قصف مستمر، ومخاوف من الموت، تدفع باستمرار معاناة القرويون في شمال إقليم كردستان العراق، جراء تصاعد التهديدات التركية هناك، نتيجة استمرار العمليات العسكرية التي تشنها أنقرة خلال السنوات الأخيرة على عناصر حزب “العمال الكردستاني”.

ومنذ العام 2019 وحتى قبل أربعة أيام عندما شنت الطائرات التركية غارات جوية على جبل متين المطل على قضاء العمادية شمال محافظة دهوك، استمرت العمليات العسكرية في كونها خطرا حقيقيا على القاطنين في قرى إقليم كردستان الحدودية، ما دفعت مئات القرى للنزوح، بحسب إحصائيات غير رسمية.

إذ باتت تلك القرى تتعرض لقصف شبه يوم، فيما تواصل القوات التركية توغلها باتجاه القرى الكردية، وتعزيز نقاطها الأمنية التي أنشئها على الجبال في عمق 20 كيلومترا داخل حدود الأراضي العراقية.

وتستخدم تركيا في هجماتها ضد حزب “العمال الكردستاني”، الطائرات والمدفعية، فضلا عن مسيرة، والإنزال المروحي، ما اضطر الآلاف من القرى الحدودية إلى ترك منازلهم وأعمالهم والنزوح إلى مناطق أكثر أمان.

أمير الجاف، واحد من أولئك الذين هجروا منازلهم في إحدى القرى الحدودية شمالي دهوك، قرر مع خلال الأشهر الماضية مع العشرات من سكان قريته بالنزوح باتجاه مركز المحافظة، قائلا إن “الوضع بات خطير جدا.. شظايا القصف صارت تدخل منازلنا”.

حرائق ودمار بسبب القصف التركي قرب إحدى قرى كردستان العراق

اقرأ/ي أيضا: آخر مستجدات القصف التركي.. العراق يواصل التحشيد الدولي

كردستان العراق ومعاناة القصف التركي

كما يضيف في حديث لموقع “الحل نت”، أنه “خوفا على أرواحنا من قصف المدفعية التركية قررنا النزوح، وترك منازلها التي ولدنا فيها”، مبينا أنه “لم يعد هناك مجال للبقاء في القرية بعد توغل القوات التركية على مسافات قريبة جدامن بلدته”.

الجاف صاحب الأربعة عقود من عمره، الذي انتهى مع المئات من أهالي مدينته دون عمل، يؤكد أن “في قريته ليس هناك تواجد لعناصر حزب العمال، لكن القوات التركية تستمر في القصف العشوائي الذي تسبب ذات مرة في مقتل مدنيين اثنين”.

ويردف بالقول: “انتهينا مشردين بعيدا عن منازلنا، وقد خسرنا حياتنا التي كنا قد كرسنا لها وقتنا ومن قبلنا أبناءناوأجدادنا”، مشيرا إلى أنهم “وجهوا مناشدات إلى كافة الأطراف في إيجاد حل لمعاناتهم لكنها دون جدوى”.

الجاف الذي يحلم بالعودة إلى منزله، مثله آران زنكنة البالغ من العمر 35 عاما، يقول إن “حياتنا منذ ثلاثة أعوام قد تغيرت بشكل جذري، وأصبحنا أمام تحديات كبيرة، مع يفرضه علينا النزوح”.

ويضيف أن “تكاليف الحياة وعدم توفر فرص العمل فاقمت من معاناتنا، حيث صرنا ملزمين بدفع إيجار المنزل وفواتير الكهرباء، إضافة إلى تكاليف الاستهلاك الغذائي الذي كنا في السابق نعتمد عليه في زراعتنا وتربية المواشي”.

اقرأ/ي أيضا: الاعتداء التركي على دهوك يؤجج غضباً شعبياً وحكومياً.. هل تلجم بغداد تجاوزات أنقرة؟

أهالي القرى الحدودية بكردستان العراق يحلمون بالعودة لمنازلهم

زنكنة لفت إلى أن “العودة إلى منازلهم أصبحت حلم، مع تدمير أراضيهم الزراعية وهجرة القرى، ما حول المناطق إلى مهجورة خالية من الحياة، لا تتوفر فيها فرص العيش خاصة مع انعدام الأمن”.

