آخر أيام الصيف، موسم ينتظره السوريون كغيرهم في دول العالم لشراء الملابس الصيفية بأسعار مخفّضة، فمن المنطقي في هذه الأيام أن تنخفض أسعار هذه الملابس بنسب قد تصل إلى 75 بالمئة، لكن الأمر في سوريا يختلف عن غيرها، حيث لا تعدو إعلانات التخفيضات عن كونها خدعة لترغيب الناس بالشراء مع حقيقة أن الأسعار لم تنخفض، أو أن انخفاضها لا يُذكر أبدا.

تصريف موديلات قديمة بأسعار مرتفعة!

حالة من الكساد تضرب سوق الألبسة السورية منذ أكثر من عام، فارتفاع الأسعار والتدهور الاقتصادي وتدني مستوى الدخل، جعل البضائع تتكدس في المحال والمستودعات، لذلك يستغل التجار نهاية المواسم الفصلية سواء الصيف أو الشتاء، لعرض المواد المخزّنة بأسعار مرتفعة لعلها تُباع ضمن تخفيضات نهاية الموسم.

توجه للسوريين نحو محال ملابس البالة “وكالات”

سلوى، طالبة في جامعة دمشق، في السنة الرابعة في كلية الآداب، تتحدث لـ”الحل نت”، قائلة: “عادة ما أنتظر أن يكون هناك تخفيضات حيث أقوم بشراء بعض قطع الثياب وأتركها سواء للصيف، أو الشتاء القادمين بحسب وقت شرائها، ومنذ أيام أتردد إلى الأسواق لرؤية ما هو معروض بعد الإعلانات عن تخفيضات، وخاصة في مناطق المرجة والسبع بحرات، لكن ما لفت انتباهي هي الموديلات التي يدّعي باعتُها أن أسعارها مخفّضة، هي في الحقيقة من العام الماضي، وليست جديدة، فالقميص من قماش الساتان المتوسط يُباع بنحو 50 ألف ليرة، وبنطال الجينز بنحو 60 ألف ليرة، إذا فليس هناك تخفيضات لكنهم يوهمون الناس أنها مخفّضة من خلال وضع عدد قليل من الموديلات الحديثة بأسعار أكثر منها قليلا”.

تضيف سلوى، “هناك بعض الأسواق لا نجرؤ على الذهاب حتى “للفرجة” فيها على الملابس المعروضة، كالصالحية وشارع الحمراء، فالأسعار هناك تفوق قدرة غالبية السوريين، حيث قد يصل سعر القميص من نوعية جيدة إلى 150 ألف، وهكذا”.

إقرأ:خلال عام واحد.. السوريون يشترون عقارات بأكثر من 7 تريليونات ليرة

ملابس الستوك والبالة وجهة الكثيرين

الملابس المستعملة “البالة”، معروفة في سوريا مما قبل سنوات الحرب، حيث كانت في دمشق تُباع في منطقة باب الجابية بشكل رئيسي، وفي درعا في عدد من المحال على الطريق الرابط بين درعا البلد ودرعا المحطة، حيث خط تهريبها عبر الأردن بسيارات البحّارة.

ولكن خلال السنوات الأخيرة انتعش سوق هذه البضائع بشكل كبير لانخفاض ثمنها نسبيا مقارنة بالجديد، كما برز خلال العامين الأخيرين نوع جديد من الملابس وهو “الستوك”، وهي ملابس جديدة لكن هناك خطأ في تفصيلها أو خياطتها، فهي ليست بالجودة والمواصفات اللازمة، لذلك تُباع بأسعار أقل من الجديد.

غسان خليل، خمسيني يعيش في دمشق، وهو موظف في مدينة المعارض، وأب لأربعة أولاد، يتحدث لـ”الحل نت”، عن سوق الملابس، “اعتدت خلال السنوات الأخيرة الذهاب إلى الأسواق الشعبية، حيث انتشرت في مناطق مختلفة قرب جسر الثورة وغيرها، هناك تباع ملابس جديدة لكنها أقل ثمنا من غيرها، أعلم أنها ستوك لكن تبقى جديدة، فسعر البنطلون يصل نحو 30 ألف، والقميص بنحو 25 ألف، هناك أستطيع أن أشتري الملابس لأولادي كل شهر لاثنين منهم، ولاحقا يكون دورنا أنا وأمهم”.

أما محمد، شاب ثلاثيني من درعا، متزوج حديثا، يقول لـ”الحل نت”، أفضل شراء ملابسي من محال البالة، فهي أرخص ثمنا من الجديد وأكثر جودة، وقد أصبحت متوفرة حيث يتم جلبها من الأردن، وحتى بالنسبة للأحذية أيضا أشتريها من البالة، فالحذاء الرياضي من صناعة فيتنامية بجودة عالية يصل سعره إلى نحو 70 ألف، بينما الجديد يصل لنحو 100 ألف لكنه سيء التصنيع”.

التنزيلات خدعة والشتوي إلى ارتفاع

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الأربعاء، يوضّح أنه على الرغم من إعلان أصحاب المحلات عن “التنزيلات”، على الملابس الصيفية في هذا الوقت من السنة، إلا أن الإقبال على الشراء لا يزال ضعيفا، حيث يصل القميص النسائي خلال موسم التنزيلات 50 ألف ليرة سورية، أما سعر الحذاء الرياضي 60 ألف ليرة سورية، بينما سعر أي جينز نسائي 70 ألف ليرة سورية.

وبالنسبة للملابس الرجالية، فكان سعر كنزة رجالي 60 ألف ليرة سورية، أما سعر الجينز رجالي يتراوح بين 70 – 90 ألف ليرة سورية، بينما سعر قميص رجالي 50 ألف ليرة سورية.

أما ملابس الأطفال، فكان سعر بيجامة لطفل لعمر 4 سنوات بحدود 40 ألف ليرة سورية، أما سعر جينز لعمر 6 سنوات 50 ألف ليرة سورية، وسعر الكنزة الولادي يتراوح بين 30-50 الف ليرة سورية.

ونقل التقرير عن أحد أصحاب المحال قوله: “إن السوق يعاني من ركود لانخفاض المبيعات قبل وأثناء موسم التنزيلات، وهذا ما يدفعهم إلى تخفيض هامش الربح مقابل البيع ورغم هذا لا زالت عمليات البيع بحدودها الدنيا”.

وحول الموسم الشَتوي، أردف صاحب المحل “أسعار الموسم الشتوي ستكون مرتفعة أكثر من أسعار الموسم الصيفي، وهذا يفوق القدرة الشرائية للمواطن وبظل ما نعيشه من ظروف اقتصادية صعبة وبالتالي هذه خسارة لنا”، مشيرا إلى أنه من الواضح أن هناك ازدحام في الأسواق والناس متواجدين بكثرة في بعض الأوقات، ولكن ليسوا هنا بقصد الشراء، فقط المحتاج يشتري حاجته لا أكثر.

ونقل التقرير عن إحدى الفتيات، أنه وبالرغم من وجود التنزيلات لكنها غير قادرة على الشراء فالأسعار لا تناسب دخلها الشهري لأنها مازالت مرتفعة، موضّحة أنها كانت تشتري في المواسم السابقة أكثر أما اليوم فهي تبحث عن ما يلزمها فقط.

كما نقل عن أحد المواطنين أنه غير مقتنع بما يسمى بالتنزيلات، قائلا: “التخفيضات هي خدعة لأن السعر الذي يُكتب على القطعة بعد التخفيضات هو سعرها الحقيقي”، مضيفا أن معظم ما يعرض من بضاعة رديئة ومكدسة لديهم ويريد التاجر التخلص منها ليستبدلها بما هو جديد لعرضه في الموسم المقبل، وبالتالي فإن التخفيضات هي السبيل الوحيد لبيعها وهذه في حقيقة الحال خدعة لتنشيط حركة البيع والشراء، والزبون يقع في الفخ.

وحول الملابس الشتوية التي بدأت بعض المحال بعرضها، بيّن التقرير أن بعض المحال التجارية عرضت بعض الملابس الشتوية الموجودة لديها في المستودعات من العام الماضي ولكن بالرغم من أنها بضاعة مخزّنة إلا أن أسعارها مرتفعة فسعر كنزة نسائية ذو جودة منخفضة من الصوف 45 ألف ليرة سورية أما سعر جاكيت ووتر بروف نسائي موديل العام الماضي 85 ألف ليرة سورية، بينما سعر بيجامة نسائية يتراوح بين 55- 60 ألف ليرة سورية، وسعر بيجامة رجالية بين 45 – 55 ألف ليرة سورية، وسعر كنزة رجالي قطن 65 ألف ليرة سورية.

عاطف طيفور، صناعي في دمشق، بيّن أن هذا الموسم ستكون الأسعار مرتفعة والتنزيلات لم تكن موجودة بشكل كبير بسبب زيادة التكاليف التي تزداد بشكل دوري، وهذا الأمر سيجعل التاجر لا يخفّض أسعاره لتعويض الخسارة التي لحقت به خلال الموسم ويرفع أسعاره بالموسم المقبل، موضّحا أن أسعار الملابس الشتوية لا يمكن توقّعها وبالمقابل التاجر مضطر أن يخفض من أسعاره حتى لا تكسد لديه البضاعة، ويقبل بالأمر الواقع.

وأرجع الأسباب، إلى أنه لا يوجد تصدير بشكل كاف وهذا ما يسبب خسارة إضافية للتاجر وما يحصل ليس فقط بسوريا بل هو كساد عالمي، كما أن الأسعار ليست منافسة مثل السابق، وأرجع ذلك لزيادة أسعار المحروقات وأجور العمال والتيار الكهربائي، لافتا إلى أن الأسعار العالمية بشكل عام مرتفعة ولكن لم تزداد بالنسبة التي ازدادت بها داخليا.

وطالب طيفور، بحسب التقرير بأن تنضم الألبسة للائحة التسعير من قِبل الجهات المعنية ويتم حساب التكاليف الحقيقة لها وتضع لها نشرة، ولكن إلى الآن لا استجابة لهذا المطلب، فالتاجر اليوم يبيع على مزاجه ليعوّض خسارته التي لحقت به.

تبادل اتهامات

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى أن هناك تبادلا للاتهامات بين الصناعيين والتجار، فالصناعيون يرون ان أرباح التجار كبيرة، بالمقارنة مع الصناعي الذي يتحمل أعباء التصنيع، وتأمين أدنى مستلزمات الإنتاج للاستثمار خلال سنوات الحرب، مع وجود ربح بسيط من أجل رفد السوق بمنتج محلي، في ظل انقطاع الاستيراد ودخول البضائع المهربة.

محال ملابس في دمشق شارع الحمراء “وكالات”

كما يرى الصناعيون أن التجار يستفيدون من البضائع المحلية من جهة، ومن البضائع المهرّبة التي يقومون هم بتسعيرها وفق رغبتهم من جهة أخرى لتبقى أقل من المنتج المحلي، وهذا ما يجذب المستهلك للمنتج المهرب وترك المحلي.

لكن في المقابل هناك أسباب حقيقية، وفق مراقبين اقتصاديين، وراء رفع الأسعار وتدني نوعية المنتج المحلي، أبرزها، ارتفاع أسعار المواد الأولية، وقلّة جوتها، وعدم انتظام الكهرباء ما جعل الصناعيين يلجأون إلى مولدات الكهرباء التي تعمل بالوقود، والذي هو أيضا قليل وسعره مرتفع، إضافة لارتفاع أجور اليد العاملة، وكل تلك العوامل أثرت بشكل كبير على المنتجات المحلية.

قد يهمك:ملابس العيد محظورة على السوريين كبارهم وصغارهم

لا شيء يمكن أن يكون سعره معقولا بالنسبة للسوريين، فلطالما كان السوريون يتغنون بالألبسة المصنّعة في سوريا وبجودتها وسعرها المنخفض الذي كان في متناول الجميع بصرف النظر عن الوضع المادي، أما الآن فالتفكير في شراء قطعة ملابس يحتاج إلى خطة وميزانية كما يتحدث معظم السوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.