

وساهمت معاناة القارة الآسيوية من نقص بالموارد المائية، في اشتداد وتيرة الصراع بين الجانبين خلال السنوات الماضية فقد عانت آسيا الوسطى من مشاكل حادة مع نقص الموارد المائية. وتضاعفت كمية المياه المستهلكة مرتين في الأعوام الخمسين الأخيرة في المناطق الحدودية التي تعتمد أساسا على الزراعات المروية. ومع تقادم البنى التحتية لشبكات الصرف وتوصيل المياه، وتضاعف عدد السكان مرات عدة، ازدادت أزمة نقص المياه.

تراجع النفوذ الروسي؟

وبحسب تقرير بصحيفة “عربي بوست“، فقد أجبرت ظروف التاريخ والجغرافيا جمهوريات آسيا الوسطى، والقوقاز على أن تبقى تابعة لموسكو، بشكل أو بآخر حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، رغم خروجها من القفص الروسي الحديدي، الذي ظلت تكتوي به لقرون سواء بنسخته القيصرية أو السوفييتية، وذلك لأن من تمرد على موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لاقى عقابا فوريا.

ويذهب التقرير إلى الإشارة إلى أن: “الاشتباكات الحدودية بين قرغيزستان، وطاجيكستان قد تكون مؤشرا على تراجع هيمنة موسكو، وقدرتها على توجيه دول المنطقة“، ذلك على الرغم من أنها لا ترتبط ارتباطا مباشرا بالحرب في أوكرانيا.

وأثارت الحرب الروسية في أوكرانيا، قلق قادة دول آسيا الوسطى، الذين طالما قبِلوا بنفوذ موسكو الاقتصادي والسياسي القوي.

كانت الدول السوفييتية الخمس، “كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان“، متحفظة على تأييد الغزو الروسي لأوكرانيا، كما أن عزلتها الجغرافية، واعتمادها المستمر على روسيا، في طرق التصدير والمساعدة الأمنية وأسواق العمل، جعلتها مترددة أيضا في إدانة تصرفات بوتين.

خوفا من أن تنقلب موسكو على آسيا الوسطى، كما اقترح بعض الشخصيات الروسية البارزة بالفعل، حاول قادة المنطقة التحوط في مواقفهم إزاء أزمة أوكرانيا، بطرق قد تجدها موسكو مزعجة، حسبما ورد في تقرير لموقع قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية.

ومن أجل وقف الصراع بين الدولتين، يعتقد محللون أن الحل الأمثل قد يتمثل في ترسيم الحدود “بشكل نهائي وعادل بإشراف دولي“، إلا أنهم يشيرون أيضا إلى أن هذه العملية ستكون مكلفة وبحاجة إلى وقت طويل، لا سيما وأن الحدود تقع في مناطق ذات طبيعة جغرافية صعبة.

وحول تاريخ عملية ترسيم الحدود أوضح تقرير “عربي بوست“، أنه: “طوال ثلاثين عاما، لم يتمكّن البلدان إلا من ترسيم نحو 500 كيلومتر من أصل 980 كيلومترا، وهناك أكثر من سبعين نقطة حدودية خلافية يقطنها مزيج من السكان، وتتداخل فيها الأراضي الزراعية والتجمّعات السكانية، فالحدود في الحقبة السوفييتية كانت فقط لرسم الحدود الإدارية في بلاد واحدة. فيما ينطلق البلدان في إثبات حقوقهما الحدودية من خرائط مختلفة للحقبة السوفييتية منذ انضمام البلدين إلى الاتحاد، وانفصالهما عنه“.

إقرأ أيضا:لقاء الأسد وأردوغان.. هل بات الموعد قريباً؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.