وحتى أواخر العام 2020، كشفت تقارير أعدها برلمان إقليم كردستان، أن أكثر من 500 قرية أخليت وهجرها سكانها خوفا من العمليات العسكرية التركية ضد حزب “العمال الكردستاني”، وفي محافظة أربيل وحدها تم “إخلاء 55 قريةمن أصل 73 قرية حدودية، فيما أدت الحرائق التي التهمت حقول ومزارع وبساتين المنطقة إلى خسائر بعشرات ملايين الدولارات، وأخليت 104 قرى في قضاء جومان وناحية سيدكان”.

جاء في التقارير أيضا، أنه في محافظة السليمانية “أسفر هجوم (كونة ماسي) في 25 حزيران عن إصابة سبعة مدنيين بجروح وخلف الهجوم أضراراً مادية تقدر قيمتها بخمسة وعشرين مليون دينار، كما ألحق أضراراً بالخدمات العامة في قطاعي الكهرباء والطرق”.

وفي محافظة دهوك، في قضاء زاخو “انتهكت تركيا الحدود في مساحة عرضها 40 كيلومترا وعمقها 15 كيلومتراً،وأطلقت 666 قذيفة مدفع و70 صاروخاً على القرى. كما أدت العمليات العسكرية إلى مقتل 6 مدنيين في المحافظة”.

وأقامت تركيا في قضاء زاخو 18 موقعا عسكريا، وقصفت بالمدفعية 25 قرية تابعة لناحية دركار، وبات 200 مزارع عاجزين عن العودة إلى مناطقهم، كما جرى قصف 13 قرية تابعة لناحية باطوفا بالطائرات، وأخليت 27 قرية،وبلغ مجموع العوائل المتضررة من هذه العمليات 400 عائلة”.

مروحية تركية أثناء تحليقها لتنفيذ عملية عسكرية في جبال كردستان العراق

بالأرقام.. حجم الاعتداءات التركية على كردستان العراق

أما في قضاء العمادية التابع لمحافظة دهوك، تم “إخلاء 198 قرية من أصل 348 قرية تابعة للقضاء، وقتل 4 مدنيين وجرح 28، كما جرى إخلاء 80% من قرى ناحية جمانكي، وست من قرى كاني ماسي وبرواري بالا، ونزحت2500 عائلة، وأخليت 85 قرية من أصل 92 قرية تابعة لناحية شيلادزي، وفي ناحية ديرلوك أخليت 42 قرية من أصل 56 و24 قرية تابعة لدينارته من أصل 91، وقتل تسعة مواطنين وجرح 21 على مدى 24 سنة”.

فيما بلغ حجم الاعتداءات التركية على الأراضي العراقية بين عامي 2015 و2021، بحسب دراسة نشرها فريق كردستان العراق “سي بي تي”، الشهر الماضي، بالتعاون مع تحالف المجتمع المدني الدولي لإنهاء القصف عبرالحدود، أكثر من 4000 غارة جوية ومدفعية وبرية في إقليم كردستان وشمال العراق.

الدراسة قالت، أنه منذ ما يقرب من 7 سنوات، استهدف الجيش التركي المدنيين بـ 88 هجوما، ومن آب/أغسطس2015 إلى كانون الأول/ديسمبر 2021، قتل 98 إلى 123 مدنيا وجرح 134 إلى 161 آخرين، ومن بين هؤلاء، قتل55 مدنيا أثناء قيامهم بالزراعة أو الرعي، وأن 87 بالمئة من القتلى رجال و13 بالمئة نساء، و6 من القتلى على الأقل هم من الأطفال.

كما أوضحت الدراسة، أن “تركيا تستهدف المدنيين بالأسلحة التي قدمتها لها الولايات المتحدة الأميركية وإيطالياوإسبانيا”، لافتة إلى أنه “بين عامي 2015 و2020، باعت الحكومة الإيطالية 57 مروحية عسكرية من طراز “أي 129 سي مانغوستا” إلى تركيا، لاستخدامها في معظم الهجمات على المدنيين الأتراك”.

وآخر اعتداء تركي، كان على مصيف “برخ” في قضاء زاخو بمحافظة دهوك بالمدفعية التركية، أواخر تموز/يوليو الماضي، راح ضحيته 9 قتلى من الإناث والذكور الشباب، بينهم طفلة عمرها سنة واحدة، و23 جريحا، كلهم منالمدنيين، قدموا إلى دهوك من وسط وجنوب العراق بهدف السياحة.

اقرأ/ي أيضا: في بيان غلبه النعاس.. بغداد تدين الهجوم التركي داخل العراق

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.