الآثار السلبية لنقص المازوت المدعوم، لم تعد تقتصر على قطاعات دون أخرى، فالقطاع الزراعي والصناعات المرتبطة بالزراعة تأثرت في الموسم الحالي بشكل غير مسبوق، إذ توقفت معظم مراكز تخزين الخضار بسبب ارتفاع أسعار المازوت الأسود، كما عزف مزارعو العنب عن إنتاج الدبس نظرا لارتفاع التكاليف بشكل لم يعد كافيا ليرد رأس مال المزارعين.

تراجع كبير بتخزين الخضار

بحسب تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، يوم الخميس الفائت، فقد أثر نقص المحروقات بشكل كبير في عمل المنشآت الصناعية في محافظة درعا، لا سيما تلك الخاصة بتصنيع وحفظ المنتجات الزراعية من معامل كونسروة، ووحدات خزن وتبريد، حيث إنها لا تتمكن من العمل بطاقتها الكاملة لاستيعاب فائض الإنتاج عن حاجة السوق المحلية ما يتسبب بخسارة الفلاحين، ولا يؤمن ريعية مناسبة لتلك المنشآت.

فقد انخفضت أسعار الخضار لهذا الموسم بالمقارنة مع تكاليف إنتاجها، في الوقت الذي انخفض استجرار هذه المنشآت للخضار ما رتّب على المزارعين خسائر كبيرة.

من جهتهم، أصحاب المنشآت الصناعية أوضحوا أن كمية المازوت الصناعي التي يستلمونها لا تعادل ربع أو خمس احتياجاتهم الفعلية، لافتين إلى أن هذه الكميات لا تكفي لاستمرارية العمل وخاصة في ظل الانقطاع الطويل للكهرباء وفق برنامج التقنين، وإذا اضطر بعضهم لشراء مادة المازوت من السوق السوداء لإكمال وردية عمل واحدة فهي بأكثر من ضعفي سعرها النظامي، الأمر الذي يفاقم كلف الإنتاج، لافتين إلى أن شراء المادة من السوق السوداء لا خيار فيه بالنسبة لوحدات الخزن والتبريد، بل هو أمر محتّم لضمان دوام عملية التبريد التي لا تحتمل أي انقطاع لكونه يعني عطب الخضار والفواكه المخزنة، وطالبوا الجهات المعنية العمل على زيادة الكميات المخصصة لهم حسب الاحتياج الفعلي، وذلك للإسهام بزيادة الإنتاج وخفض تكاليفه.

ونقل التقرير عن عبد الرحمن الحريري، نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة درعا، أن قلة المحروقات خفضت الجدوى الاقتصادية من عمل منشآت تصنيع المنتجات الزراعية، فهي ونتيجة قلة المحروقات من المازوت يسلم نحو 20بالمئة من الاحتياج الفعلي، وفيول يسلم حوالي 30بالمئة من الاحتياج الفعلي، لذلك لا تعمل بطاقتها القصوى ولا تستقبل إلا كميات محدودة من الإنتاج الزراعي، ومثال ذلك معامل الكونسروة التي لا تستقبل سوى كميات محدودة من محصول البندورة، الأمر الذي انخفض سعرها في ذروة الموسم إلى 250 ليرة للكيلو الواحد بينما التكلفة الفعلية 500 ليرة للكيلو، وهذا ما انعكس سلبا على الفلاح والصناعي في آن معا.

وبحسب متابعة “الحل نت”، فإن معاناة المنشآت الصناعية، ومراكز التبريد للخضار والفواكه تعاني بنفس المستوى في معظم المحافظات السورية، نتيجة لقلة المازوت الصناعي المدعوم، وتوجههم لشراء المازوت من السوق السوداء بأسعار مرتفعة.

إقرأ:سوريا.. زيادة بإنتاج البندورة والمازوت يعيق معامل الكونسروة

الدبس وتراجع الإنتاج

تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، اليوم السبت، أشار إلى أن التكاليف المرتفعة لإنتاج الدبس، التي زادت أضعافاً مضاعفة عن المواسم السابقة، دفعت الكثير من المنتجين للعزوف عن طرق أبواب المعاصر، خاصة أن أجرة الكيلو الواحد من الدبس ”عصر فقط ”، حسب ما قال عدد من المنتجين، وفق التسعيرة الموضوعة من أصحاب المعاصر، تبلغ 3000 ليرة.

وبحسب هذه التسعيرة، تبلغ تكلفة صفيحة الدبس وزن 20 كغ 60 ألف ليرة، إلا أن أجور العصر المذكورة ارتفعت مرة أخرى، أمام عدم تأمين مادة المازوت الصناعي لأصحاب المعاصر بسعرها النظامي، لترتفع عندها أجور العصر إلى 6 آلاف ليرة للكيلو الواحد، بذريعة شراء أصحاب المعاصر مادة المازوت من السوق السوداء بأسعار مرتفعة.

ويشير منتجو الدبس، إلى أنه أمام تلك المعادلة الحسابية سيصبح تكلفة إنتاج صفيحة الدبس وزن 20 كيلو 120 ألف ليرة، بسبب ارتفاع سعر المازوت في السوق السوداء، يضاف إلى ذلك أن التكاليف المترتبة على إنتاج الدبس، لم ”تُجمد” عند حدود أجور العصر، فمرفقات التكاليف قائمتها تطول، بدءا من أجور القطاف، التي وصلت أجرة الساعة فيها إلى 5 آلاف ليرة قابلة للزيادة، وانتهاء بالفلاحة، والتقليم، وأجور نقل المحصول من البستان إلى المعصرة.

من جهة ثانية، يعاني منتجو الدبس في البحث عن نافذة تسويقية لمنتجهم، الذي ما زال خارج دائرة التسويق الخارجي، وليبقى تسويقه ضمن النطاق المنزلي المحلي، وفي أغلب الأحيان يكون شراؤه عصيا على جيوب الكثير من المواطنين من جراء ارتفاع أسعار مبيعه، موازاة مع ارتفاع تكاليف الإنتاج.

قد يهمك:سوريا: المازوت الأسود يحرق أسعار الثوم والفواكه للأثرياء

المازوت الأسود يحرق الأسعار

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن استمرار أزمة المازوت والوقود في سوريا باتت تعيق كل القطاعات، وبالتالي ينعكس عمل وإنتاج القطاعات بشكل سلبي على السوريين، الذين يعانون من ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

فمنذ مطلع الصيف، طالب أصحاب معامل الكونسروة بضرورة زيادة كميات مادة المازوت المخصصة للعمل، حيث أنها شهريا لا تغطي سوى 20بالمئة من الاحتياج الفعلي، وذلك لعدم دفعهم للجوء إلى السوق الموازي لشراء المادة بسعر حوالي 6 آلاف ليرة لليتر الواحد، ما يزيد تكاليف الإنتاج وخاصة مع ارتفاع أجور اليد العاملة، والعبوات اللازمة لتعبئة المنتج من زجاج أو بلاستيك، والتي تنعكس بالمحصلة على المستهلك، لافتين إلى أن عمل المعامل يبلغ ذروته في الصيف خاصة مع إنتاج البندورة.

ومنذ بداية موسم البندورة كانت الأسعار منخفضة في الموسم الحالي، حيث بلغ سعر الكيلو في بداية الموسم 400 ليرة، بينما انخفض السعر حاليا إلى نحو 250 ليرة للكيلو الواحد، وفي الحالتين فإن هذه الأسعار لا تغطي بأي حال التكلفة التي يدفعها المزارعون.

من جهة ثانية، موسم الثوم كان له نصيب كبير بالخسارة نتيجة الاعتماد على مازوت السوق السوداء، حيث بيع كيلو الثوم اليابس في السوق ما بين 700- 1000 ليرة، في موسم الثوم في حين أن هذا المبلغ لا يفي بسعر التكلفة، لاسيما وأن الفلاح يدفع سعر لتر المازوت 5 آلاف ليرة، ودونم الثوم يحتاج إلى 400 لتر مازوت، أي إن هناك خسارة في رأس المال بقيمة مليونين و600 ألف ليرة، عدا أجور القلع والنقل والأسمدة، فأجار نقل السيارة لمسافة تبعد بين مدينتين نحو 80 كم، تصل إلى 400 ألف ليرة، ما دفع الفلاحين لإطعام الثوم للأغنام قبل أن يفسد.

إقرأ أيضا:البندورة السورية إلى كارثة جديدة.. ما علاقة الزراعة المحمية؟

المازوت العائق المستمر

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى تعرض القطاع الزراعي في موسم 2021 ـ 2022 لكم كبير من الصعوبات والمعوقات، وفي مقدمة هذه المعوقات تأمين مادة المازوت الأساسية لري محاصيل الحبوب، والقطن، والشوندر، والحمضيات، والخضار والفواكه.

وزير الزراعة حسان قطنا، كشف في أيار/مايو الماضي، أن كمية المازوت بالسعر المدعوم المباع لقطاع الزراعة في الموسم الحالي 2021 ـ 2022 بلغ 47.6 مليون ليتر، من إجمالي الكمية التي تحتاجها الزراعة والبالغة 221 مليون ليتر، وفق ما هو مخطط من قبل الوزارة أي بنسبة 21.5 بالمئة فقط.

وبحسب التقرير، فإن النسبة أو الكمية كبيرة جدا وهي مؤشر على أن الدعم لقطاع الزراعة كان محدودا جدا، مشيرا إلى أن الآليات الحكومية غير فاعلة، فالكميات المصارة من المازوت تقدر بالأطنان وليس بآلاف الليترات، ولو كانت الجهات المكلفة بتوزيع المادة جادة بإيصالها إلى المنتجين، وليس لتجار السوق السوداء عبر آليات فعالة تمنع تسربها، لكان القطاع الزراعي ارتوى بنسبة أكبر من المازوت المدعوم.

قد يهمك:البندورة أكثر الصادرات السورية رواجاً

من الجدير بالذكر أن الزراعة في سوريا والتي تعد من أهم القطاعات التي تتصل مباشرة بحياة السوريين، تعاني من العديد من العوائق والصعوبات أبرزها تأمين المازوت، إضافة لارتفاع التكاليف الأخرى كالأسمدة، واليد العاملة وغيرها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.