طموحات سعودية ضخمة، دشنت وجودها على الساحة منذ إعلان ولي العهد السعودي، لرؤية السعودية 2030، في نيسان/أبريل 2016، بدأت هذه الطموحات من مساعي جذرية لتغيير الصورة النمطية السائدة عن مجتمعها، وصولاً إلى محاولات اقتصادية لتقليل الاعتماد على مصادر تجارة النفط المالية، وتنويع مصادر استثماراتها الداخلية والخارجية.

دوافع السعودية لا تتعلق بإبعاد شبح الريع النفطي عنها فحسب، هي ترغب بإثبات وجودها كدولة متقدمة علمياً، ونفذت من أجل ذلك برنامج مفاعل الأبحاث منخفض الطاقة، ليكون أول مشروع نووي داخل أراضيها.

في الوقت ذاته، سادت غيوم الشك على التقارير الغربية، وبينت خوفها من تكرار السيناريو الإيراني، وتوظيف الطاقة النووية في الصناعات الحربية، وغالباً اعتمدت هذه التقارير على تصريحات مسؤولين رفيعي المستوى، أكدوا فيها عن عزم بلادهم على تصنيع الأسلحة النووية رداً على البرنامج النووي الإيراني، وأبرزها تصريح ولي العهد محمد بن سلمان، لقناة “سي بي أس نيوز”، الأميركية في آذار/ مارس 2018، الذي قال فيه، إن بلاده ستعزز فرصها لامتلاك أسلحة نووية إذا واصلت إيران عملها نحو تصنيع قنبلة نووية.

طموحات نووية سلمية

من المفترض أن يؤدي نجاح المشروع النووي السعودي إلى تقليل اعتمادها على محطات الطاقة الكهربائية الغازية والمائية، وبحسب وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، فإن المشروع يهدف إلى زيادة اعتماد المملكة على الطاقة النظيفة، وتقليل انبعاثات الكربون فيها.

المشروع السعودي لإنتاج الطاقة النظيفة لن يكون الأول في المنطقة، إذ سبق أن دشنت الإمارات العربية المتحدة، مشروعاً مشابهاً باسم محطات “براكة” النووية عام 2012، وأعلنت منذ 17 شباط/فبراير عام 2020 عن تشغيل أولى محطاتها في منطقة الظفرة التابعة لإمارة أبو ظبي.

خلال السنوات الماضية، حاولت السعودية الدخول في شراكات متعددة لتطوير خبراتها في هذا المجال، ولكنها لم تتوج مساعيها حتى نهاية العام الماضي، بعد أن درجت مشروعها الخاص ضمن موازنتها المالية لعام 2023، وأعلنت عن بدء المناقصة عليه.

دول عدة، دخلت على خط المنافسة من أجل كسب مناقصة بناء المفاعل السعودي الأول، وأبرزها روسيا التي عبر سفيرها في الرياض، سيرغي كوزلوف، عن أمله بكسب مناقصة إنشاء المفاعل، عبر شركة “روس آتوم” الحكومية، كما عبر سفير كوريا الجنوبية في الرياض أيضاً، بارك جون يونغ، عن أمال مشابهة.

المشروع الحالي يتضمن بناء محطة متكونة من مفاعلين نوويين، لإنتاج الطاقة الكهربائية، تبلغ سعتهما الجمعية حوالي 3.2 غيغاواط، بعد دخولهما على خط الإنتاج، وهو ما سيشكل قفزة كبيرة في مجال الطاقة السعودية.

لا شك في مساعي الرياض لاستغلال الطاقة النووية في توليد الكهرباء أو استخدامات سلمية أخرى، ولكن مساعيها لن تحصر على ذلك، ولا بد أن تخصص جزء من مشروعها لأغراض عسكرية، بحسب الصحافي المختص في الشأن الخليجي، علي بدران، ويسند كلامه في تصريحه لـ”الحل نت”، بأن حاجة السعودية لضمان أمنها ضد البرنامج النووي الإيراني يدفعها إلى ذلك، إضافة إلى التنافس الحاصل بين البلدين على خلفية اختلال موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط.

الدوافع الأمنية

رغم أن السعودية جزءاً من معاهدة “الحد من انتشار الأسلحة النووية”، ولكن التقلبات الأخيرة التي شهدتها المنطقة، وغياب معالم مستقبلها، يدفع الرياض إلى البحث عن مشاريع عسكرية تجنبها خسارة موقعها الإقليمي، ونظراً لامتلاك خصمها في المنطقة لمشروع نووي حربي، فإنها ستبرر أي مساعي في هذا الاتجاه بحماية أمنها.

سبق أن أعرب عن هذه الدوافع، مسؤولون عدة في الإدارة السعودية، ومنهم وزير الخارجية الأسبق، عادل الجبير، بعد أن أكد في مناسبات عدة، أن استمرار إيران في مشروعها النووي، سيدفع بالسعودية لصناعة قنبلتها النووية، لمواجهة هذا الخطر، نظراً لتأثيره المباشر على أمن المملكة.

إضافة إلى ذلك، فإن الدعم السعودي المستمر للمشروع النووي الباكستاني، والعلاقة الوطيدة بين الدولتين، يتيح للرياض نقل الرؤوس النووية من باكستان الى داخل أراضيها في أي وقت للدفاع عن أمنها، بحسب تقرير نشرته “بي بي سي” البريطانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2013.

في الحقيقة، فإن السعودية هي الدولة الوحيدة عربياً من حيث قدرتها على التعامل مع هذا النوع من الصواريخ، وتمتلك قوة مختصة بالتعامل مع الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، والمعروفة باسم قوة الصواريخ الإستراتيجية الملكية السعودية، ولديها 7 قواعد ومنصات لإطلاقها، أبرزها قاعدتي “الوطح” و”السليل”.

جمعية “الحد من التسلح” في واشنطن، استندت إلى هذه الخبرات إضافة إلى صور جوية التقطتها الأقمار الصناعية، في إبداء مخاوفها، حيث تفيد الصور الملتقطة إلى امتلاك السعودية لمصنع سري في محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، وشككت في تقريرها المنشور في شباط/فبراير 2022، أن يكون المصنع مختص بتخضيب اليورانيوم المعروف باسم “الكعكة الصفراء”، والمستخدم في صناعة القنابل النووية ووقودها.

المخاوف الأميركية

في عام 2019 أعلنت صحيفة “نيويورك تايمز” عزم إدارة ترامب بيع مفاعل نووي للرياض، ولكن العملية أحبطت بضغط من مجلس “الشيوخ”، ويبدو أن فشلها دفع بالرياض للتعاون مع بكين، وبحسب تقرير نشرته الصحيفة نفسها، في آب/أغسطس 2020، فإن المخابرات الأميركية أجرت تحقيقات حول التعاون السعودي-الصيني في المجال النووي، وأبدت تخوفها من إخفاء الرياض لحجم أنشطتها النووية.

ضمن هذا السياق، يشير موقع “أكسيوس” الإسرائيلي إلى أن إسرائيل هي من أبلغت الإدارة الأميركية بهذا التعاون، ويعتقد أن الرياض طلبت مساعدة بكين بسبب تغاضي الأخيرة عن المطالبة بأي ضمانات تخص طبيعة استخدام المنشأة النووية السعودية.

لا تتوقف مخاوف الولايات المتحدة على التعاون السعودي-الصيني في هذا المجال، فخوض الرياض في تعاون نووي وثيق مع روسيا، وارتفاع حظوظ مساهمتها في هذا المشروع، يزيد من حدة اعتراضها على أي مشروع نووي سعودي.

من الجدير بالذكر، أن الرياض وواشنطن وقعا مذكرة تفاهم لبناء برنامج نووي سعودي في عام 2008، ضمن برنامج “الذرة من أجل السلام”، ولكن تدخلات سياسية داخل واشنطن أحبطت المشروع أيضاً، فبحسب اعتقادهم أن مساهمة السعودية في هذا البرنامج، سيعيد تكرار السيناريو الإيراني الذي بدأ من البرنامج نفسه.

لكن الباحث في مركز “ستراتيجيكس” للدراسات والأبحاث، عبد الملك عامر، يعتقد أن المقارنة بين السعودية وإيران لا تجد محلها على أرض الواقع، نظراً لاختلاف سياستيهما في المنطقة، إضافة إلى الدور السعودي كشريك في صناعة النظام العالمي القائم، وتجمعها علاقات تعاون مع مختلف دول العالم، وهي عضو في المعاهدات الدولية ذات الصلة.

وفي تصريحه لـ”الحل نت”، يعتقد أن المملكة السعودية أثبتت استقلاليتها في اتخاذ قراراتها الداخلية والخارجية، ويتجلى ذلك بعد قرار خفض الإنتاج النفطي الذي أصدرته مجموعة “أوبك” في تشرين الأول/أكتوبر 2022، وأثار حفيظة واشنطن وقتها، وينطبق ذات الأمر على مساعيها في تطوير برنامجها النووي، وهي بذلك اتخذت قرارها وشركائها بناء على مصالحها إضافة إلى ما تفرزه المناقصات المطروحة في هذا السياق منذ عام 2018، وتالياً يعتقد أن التعاون مع روسيا لن يكون حصرياً، نظراً لامتداد تعاونها في هذا المجال على المستوى الإقليمي.

العوائق في الطريق

بحسب المعطيات الحالية، فإنه ورغم الاعتراض الداخلي الأميركي على المشروع النووي السعودي، فإن من المستبعد أن تضيف أي عوائق أمامها في الفترة الحالية، لاسيما في ظل تركيزها على تهدئة الأوضاع في المنطقة، واحتمالية عودة المياه إلى مجاريها بين البلدين.

 كما لن تواجه السعودية أي عوائق في الحصول على خامات اليورانيوم، المنتشرة في أراضيها، بحسب تصريح وزير الطاقة عبد العزيز بن سلمان، 11 كانون الثاني/يناير، والمقدرة بحوالي 90 ألف طن، وهي كمية تؤهلها لإنتاج حوالي 17 ميغاواط من الطاقة الكهربائية النووية بحلول عام 2040، أو تصنيع الرؤوس النووية.

استقطاب الخبرات العلمية في هذا مجال لن يكون أحد العوائق أيضاً، إذ سبق أن شارك 48 مهندساً سعودياً في دورات مشتركة مع كوريا الجنوبية في معهد أبحاث الطاقة الذرية الكوري منذ عام 2018، وأهلها ذلك لتطوير بحوثها الخاصة في مدينة “الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية”، إضافة إلى مدينة “الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة”.

إضافة إلى التعاون مع الدول الشريكة والصديقة، ولعل أقربها هي تلك العلاقة الوثيقة التي تجمعها بحليفها في “مجلس التعاون الخليجي”، وجارتها الإمارات، إضافة إلى التعاون السعودي الباكستاني. وفقاً لذلك سيسير المشروع النووي السعودي بشكل هادئ خلال الفترة القادمة، ولكن تقلبات المنطقة تزيد صعوبة قراءة مستقبلها على مدى الـ5 سنوات القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.