الذهب والفروج وماذا يجمع بين هذين المنتجين المختلفين، قد يبدو السؤال غريبا، لكنه يحمل في طياته علاقة معقدة بين الاقتصاد والزراعة والتجارة في سوريا. ففي الوقت الذي تشهد فيه أسعار الذهب انخفاضا ملحوظا في السوق السوري، تعاني قطاعات الدواجن من نفوق أفواج كبيرة من الفروج والدجاج البياض بسبب موجة الحر وانقطاع التيار الكهربائي.

ليس من السهل تصور الارتباط بين هاتين القضيتين البعيدتين في الظاهر. ومع ذلك، يجمعهما تأثيرهما العميق على اقتصاد البلاد وعلى حياة المواطنين بشكل عام. إذ تشهد سوريا منذ الأيام الأخيرة تحديات اقتصادية خطيرة، نتيجةً لتداعيات قرارات الحكومة والعوامل الاقتصادية الداخلية والخارجية.

الذهب الذي كان لعقود طويلة رمزا للثراء والاستقرار، شهد في الفترة الأخيرة تقلبات غير مسبوقة في أسعاره في السوق السوري. وهنا كانت كلمة السر في تأثيره الاقتصادي المباشر، حيث انخفاض أسعار الذهب أثّر بشكل سلبي على الاقتصاد المحلي، بسبب إقبال المشترين عليه.

انخفاض الذهب يضع الفروج السوري في مأزق

مع انخفاض أسعار الذهب، تغيرت تفضيلات السوريين في الإنفاق أيضا. فالذهب كان دائما احتياطيا للقيمة، لكن الانخفاض المستمر في أسعاره جعل بعض الأفراد يفكرون في استثمار أموالهم بشكل مختلف. وهنا تبرز علاقة الأمور بالموضوع الثاني؛ نفوق أفواج الفروج.

هذان الموضوعان المتقاربان في الزمن والمتباعدان في المكان، كان لهما حلقة وصل وفق ما حصل عليه “الحل نت” من معلومات حصرية، حيث أقبل معظم الصناعيين على شراء الذهب بعد ارتفاع الأسعار وهبوط الليرة عقب إصدار الحكومة  السورية الأربعاء الفائت سلسلة قرارات من ضمنها رفع الدعم عن البنزين وزيادة أسعار المحروقات. 

تحوّل التجار والصناعيين نحو شراء الذهب لعدم خسارة قيمة الأموال التي لديهم أثّر بدوره على صناعة الفروج في سوريا، فأحد المجموعات المنضمة لشراء الذهب كان مربّو الدواجن، حيث عزفوا عن إكمال مشاريع تربية الدواجن كونها لن تنتج لهم أرباحا بعد غلاء الأسعار الأخير.

سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطا في السوق المحلية انخفض إلى 9 آلاف ليرة سورية عن السعر الذي سجله، واستقر عليه منذ يوم السبت الماضي. وحسب النشرة الصادرة عن “الجمعية الحرفية للصياغة وصنع المجوهرات والأحجار الكريمة” بدمشق اليوم سجل غرام الذهب عيار 21 سعر مبيع 756 ألف ليرة، وسعر شراء 755 ألف ليرة، بينما بلغ الغرام عيار 18 سعر مبيع 648 ألف ليرة، وشراء 647 ألف ليرة.

الجمعية حددت سعر مبيع الأونصة عيار 995 بـ 28 مليونا و100 ألف ليرة، وسعر مبيع الليرة الذهبية عيار 21 بـ 6 ملايين و550 ألف ليرة. وكان سعر غرام الذهب عيار 21 ارتفع يوم السبت الماضي 30 ألف ليرة سورية عن السعر الذي سجله يوم الخميس الماضي.

ما حصل عليه “الحل نت” من معلومات، يؤكد ما ذكره عضو لجنة مربي الدواجن حكمت حداد، عبر إذاعة “أرابيسك” المحلية، أمس الثلاثاء، بأن 80 بالمئة من أفواج الفروج في بعض المداجن نُفقت  وبخسائر تقدّر بمئات الملايين، وبالنسبة للطيور الموجودة حاليا فهي تأكل فقط مايكفيها لتبقى على قيد الحياة، بالتالي لا تزيد أوزانها.

مستقبل صناعة الدواجن السورية في خطر!

كلفة كيلو الفروج الحي بلغت أكثر من 24 ألف ليرة، حيث يحتاج الفروج  4 كيلو علف ليصبح وزنه كيلين، أي يُكلِّف 40 ألف ليرة ثمن علف فقط، علما أن طن الصويا أصبح بـ 12 مليون و500 ألف ليرة سورية.وبسبب الحر انخفض انتاج دجاج البياض وحجم البيضة، علما أن سعر صحن البيض حجم كبير من أرض المدجنة 40 ألف ليرة. 

صناعة الدواجن في سوريا هي صناعة حيوية ومهمة، لأنها تؤمن لحم الفروج والبيض للسوق المحلي، وتصدر جزءا من إنتاجها للخارج، وتوفّر فرص عمل لآلاف الأُسر. ولكن هذه الصناعة رغم معاناتها منذ سنوات من العديد من المشكلات والتحديات، التي أثرت سلبا على قدرتها على الإنتاج والتنافس إلا أنها اليوم وصلت إلى مرحلة خطيرة.

خلال الفترة السابقة لم تتخذ الحكومة أية إجراءات تجاه ارتفاع تكاليف الإنتاج، بسبب غلاء الأعلاف والأدوية والطاقة والماء، وانخفاض قوة الشراء للمستهلكين، بسبب التضخم وانخفاض قيمة العملة، وانقطاع التيار الكهربائي، ما أدى إلى نفوق أفواج كبيرة من الفروج، بسبب موجات الحر والأمراض والإهمال.

أيضا ضعف الإشراف والرقابة على صحة وجودة المنتجات، وانتشار تهريب المنتجات المستوردة بأسعار منخفضة، فضلا عن نقص في التمويل والدعم والتشجيع للمزارعين، أدت إلى خسائر متلاحقة لصناعة الدواجن في سوريا، وانخفاض في إنتاجها وجودتها، وزيادة في أسعارها. 

كما أثرت على حالة التغذية والصحة للسوريين، خصوصا محدودي الدخل. وهذا يبرهن على تشكّل خطرٍ على مستقبل هذه الصناعة، التي قد تواجه خطر الاندثار أو التدهور في ظل استمرار عدم وجود استراتيجية شاملة ومتكاملة لإنقاذ صناعة الدواجن في البلاد، وتطويرها وتحسينها.

الذهب يؤدي إلى أزمة غذائية في سوريا

الاقتصاد السوري بات يواجه تحديات كبيرة ومعقدة نتيجة لتداعيات السياسات الاقتصادية للحكومة، من بين هذه التحديات، تبرز قضية إقبال الصناعيين والتجار على شراء الذهب والعزوف عن ممارسة الدورة الاقتصادية وتغذية الأسواق كأمور تتصاعد في الاهتمام والتأثير. وقد أثارت هذه الظاهرة مخاوفا من وقوع أزمة غذائية في سوريا.

إقبال الصناعيين والتجار على شراء الذهب يعكس التحديات التي تواجه العملة المحلية والأوضاع الاقتصادية العامة. وقد ينجذب هؤلاء إلى الذهب كوسيلة للحفاظ على قيمة أموالهم في ظل التقلبات الاقتصادية وتدهور العملة. وهذا الاهتمام الزائد بشراء الذهب يمكن أن يؤدي إلى تقليل التمويل المتاح للأنشطة الاقتصادية الأخرى، مما يؤثر على الدورة الاقتصادية بشكل عام.

من ناحية أخرى، فإن العزوف عن ممارسة الدورة الاقتصادية وتغذية الأسواق نتيجة شحّ في الموارد والتحديات اللوجستية والاقتصادية التي تواجه الأعمال والصناعات. وقد يكون الاهتمام بشراء الذهب واستثمارات أخرى هو جزء من الاستجابة لتلك التحديات، مما يتسبب في تقليل القدرة على تزويد الأسواق بالمواد والسلع الأساسية.

من هذه الوقائع ينبع القلق من وقوع أزمة غذائية في سوريا. فإذا لم تتمكن الأسواق من تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين نتيجة لقلة المعروض وارتفاع الأسعار، فقد تتفاقم المشكلة إلى مستويات غير مسبوقة من عدم الأمن الغذائي. يمكن أن يؤدي هذا إلى تأثيرات سلبية على الصحة العامة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

في النهاية، يظهر تفاقم مشكلة إقبال الصناعيين والتجار على شراء الذهب، تراجع ممارسة الدورة الاقتصادية وتغذية الأسواق الضرورة الملحّة لاتخاذ إجراءات حازمة لتنشيط الاقتصاد وضمان توفير المواد الأساسية للمواطنين. ومن خلال عدم وجود سياسات اقتصادية محكمة وتشجيع الاستثمار في القطاعات الحيوية، لا يمكن تقليل التوترات والحد من التأثيرات السلبية المحتملة، وتحقيق استقرار أكبر في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات