“نمر بحالة كساد قاسية جدا.. وخسائرنا فادحة لعدم توفر السيولة”، هكذا يصف غسان الكروي صاحب محل لألبسة الأطفال في محافظة ديالى شرق عاصمة العراق بغداد، حالة الأسواق مع تأخر إقرار الموازنة العامة بسبب الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد.

إذ لا تزال الحكومة العراقية والبرلمان عاجزان أمام إيجاد حل لإقرار الموازنة التي تحدد بنود مصروفات الدولة خلال عام، خاصة المخصصة للرواتب والدعم وسداد أعباء الديون، كما تحدد المستهدف من إيرادات الدولة.

عدم إقرار الموازنة سببه عدم تشكيل حكومة جديدة بعد نحو عام من انتهاء الانتخابات المبكرة في البلاد التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نتيجة تدافع القوى السياسية حول ألية وأحقية تشكيل الحكومة، ما دفع بالبلاد إلى جمود سياسي وأزمة هي الأطول ما بعد 2003.

وعلى الرغم من نجاح حكومة تصريف الأعمال الحصول على نحو 18 مليار دولار ضمن قانون “الدعم الطارئ” الذي أقره البرلمان أخيرا لتأمين استيراد الطاقة وتمويل المشاريع الخدمية المهمة وتمويل صندوق الرعاية الاجتماعية، إلا أن الكروي يؤكد حاجة البلاد للموازنة، التي أعدت مسودتها بوقت سابق عند قرابة 90 مليار دولار.

ويقول إن “عدم إقرار الموازنة فاقم من حالة الركود، التي تسببت بكساد حاد في الأسواق، جراء مخاوف المواطنين، ولجؤهم إلى حالة التوفير تحسبا إلى أي طارئ خاصة مع غموض المشهد السياسي ومستقبل البلاد”.

ويضيف في حديث لموقع “الحل نت”، أن “الأسواق تحولت إلى مقابر، حيث لا تجد فيها إلا قليلا من المتبضعين الذين يأتون فقط لحاجاتهم الأساسية، ومع نهاية الشهر وقت ما يتم توزيع مرتبات الموظفين”.

اقرأ/ي أيضا: الزواج الثاني في العراق.. “بطران ويريدلَه وْلِيد”

تفاقم حالة الركود في العراق

من جهته، مصطفى رعد، وهو صاحب محل أقمشة، يشير إلى أن “أغلب أصحاب المحال التجارية يعانون من تكدس البضائع عندهم، لتراجع حركة البيع والشراء بسبب تضرر المواطنين من عدم إقرار الموازنة، التي أدت إلى توقف المشاريع الاستثمارية في البلاد ما انعكس على الأيدي العاملة وتفاقم معدلات البطالة وفقدان السيولة”.

رعد يقول في حديثه لموقع “الحل نت”: “أنا وعدد كبير من أصحاب المحال المجاورة، نقضي أكثر الوقت في السوق ونحن جالسين نتداول الأحاديث فيما بيننا، لتراجع حركة السوق”، مضيفا أنه “على الرغم من استمرار الدولة في دفع مرتبات الموظفين إلا أنها هي الأخرى صارت لا تسد حاجاتهم مع ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية”.

إذ أن “رفع سعر الدولار أدى إلى ارتفاع أسعار البضاع بشكل كبير، مقابل انخفاض قيمة المرتبات، مع عدم وجود موازنة وعودة مخاوف توقف تسديد الدولة لرواتب الموظفين مع نهاية العام بسبب استمرار تعطل تشكيل الحكومة، دفع المواطنين إلى المحافظة قدر المستطاع على ما يملكون من أموال”.

كان خبراء اقتصاد وقانون، قد حذروا من أنه مع انتهاء العام ستكون الحكومة غير قادرة على دفع رواتب الموظفين، بسبب غياب الموازنة ولعدم توفر نص قانوني في قانون الادارة المالية يسمح بصرف اي مبالغ مالية من وحدات الانفاق لتمويل نفقات الموازنة بعد انتهاء السنة المالية.

