خلال السنوات الماضية، انخفض مستوى إنتاج القطاع الزراعي إلى مستويات متدنية لدرجة أن إنتاج الحمضيات في الساحل السوري انخفض هذا العام بنسبة 50 بالمئة، وتعود أسباب هذا التراجع بشكل رئيسي إلى غياب الدعم الحكومي من قلة المحروقات والأسمدة وارتفاع تكاليف الإنتاج، بالإضافة إلى تغير المناخ، كل هذه الأسباب أدت إلى خسائر هائلة للمزارعين. ورغم أن سوريا بلد زراعي، إلا أن أسعار الخضار مرتفعة مقارنة بالواقع المعيشي، فضلا عن ندرة بعض الأصناف، وكل ذلك بسبب سوء إدارة الموارد من قِبل حكومة دمشق.

دمشق مسؤولة عن الأزمات

ضمن سياق ضعف الإنتاجية في القطاع الزراعي في سوريا، قال الخبير التنموي والزراعي، أكرم عفيف، إن سوريا تعاني من أسوأ إدارة موارد في تاريخ البشرية، إذ لا يوجد بلد مكتفٍ من كل شيء مثل سوريا لكن دون جدوى.

عفيف، تساءل خلال برنامج “مين المسؤول”، عبر إذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، يوم أمس السبت: “كيف يجوع السوريون في أغنى بلد في العالم من حيث الموارد الزراعية”.

عفيف، أشار إلى أن المشكلة الأساسية ليست بالتغير المناخي وموجات الجفاف التي ضربت بالبلاد مؤخرا إنما في قلة المحروقات وقلة الأسمدة، وقلة الدعم الحكومي بسبب غلاء المستلزمات، وأضاف “كيف تسعّر الحكومة، القمح على أساس إنتاجية 350 كيلو للدونم بينما في الحقيقة الإنتاج 167 كيلو”.

عفيف، أوضح خلال حديثه للإذاعة المحلية، أن الحكومة السورية تشتري كيلو الشوندر من الفلاحين بـ250 ليرة سورية، مع العلم أنه يحتاج إلى 100 ليرة فقط للنقل غير المستلزمات الأخرى، كما أن الكيلو يحوي 150 غرام سكر يبلغ سعره 600 ليرة، وقيمة النفل 350 ليرة أي مربح الكيلو الواحد 950، على حد وصفه.

قد يهمك: الأسواق في سوريا لـ“الفرجة والمفاصلة” فقط؟!

العزوف عن الزراعة

في سياق متّصل، قال عفيف أن كل المواسم الزراعية خاسرة فأقل دونم يكلف 700 ألف ليرة سورية، وبالتالي الفلاح يحتاج إلى 28 مليون ليرة، والعملية الإنتاجية تُدار بشكل فاشل، فمثلا ليتر المازوت يُباع للجميع بـ2500 ليرة، إلا للفلاح الذي يشتريه بـ 8000 ليرة من السوق السوداء بسبب عدم وجود مخصصات للزراعة.

عفيف، نوّه إلى أنه لم يعد هناك أراض زراعية في منطقة الغاب، لأن تكاليف العملية الإنتاجية فاقت قدرة الفلاح، والمصارف الزراعية لا تموّل، بالتالي كيف سيتدبر الفلاح أموره، خاصة وأن طن السماد قبل رفع سعره كان بـ75 ألفا وبالواقع كان يُباع بـ200 ألف، وبعد الرفع الأخير وصل سعره إلى 300 ألف.

عفيف، لفت إلى أن الحكومة السورية كانت قادرة على إنشاء مزرعة عالمية للأبقار تحوي عشرات الآلاف منها في غضون 24 ساعة، في حال توفر قاعدة بيانات، فكل شخص لديه بقرة وعبر مشاركة صاحب البقرة لأن كل المقومات موجودة، لكن، وفق تصريح عفيف، نصف الأبقار انتهت خلال شهر في الغاب لأنها تكلف 15 ألفا، باليوم وذهبت للذبح.

فلاحات يعملن في زراعة الأراضي بمنطقة الغاب “AFP”

“لن أقوم بزرع الأرض في الموسم المقبل”، يقول المزارع سمير داوود، وهو مستاء من خسارته في زراعة الحمضيات في أرضه الواقعة بريف اللاذقية، وذلك بسبب غياب الدعم الحكومي في تأمين مستلزمات الزراعة وارتفاع تكاليف الإنتاج.

داوود، يفكر كغيره من عشرات المزارعين، بعدم زراعة أرضه أو التوجه لزراعة أصناف أخرى، الأمر الذي يهدد بندرة بعض الأصناف وخاصة الحمضيات في سوريا خلال الموسم المقبل.

وأضاف داوود، خلال حديثه السابق لـ“الحل نت“: “في بداية الموسم تلقينا وعود كثيرة من الحكومة، باستجرار كامل المحاصيل وبأسعار مناسبة. لكن ما حصل هو أن وزارة التجارة الداخلية لم تفي بوعودها، وطلبت من المزارعين كميات قليلة لم تغطي كامل المحصول. العديد من المحاصيل كلّفتنا أعباء إضافية جراء التبريد بعد الحصاد“.

وتحدث داوود، عن معاناته في تسويق محصوله خلال الموسم، حيث يتعرض المزارعون لتحكم التجار بالأسعار، ويزيد بالقول: “لدي قطعة أرض مزروعة بالتفاح، الحكومة تعهدت بالتسويق لكنها طلبت جزء من المحصول، الأمر الذي سبب لي خسائر كبيرة“.

قد يهمك: سوريا.. تجار سوق الهال سبب ارتفاع الأسعار و“الفروج ما عليه تنزيلات”

ضعف القطاع الزراعي

في المقابل، يواجه المزارعون صعوبات عديدة في تغطية تكاليف الإنتاج، حيث أكدوا أنهم لم يحصلوا على المخصصات الكافية من المحروقات خلال عمليات الزراعة والحصاد، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع التكاليف.

مدير المكتب الصحفي في “السورية للتجارة”، صفوان درغام، اعتبر في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا، أن تدخل الوزارة “إيجابي قدر المستطاع“، وتحدث عن عمل الوزارة في استجرار كميات التفاح من المزارعين بالتوازي بين المحافظات لتغطية حاجة السوق قدر الإمكان “وبنسب توافق سعة صالات السورية للتجارة من جهة وكميات الإنتاج من جهة أخرى“.

من جانبه اعتبر الخبير الزراعي عبد الرحمن قرنفلة، في تصريحات للصحيفة المحلية، أن المشكلة لا تكمن بارتفاع أسعار المحاصيل في الأسواق السورية، فهو أمر طبيعي نظرا لارتفاع تكاليف الإنتاج والتسويق والنقل، بل إن: “أساس المشكلة هو ضعف القدرة الشرائية للأهالي في البلاد”.

قطيع أغنام بريف حلب الشمالي “رويترز”

وعن دور السورية للتجارة، أوضح قرنفلة، أن الهدف من هذه المؤسسة هو التدخل الإيجابي لإنقاذ المحصول، إما بالتخزين أو بالاستجرار لصالاتها وهي عاجزة أمام ارتفاع نسبة الإنتاج، مبيّنا أنها تحولت إلى مؤسسة اقتصادية فيها ربح وتجارة وتدخلها للشراء بسعر أقل مكبل بقوانين تحكمها لا قدرة لها على تحمّلها ودون تعويض عن هذه الخسارة.

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن استمرار أزمة المازوت والوقود في سوريا باتت تعيق كل القطاعات، وبالتالي ينعكس عمل وإنتاج القطاعات بشكل سلبي على السوريين، الذين يعانون من ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

هذا ويعاني المزارعون السوريون منذ مطلع العام الحالي من ارتفاعات متتالية لأسعار تكاليف الزراعة لمختلف المحاصيل، ما جعلهم يلجؤون إلى تسويق محاصيلهم عبر التّجار والشركات المستقلة بعيدا عن الجهات الحكومية، التي تم تحييدها في ظل فشلها في إيجاد آلية ترضي المزارع وتراعي التكاليف.

قد يهمك: سوريا.. إيقاف تخزين الخضار وإنتاج الدبس بسبب المازوت

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.