بعد نحو عام من الشد والجذب بين القوى الكردية التي تتولى منصب رئاسة العراق ضمن عُرفٍ سياسي يمنحهم إدارته في العراق ما بعد العام 2003، نتيجة تمسك الحزب “الديمقراطي الكردستاني“، صاحب أكبر كتلة نيابية كردية بأحقية المنصب، مقابل رفض حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني“، الذي يتولى المنصب منذ العام 2005، أفادت معلومات، اليوم الأحد، بتوصل الحزبَين إلى تفاهم يمكن أن يسفر عن مرشح توافقي خلال مدة أسبوعين.

المعلومات التي أدلى بها عائد الهلالي، القيادي في تحالف “الإطار التنسيقي“، الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران، والذي يخوض هو الآخر صراعا حول آلية تشكيل الحكومة، ومرشح رئاسة الوزراء، أكدت، أن الحزبَين الكرديَين قد قدّما تعهدا بشأن ملف رئاسة الجمهورية.

التعهد الذي قدمته القوى الكردية إلى “الإطار التنسيقي“، وبحسب الهلالي، يشير إلى أن “مرشح الحزبين الكرديين، سيُحسم خلال أسبوع أو اثنين، كما أن الحزبين سيحسمان أمرهما على مرشح توافقي، أو خوض المنافسة بمرشحين في جلسة البرلمان التي ستُعقد للتصويت على رئيس الجمهورية“، مؤكدًا أنّ “غياب الاتفاق بين الحزبين هو العائق الوحيد أمام عقد الجلسة“.

القيادي في الإطار، أوضح أيضا في حديثه لموقع “الترا عراق“، أن “القوى السياسية متواصلة فيما بينها، وهناك اتفاقات متبادلة بين جميع الأطراف لإكمال الاستحقاقات الدستورية في أسرع وقت“، مبيّنا أن “التنافس على منصب رئاسة الجمهورية ليس بالأمر الجديد، وقد شهدناه في عام 2018، حين أُعيد التصويت لأكثر من المرة حتى حُسم الأمر داخل قبّة البرلمان“.

الحديث عن توصل الكرد إلى اتفاق حول رئاسة الجمهورية، يأتي في وقت لا تزال فيه القوى الشيعية تتدافع حول تشكيل الحكومة، ومنصب رئاسة الوزراء، لكن اتفاق القوى الكردية يمثل تقدما في مسار الأزمة السياسية العراقية الأطول ما بعد 2003، خاصة وأن أهمية انتخاب رئيس جديد للجمهورية تكمن في تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكبر بتشكل الحكومة، وفق الدستور.

اقرأ/ي أيضا: عدم تمديد الهدنة في اليمن.. حرب جديدة للخليج؟

العراق يتأرجح بين التوافقات

وفق هذا السيناريو، فأن تفاهم الكرد واقعا لن يكون له تأثيرا في معادلة انفراج الأزمة السياسية، ما لم تتفق القوى الشيعية حول مسألة تشكيل الحكومة، خاصة وأن الحراكات السياسية حتى اللحظة فيما يتعلق بتقريب البيت الشيعي ما تزال تدور في فلك ضيق، خاصة مع التزام طرف الصراع الرئيسي “التيار الصدري“، بزعامة مقتدى الصدر الصمت.

غير أنه في ذات الوقت، يجري الحديث على نطاق واسع في الأوساط السياسية العراقية عن مبادرة بقيادة الكرد والسنة وممثل عن “الإطار“، تسعى إلى إعادة الصدر لطاولة الحوار، بهدف الخروج من الجمود السياسي الذي عطّل أغلب مصالح البلاد، ما يفتح باب السؤال حول إذا ما كان إعلان التّوصل لتفاهمات ما بين الكرد تمهيدا لتشكل حكومة جديدة؟

في هذا الشأن، يقول المهتم في الشأن السياسي عمار الغريباوي، في حديث لموقع “الحل نت“، إنه “الحديث عن توصل الكرد إلى تفاهمات حول رئاسة العراق أمرٌ هام، لكنه ضمن الحسابات السياسية في المشهد العراقي قد لا تكون مؤثرة بالشكل الأساسي ما لم يتفق البيت الشيعي ذاته“.

الغريباوي، بيّن أن “طبيعة التحالفات السياسية في العراق، تفرض توافق جميع الأطراف للتوصل إلى حكومة جديدة، لاسيما في ظل شكل التحالف الطولية الجديدة التي تشهد البلاد“، مشيرا إلى أنه “أكبر برهان على ذلك هي محاولات التحالف الثلاثي الذي يضم الديمقراطي الكردستاني، والتيار الصدري، وتحالف السيادة، الذي يضم معظم القوى السنية التي لم تنجح بالمضي في تشكل حكومة من دون الأطراف الأخرى“.

بالتالي، إن “هذا السيناريو يفرض على جميع الأطراف التوافق لتشكيل الحكومة، أو نزول النواب المستقلين عن موقفهم والذهاب نحو ترجيح كفة على أخرى، إما تغيير شكل التحالفات وإعادة اصطفافها للتمكن من التوصل إلى تحالف يضم 220 نائبا، بإمكانه تشكل حكومة دون غيره“.

اقرأ/ي أيضا: احتمالات التصعيد التركي – اليوناني.. توتر جديد أم تهدئة مطلوبة؟

العراق واحتمالية ولادة تحالفات جديدة

في وقت سابق، كشف “الإطار التنسيقي“، عن قرب إعلان تشكيل تحاف جديد تحت اسم “ائتلاف إدارة الدولة“، تمهيدا لتشكيل الحكومة المقبلة، وقالت أطراف في “الإطار”، إن التحالف الجديد سيضم تحالف العزم، الاتحاد الوطني الكردستاني، تحالف السيادة، الحزب الديمقراطي الكردستاني، كتلة بابليون المسيحية، إلى جانب قوى “الإطار التنسيقي”.

يأتي ذلك في أعاقب أزمة سياسية شهدها العراق منذ الـ30 تموز/يوليو الماضي، بعد أن اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات، قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

بعد أن عاد المشهد ليتطور في 29 آب/أغسطس الماضي، شهدت بغداد تصعيدا صدريا، على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري“، مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره للمنطقة الخضراء، والقصر الجمهوري – الحكومي-، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الصراع جاء بعد أن هاجمت القوات الحكومية مع فصائل تابعة لـ “لحشد الشعبي“، وموالية لـ “الإطار“، أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، ما دفع “سرايا السلام“، الجناح المسلح التابع للصدر للتدخل للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، لتندلع مواجهة مسلحة داخل الخضراء، انتهت عندما دعا الصدر، في اليوم التالي من خلال مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح سقط 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري، بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تلك التطورات جاءت نتيجة لصراع سياسي، دام لأكثر من 10 أشهر، منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز كتلة الصدر فيها أولا، وخسارة قوى “الإطار“، الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية وطنية“.

العراق وحيثيات الأزمة

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني“، وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن” أصر بـ 180 مقعدا نيابيا، على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية“، تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي“، أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية“، يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة “الأغلبية“، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية – البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور، وهو ما لم يتمكن “إنقاذ وطن” من تحشيده.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار“، توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي، محمد شياع السوداني، في الـ25 من تموز الماضي، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: تأثير الحوار السعودي الإيراني على المنطقة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.