وفي العام 2020، تأخرت رواتب الموظفين لشهرين، بسبب عدم امتلاك الحكومة للسيولة النقدية، نتيجة أزمة الاقتصاد العالمية بسبب تأثر أسعار النفط بعد تفشي جائحة كورونا، لتعود المخاوف مجددا في الوقت الحالي في ظل استمرار غياب الموازنة، ما قد يفاقم من حالة الركود والكساد.

وهذا ما عبر عنه الكروي بالقول، إن “الوضع الاقتصادي خطير، ويضعنا في حالة من القلق، لذلك على القوى السياسية أن تتجاوز مشاكلها وتنظر لمصالح المواطنين بعين واقعية، وإلا أن الأمور ذاهبة باتجاه التأزم أكثر”، مبينا أن “جزء من تدارك الأزمة إعادة النظر في سعر صرف الدولار”.

اقرأ/ي أيضا: انتعاش خط السياحة من العراق إلى لبنان

مقترحات لتجاوز حالة الركود

كان “البنك المركزي العراقي” خفض قيمة العملة الرسمية مقابل الدولار الأميركي في ديسمبر 2020، في أول إجراء من هذا النوع منذ نصف عقد، وتزامن مع أزمة مالية خانقة تعصف بالبلاد نتيجة انهيار أسعار النفط في حينه.

مع استمرار الارباك الاقتصادي في العراق بسبب تلكؤ إقرار الموازنة الاتحادية العامة نتيجة الصراعات السياسية وتعطل تشكيل حكومة جديدة، قدم اقتصاديون عراقيون مقترحا لإقرار موازنة لأكثر من عام لتجاوز الإشكالات التي تحصل في تصويت مجلس النواب ونظام عمل وزارة المالية المتأخر والبالي، على حد وصفهم.

المقترح الذي قدم يسعى لمعالجة الاختلالات التي يتسبب بها تأخر إقرار الموازنة العامة في الاقتصادي والتي تساهم في تفاقم معاناة المواطنين والبلاد، فضلا عما تساهم به بتأخر تنفيذ العشرات من المشاريع الاستثمارية والتلكؤ والتوقف في عمل القطاع الخاص، الذي يرتبط انتعاشه بشكل وثيق بحجم المشاريع الاستثمارية المنفذة، ومما تؤدي به من زيادة في معدلات الفقر والبطالة.

وبحسب الخبير الاقتصادي موسى الموسوي، الذي يرى أن تأخر إقرار الموازنة يمثل عقبة حقيقية أمام تشريع العديد من القوانين المهمة، فإنه يؤدي إٕلى توقف شبه تام للمشاريع العمرانية والاقتصادية والعلمية والتعليمية“.

إضافة إلى “تعطيل الخدمات التي يحتاج إليها المواطن، فضلا عن حدوث شلل شبه تام في التوظيف وإيجاد فرص عمل للشباب والخريجين، مما يتسبب باستمرار معاناة دوائر الدولة المتولدة جراء حصول نقص واضح في الملاكات، ما يحتم على وزارة المالية بتحديث سياقاتها الحالية ووضع حلول لذلك“.

الموسوي اقترح لتجاوز تلك المشكلات التي يتسبب بها تأخر إقرار الموازنة، في حديث لصحيفة “الصباح” المملوكة للحكومة العراقية ومقرها بغداد، وتابعه موقع “الحل نت“، تحديث سياقات وزارة المالية البالية والروتينية وإيجاد حل للاختناقات التي تعاني منها الموازنة، كجعلها خمسية أو عقدية لمدة عشر سنوات أو لمدة سنتين أو ثلاث سنوات مع وضع آلية للمتغيرات التي تطرأ خلال فترة الموازنة، على حد قوله.

اقرأ/ي أيضا: مزارعو ديالى العراقية يشكون الجفاف.. العشوائيات تمحو هوية المحافظة الخضراء

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.