بالنسبة للعديد من مراقبي أسواق النفط، تم اتخاذ قرار الأسبوع الماضي من قبل مجموعة دول “أوبك” التي تقودها المملكة العربية السعودية بالإضافة إلى روسيا بالالتزام بحصة خفض إنتاج النفط المتفق عليها سابقا والبالغة مليوني برميل يوميا، بغض النظر عن المخاوف المستمرة في الغرب من أن أسعار الطاقة لا تزال عند المستويات التي تغذي التضخم، وتدفع أسعار الفائدة إلى أعلى وتحفز التباطؤ الاقتصادي. 

صحيح أنه في الأشهر الأخيرة، سمحت هذه التخفيضات لمؤشر نفط “برنت” بالتداول باستمرار حول أو أعلى بكثير من مستوى 80 دولارا للبرميل الذي تعتبره الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ فترة طويلة أعلى نطاق لأسعار النفط المستهدف البالغ 40 دولارا أميركيا؛ بحسب الكاتب والصحفي المختص في أسواق النفط العالمية، سيمون واتكينز.

مع ذلك، فإن هذه التخفيضات التي من المقرر أن تستمر حتى نهاية هذا العام، لا تمثل سوى حوالي 2 بالمئة من المتوسط ​​التاريخي الأخير للإمدادات في سوق النفط العالمية. أسعار النفط الحالية عند مستويات بالكاد تساعد السعودية من حيث الميزانية على الإطلاق، مع توقع سعر التعادل المالي للنفط عند 78 دولارا أميركيا لخام “برنت” في عام 2023، هذه الأسعار أقل بكثير من المستوى الذي تريده روسيا، ومن الممكن أن تضغط عليها بشدة، فهل وصلت علاقة السعودية بروسيا إلى حدودها.

موسكو لا حليف لها

الرياض قامت برفع أسعار النفط الخام القياسي الذي تبيعه للمشترين في آسيا والولايات المتحدة بشكل متواضع مع إضافة المزيد من الأسعار للمستهلكين الأوروبيين. بدورها شركة “أرامكو” السعودية أضافت 0.20 دولار للبرميل إلى مبيعات آذار/مارس القادم من الخام العربي الخفيف القياسي المباع إلى مشترين آسيويين. التغيير يعني أن المبيعات ستتحمل علاوة قدرها 2 دولار للبرميل على متوسط ​​مؤشرات سلطنة عمان ودبي.

كما رفعت “أرامكو” أسعار خامها العربي الخفيف لعملائها في شمال وجنوب أوروبا بمقدار دولارين للبرميل. التغييرات تعني أن المشترين في كل من شمال وجنوب أوروبا سيدفعون 0.50 دولار للبرميل علاوة على خام “برنت” القياسي. وبالنسبة للمشترين الأميركيين، تم رفع الأسعار بمقدار 0.30 دولار للبرميل، مما يعني أن المبيعات إلى الولايات المتحدة ستحمل 6.65 دولارا للبرميل مقارنة بمؤشر “أي إس سي آي”.

الدول الخليجية حاولت منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، أن تلعب على المناورات الدبلوماسية، فقررت عدم اتخاذ موقف صريح من عمليات الغزو الروسي، لعدم قطع العلاقات مع موسكو، لكنها لم تغب عن المشهد السياسي المتعلق بالحرب الدائرة في أوكرانيا، ما أخذ على أنه حلف جديد تشكل مع “الكرملين” بعيدا عن الحلفاء التقليديين الغربيين؛ إلا أن ذلك يبدده تاريخ العلاقات بين البلدين.

المحلل السياسي محمد عبيد، أوضح لـ”الحل نت”، أنه في السنوات الأخيرة توترت علاقة السعودية بروسيا بشكل متزايد. يرجع هذا التوتر إلى حد كبير إلى حقيقة أن كلا البلدين يحملان قيما مختلفة تماما، فضلا عن كونهما قوتين متنافسين على الساحة الدولية. نتيجة لذلك، وصلت العلاقة بين هاتين الدولتين إلى أقصى حدودها.

لفهم سبب عودة وصول علاقة الرياض بموسكو إلى هذا المستوى الآن، من المهم النظر إلى القوى الجيوسياسية التي تعمل في المنطقة. على سبيل المثال، لطالما كان يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها قوة عظمى عالمية، وكانت السعودية تقليديا حليفا قويا لحكومة الولايات المتحدة. في المقابل، يُنظر إلى روسيا على أنها خصم في الساحة الدولية، وذلك بسبب عدد من العوامل التي تشمل تدخلاتها في أوكرانيا وجورجيا، فضلا عن دعمها للحكومة السورية. نتيجة لذلك، السعودية ظلت مترددة في بناء علاقة قوية مع روسيا، على الرغم من حقيقة أن لديهما إمدادات كبيرة من النفط والغاز.

كما توترت العلاقات السعودية الروسية بسبب عدد من القضايا الاقتصادية والجيوسياسية وفقا لعبيد. لسبب واحد، اختارت روسيا الوقوف إلى جانب إيران إلى حد كبير أثناء الصراع في سوريا، بينما كانت السعودية تدعم معارضة الرئيس السوري بشار الأسد. 

أخيرا، تضررت العلاقة بين روسيا والسعودية بشكل أكبر بسبب الاتجاه العالمي المتزايد نحو الطاقة المتجددة. باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم، تعتمد السعودية بشكل كبير على بيع منتجاتها البترولية لكسب العيش. ونتيجة لذلك، فإن الدولة حساسة للغاية تجاه أي تهديدات محتملة لصادراتها النفطية، وكان يُنظر إلى صعود الطاقة المتجددة على أنه مثل هذا التهديد. في الوقت نفسه، سارعت روسيا إلى الاستفادة من اكتشاف مصادر الوقود الأحفوري الجديدة، حيث تنتهج سياسة محاولة السيطرة على سوق الغاز والنفط العالمي. كان الصراع بين هذين الجانبين عاملا رئيسيا آخر في إضعاف العلاقة الثنائية بين “الكرملين” والرياض.

 الحرب الروسية الأوكرانية والرؤية السعودية

السعودية وأعضاء آخرون في مجلس التعاون الخليجي ينظرون بشكل أساسي إلى الحرب في أوكرانيا على أنها صراع أوروبي معقد، ولا يتطلب من الدول العربية الوقوف ضد حكومة فلاديمير بوتين. وعلى الرغم من عدم وجود حكومة عربية  باستثناء سوريا تدعم بشكل صريح غزو روسيا واحتلالها وضمها للأراضي الأوكرانية، لا يعتقد رجال الدولة العرب أن حكوماتهم يجب أن تقطع التواصل مع موسكو بسبب هذا الصراع.

في حين دعمت دول مجلس التعاون الخليجي إلى حد كبير قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تدين العدوان الروسي على أوكرانيا، لم ينضم أي منها إلى القوى الغربية في تنفيذ عقوبات ضد موسكو أو سياسات أخرى تهدف إلى الضغط على روسيا.

حافظت الرياض على علاقاتها التعاونية مع روسيا منذ أن أرسل بوتين قوات إلى أوكرانيا المجاورة في أواخر شباط/فبراير الفائت. في الواقع، في بداية الحرب استثمرت شركة المملكة العربية السعودية القابضة ما لا يقل عن 500 مليون دولار في شركة “غازبروم” و”روسنفت ولوك أويل”، تماما كما كان الغرب يعاقب عمالقة الطاقة الروس بالعقوبات.

في الآونة الأخيرة وتحديدا في 5 تشرين الثاني/أكتوبر 2022، أعلنت منظمة “أوبك بلس” بقيادة السعودية وروسيا عن خططها لخفض إنتاج النفط. وتصر السعودية أكبر منتج للنفط في العالم، على أن القرار كان يتعلق بمصالحها المالية والتجارية، فضلا عن استقرار السوق.

مع ذلك، أثار الإعلان غضب المسؤولين في واشنطن، الذين يعتقدون أن قرار “أوبك بلس” سيساعد روسيا على تحمل العقوبات الأميركية والأوروبية ويقوض الجهود الغربية لعزل حكومة بوتين.

بحسب حديث الباحث في مركز “الملك فيصل”، جوزيف كيشيشيان، لموقع “الجزيرة”، “لم يكن هناك شك في أن الرياض أدركت الحاجة إلى الحفاظ على العلاقات الودية مع موسكو، لتنسيق إنتاج النفط وكذلك الحفاظ على حوار قوي مع روسيا حول مبادراتها المتعلقة بإيران خصم السعودية الإقليمي”.

مع تسارع التشعب بين الشرق والغرب مع احتدام المنافسة بين القوى العظمى، فإن الحفاظ على التقارب مع كل من الولايات المتحدة وروسيا شكل تحديا للرياض. ومع ذلك، أشارت الأخيرة بوضوح إلى أنها ستواصل السعي وراء هذا الهدف الصعب الذي يتطلب التنقل بعناية في المشهد الجيوسياسي المتغير في العالم. على الرغم من استمرار تعاون المملكة مع الروس في مجالات الطاقة والاستثمار وغيرها من المجالات منذ 24 شباط/فبراير 2022، فقد أظهرت السعودية درجات من الدعم لأوكرانيا حيث تحاول المملكة وضع نفسها كوسيط مفيد.

في أيلول/سبتمبر 2022، لعبت السعودية وتركيا دورا حاسما في تسهيل تبادل الأسرى بين كييف وموسكو، مما أدى إلى إطلاق سراح بعض الرعايا الغربيين بما في ذلك مواطنان أميركيان بعد أسرهم في ساحة المعركة أثناء القتال من أجل أوكرانيا. ساعدت هذه الخطوة الرياض في تقديم موقفها في الصراع للولايات المتحدة وأوروبا على أنه مفيد، وليس ضارا للمصالح الغربية.

مؤخرا، تأثرت العلاقات السعودية الروسية سلبًا بالخلافات حول عدة قضايا في السنوات الأخيرة. وتشمل هذه سياسة تسعير النفط والاستثمار والتجارة والمزاعم الروسية بشأن السياسة السعودية تجاه الشيشان والمسلمين الآخرين في الاتحاد السوفيتي السابق والمخاوف الأمنية السعودية بشأن عمليات نقل الأسلحة الروسية.

ما هي التغييرات؟

إن الرؤية الاستراتيجية للدول المنتجة للنفط داخل وخارج “أوبك” ولا سيما السعودية والإمارات العربية المتحدة وروسيا، تستند بالتأكيد إلى رؤية موضوعية للأسواق وضرورة الحفاظ على استقرارها وتوازنها. هذا أمر بالغ الأهمية لكل من المصدرين والمستهلكين.

في غضون ذلك، تتعرض الولايات المتحدة وحلفاؤها في المحيط الأطلسي لضغط اقتصادي محلي هائل من سياسات لا يتحمل الآخرون مسؤوليتها. إنهم يريدون إخضاع سياسات منتجي النفط لتلك السياسات واستخدام هذا الإنتاج لعزل ومعاقبة روسيا.

لكن لدى موسكو نزعة جادة لإغراق بعض الحلفاء في أزمات مصيرية وربما وجودية، حيث تنظر روسيا فقط في مصالحها وتعارضها مع الخصوم والمنافسين الاستراتيجيين. النقطة هنا ليست تبرير التوجهات الجديدة لحلفاء واشنطن في منطقة الخليج، بل هي محاولة لفهم السياق العام للأحداث.

تتأثر هذه التطورات بما يدور حولها على المستوى العالمي، لأنها تعكس المصالح الإستراتيجية المتزايدة لهؤلاء الحلفاء، المصالح التي تتطلب بناء شبكة عالمية واسعة من العلاقات التعاونية مع جميع القوى الدولية الناشئة لأن مصالحهم والقواسم المشتركة تتداخل مع الجميع.

بشكل عام، من الواضح أن العلاقة بين روسيا والسعودية قد وصلت الآن إلى نهايتها. إن حقيقة أن كلا البلدين لديهما أيديولوجيات وطموحات جيوسياسية مختلفة اختلافا كبيرا، بالإضافة إلى القضايا الاقتصادية والسياسية التي ساهمت في تدهور علاقتهما، قد خلقت وضعا من غير المرجح حدوث مزيد من التقدم فيه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة