في خضم أزمة الطاقة العالمية، تسعى تركيا إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية، وتحديدا في مجال الطاقة والغاز، خاصة وأن تركيا تواجه أسوأ أزمة اقتصادية، ووصل معدل التضخم فيه إلى أعلى مستوياته منذ 24 عاما، وبالتالي أنقرة تحاول تحقيق الاستقرار في الاقتصاد المضطرب قبل الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، بأي شكل من الأشكال.

من استئناف التنقيب عن المواد الهيدروكربونية بشرق البحر المتوسط مؤخرا، إلى التوقيع مع الحكومة الليبية في طرابلس على اتفاق مبدئي للتنقيب عن الطاقة والغاز والنفط، يوم أمس الإثنين، وهذا الأمر قوبل برفض من قِبل كل من مصر واليونان، واتفق البلدان على التنسيق بينهما للرد على هذه التصرفات. كما رفض مجلس النواب، الذي يتخذ من شرق ليبيا مقرا له، والذي يدعم إدارة بديلة، الاتفاق التركي الليبي بشأن التنقيب عن الطاقة.

الاتفاق التركي الليبي

في السياق ذاته، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ووزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، في مؤتمر صحفي في طرابلس، إن الصفقة واحدة من عدة اتفاقات ضمن مذكرة تفاهم حول قضايا اقتصادية تهدف إلى استفادة البلدين.

وأردف جاويش أوغلو: “اتفاقية الهيدروكربونات الموقّعة توّاً تهدف إلى إقامة تعاون بين الشركات التركية والليبية في الاستكشاف والتنقيب، وذلك وفق مفهوم الربح المتبادل في البر والبحر وفي مناطق الصلاحية البحرية”.

وتابع جاويش أوغلو، في تصريح نقلته وكالة الأناضول: “قد يحصل سوء فهم بخصوص اتفاقية مناطق الصلاحية البحرية، هذه اتفاقية موقعة بين بلدين ذوي سيادة وسارية المفعول. وعلاوة على ذلك، فقد أبلغت تركيا وليبيا، الأمم المتحدة بتوقيع الاتفاقية، وسجلنا حدود جرفنا القاري لدى الأمم المتحدة، والآن على ليبيا تحديد جرفها القاري ومناطق الصلاحية البحرية خاصتها وتسجيلها لدى الأمم المتحدة”.

مراسم التوقيع على اتفاقية بين ليبيا وتركيا لتطوير استكشاف وإنتاج النفط والغاز “وكالة الأنباء الليبية”

في حين لم يتضح على الفور ما إذا كانت ستظهر أي مشروعات في الواقع تتضمن أعمال تنقيب في “المنطقة الاقتصادية الخالصة”، التي اتفقت عليها تركيا وحكومة سابقة في طرابلس في عام 2019، الأمر الذي أثار غضب دول شرق البحر المتوسط الأخرى، وفق وكالة “رويترز”.

من منظور تلك المنطقة الاقتصادية الخالصة، يشترك البلدان في حدود بحرية، وهو ما رفضته اليونان وقبرص، وانتقدته مصر وإسرائيل.

قد يهمك: أنظمة سياسية ضعيفة في إيران وروسيا لهذا السبب!

رفض مصري ويوناني

إزاء هذه الاتفاقية، رفضت مصر واليونان، توقيع حكومة الوحدة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، منتهية الولاية في ليبيا مذكرة تفاهم مع تركيا في مجال الموارد الهيدروكربونية، للقيام بالاستكشاف والتنقيب عن الغاز والنفط.

وأفادت وزارة الخارجية المصرية في بيان رسمي، إن الوزير سامح شكري ونظيره اليوناني نيكوس ديندياس، أكدا أن “حكومة الوحدة” المنتهية ولايتها في طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية.

بدورها، قالت اليونان في بيان أصدرته وزارة خارجيتها، “إن لدينا حقوقا سيادية في المنطقة ننوي الدفاع عنها بكل الوسائل، وما تم توقيعه في طرابلس أمر واقع وغير قانوني وخطير، وسيكون له ردّ فعل على مستوى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو”.

الصورة ارشيفية وهي لوزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس مع نظيره المصري سامح شكري- “رويترز”

هذا وشدد وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس في تغريدة على منصة “تويتر”، على أنه ونظيره المصري سامح شكري، يعتبران حكومة طرابلس فاقدة للشرعية التي تخولها توقيع اتفاق كهذا. وكشف ديندياس، أنه سيتوجه إلى القاهرة الأحد لإجراء “مشاورات” حول هذا الملف.

كذلك، أثارت مذكرة التفاهم التي تسمح لتركيا التنقيب عن الموارد برا وبحرا، وتمنح شركاتها الأحقية في استخراج أي ثروات ونقلها وتكريرها وبيعها الكثير من ردود الفعل الرافضة.

قد يهمك: تدهور العلاقات الصينية اليابانية.. الأسباب والنتائج

رفض ليبي

في المقابل، أدان (90) عضوا بمجلس البرلمان الليبي توقيع مذكرات تفاهم غامضة بين الحكومة منتهية الولاية وتركيا، ولفت البرلمانيون في بيان نقلته قناة “ليبيا الحدث”، إلى أن الاتفاق السياسي يحظّر على الحكومة توقيع أي اتفاقيات أو معاهدات خلال المرحلة التمهيدية، وما قامت به لا يحمل الدولة الليبية أي التزامات حالية أو مستقبلية، باعتبارها تمت مع طرف غير ذي صفة رسمية.

إلى جانب رفض المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، إقدام حكومة “الوحدة” المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على توقيع أي اتفاقيات أو مذكرات تفاهم، لأنها منتهية الصلاحية.

وبيّن صالح، في تصريحات إعلامية، أن “توقيع الاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم الدولية يتم من خلال رئيس الدولة، أو البرلمان”، مشيرا إلى أن التعامل مع الحكومة في ليبيا يكون عبر الحكومة الشرعية التي نالت ثقة البرلمان، وهي حكومة فتحي باشاغا.

في حين أفاد المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، يوم أمس الإثنين، إن رئيس مجلس النواب أكد على أن “أي اتفاقية أو معاهدة أو مذكرة تفاهم، يتم إبرامها من رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية مرفوضة وغير قانونية، وغير ملزمة لدولة ليبيا”، منوّها إلى “انعدام أي إجراء تتخذه حكومته منذ انتهاء ولايتها في 24 كانون الأول/ديسمبر 2021”.

رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا، من جانبه أعرب عن “رفضه الشديد” لتوقيع حكومة الدبيبة، اتفاقات أو التزامات على الدولة الليبية لكونها “منتهية الولاية”؛ مشددا على “حق الدولة الليبية في التفاوض مع جميع دول العالم وتوقيع المذكرات والاتفاقيات، بما يخدم مصلحة الشعب الليبي، وأن الاتفاقيات هي حق أصيل لسلطة منتخبة من الشعب الليبي بشكل مباشر، وتعبّر عن إرادته وسيادة قراره فوق أرضه”.

رئيس الحكومة الليبية، فتحي باشاغا “إنترنت”

وقالت حكومة باشاغا في بيان، إنها ستبدأ التشاور المباشر مع الشركاء الوطنيين والإقليميين والدوليين، للرد بشكل مناسب على هذه التجاوزات التي تهدد مصلحة الأمن والسلم في ليبيا والمنطقة. كما ونبّهت إلى حقها في اللجوء للقضاء من أجل وقف الاتفاقية، طبقا للبيان.

في غضون ذلك، أعلن (73) عضوا من أعضاء مجلس الدولة الاستشاري في بيان لهم نقلته صحيفة “المرصد الليبي”، رفضهم لمذكرة التفاهم النفطية بين تركيا وحكومة الدبيبة، معتبرين أنها “غامضة وتفرض سياسة أمر واقع وانتهازية من الأتراك”، داعين البرلمان والرئاسي وكل القوى لرفضها.

قد يهمك: مئات ملايين الدولارات لبكين مهددة بالضياع.. استراتيجيات فاشلة للنفوذ الصيني؟

كيف ردت تركيا؟

في سياق متّصل، وردا على سؤال حول ما إذا كانت الدول الأخرى قد تعترض على مذكرة التفاهم الجديدة، قال جاويش أوغلو، “لا يهمنا ما يفكرون فيه”. وأضاف أن “الدول الأخرى ليس لها الحق في التدخل”.

وأبرمت أنقرة اتفاقية تعاون عسكري وأمني واتفاق ترسيم بحري، في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 مع حكومة الوفاق الوطني السابقة ومقرّها طرابلس. وفي آب/أغسطس 2020، ردت مصر واليونان على الخطوة باتفاق لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط.

ويسمح الاتفاق البحري لأنقرة بتأكيد حقوقها في مناطق واسعة شرق البحر المتوسط، وهو ما يثير استياء اليونان والاتحاد الأوروبي. في المقابل، ساعدت تركيا عسكريا حكومة طرابلس السابقة في صد هجوم منتصف عام 2020 على العاصمة شنه اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

كذلك، وفي نهاية 2020، وافق البرلمان التركي على اقتراح بتمديد الإذن بنشر الجيش في ليبيا لمدة 18 شهرا، حيث تواصل أنقرة ممارسة نفوذ كبيرة في جميع أنحاء الجزء الغربي.

يُذكر أن تركيا داعم كبير لحكومة الوحدة الوطنية، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، والتي يطعن البرلمان الليبي في شرعيته.

والجدير ذكره، أنه في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وقّعت حكومة طرابلس السابقة مذكرة أمنية مع أنقرة. لم يكشف أي من الجانبين، حتى الآن، عن تفاصيل الصفقة، لكنه منح تركيا بشكل أساسي الحق في إرسال قوات إلى ليبيا للتدريب ومهام أخرى.

كما أن البرلمان التركي بدوره صوت في 2 كانون الثاني/يناير 2020، على السماح بالانتشار العسكري للقوات في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا. ومع ذلك، لم ترسل أنقرة قوات نظامية فحسب، بل أرسلت آلاف المقاتلين السوريين من مختلف الجماعات المسلحة السورية الموالية لتركيا.

في حين أدى الجمود السياسي حول السيطرة على الحكومة إلى إحباط جهود إجراء انتخابات وطنية في ليبيا، وأثار مخاوف من عودة البلاد إلى الصراع. وتتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا منذ آذار/مارس الفائت، الأولى هي حكومة طرابلس التي تأسست عام 2021 كجزء من عملية سلام برعاية الأمم المتحدة، والثانية يقودها وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا وبدعم من جانب حفتر.

قد يهمك: الفساد في مناقصات المقاولات الحكومية بالعراق.. الأسباب والنتائج

مطامع تركيا

قبل نحو شهرين، استأنفت تركيا عمليات التنقيب عن المواد الهيدروكربونية في شرق البحر المتوسط، بعد توقف دام عامين. كما وتتأهب سفينة التنقيب التركية الكبرى “عبد الحميد خان” للإبحار من أجل التنقيب عن الطاقة في البحر المتوسط بعد مراسم حضرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وآنذاك ألقى أردوغان كلمة خلال الحفل بميناء طاش أوجو، بولاية مرسين (جنوب)، وقال: “في مجال البحث عن الطاقة نحن موجودون بـ4 سفن تنقيب وسفينتي مسح جيولوجي، ونخطط لوضع الغاز الطبيعي الذي نعمل على استخراجه من الآبار العشر بالبحر الأسود في خدمة مواطنينا عام 2023”.

وتابع أردوغان “عمليات التنقيب التي أجريناها في البحر المتوسط كانت ضمن مناطق سيادتنا، لهذا لسنا بحاجة إلى إذن من أحد. وسنودع سفينة “خان”، لتتوجه إلى بئر يوروكلر-1 على بعد 55 كيلومترا قبالة سواحل مدينة غازي باشا في أنطاليا”.

بيّن أردوغان، أن بئر “يوروكلر-1” هو الخطوة الأولى ضمن خطة أعمال تركية شاملة في شرق المتوسط، معتبرا سفينة “عبد الحميد خان”، للتنقيب رمزا لرؤية تركيا الجديدة في مجال الطاقة.

كما وأعلنت تركيا إخطار “نافتكس”، بشأن المنطقة التي ستعمل فيها سفينة التنقيب “عبد الحميد خان”. و”نافتكس” اختصار لمصطلح “الرسائل النصية البحرية”، وهو جهاز يرسل إشعارات دولية للبحارة من أجل التنبيه والتواصل مع السفن في عرض البحر.

وهذه الخطوة أدت إلى تصاعد حدة التوتر بين تركيا واليونان مجددا، مع اتهام أردوغان، أثينا بنشر أسلحة في جزر ببحر إيجة تتمتع بوضع منطقة منزوعة السلاح، في حين ترفض أثينا الاتهامات.

وجعلت اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط خلال العقد الماضي المنطقة مصدرا بديلا للطاقة لأوروبا، لكنها، كشفت أيضا عن خلافات بين الجيران في المنطقة حول الحقوق المتعلقة بالموارد.

وقال غيانيس أويكونومو -المتحدث باسم الحكومة اليونانية- للصحفيين، آنذاك، إن أثينا تراقب الوضع عن كثب، مضيفا: “نحن بحاجة إلى توخي اليقظة، لقد فعلنا دائما ما يتعين علينا القيام به لتحقيق الاستقرار في منطقتنا والدفاع الكامل عن القانون الدولي وحقوقنا السيادية”.

هذا ولم ترسل تركيا سفينة تنقيب إلى شرق البحر المتوسط منذ سحب السفينة “يافوز”، من المياه المتنازع عليها في أيلول/سبتمبر 2020. وتعمل سفن التنقيب “يافوز” و”فاتح” و”القانوني”، في البحر الأسود، حيث اكتشفت تركيا احتياطات من الغاز الطبيعي بحجم 540 مليار متر مكعب.

وتعتمد تركيا بشكل شبه كامل على الواردات لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وأدى ارتفاع أسعار الطاقة العالمية إلى تعثر خطة الحكومة لتحويل عجز حساب المعاملات الجارية إلى فائض، الأمر الذي دفع بأردوغان، إلى توثيق العلاقات المالية مع روسيا. فبعد توقف توريد الغاز الروسي إلى أوروبا، أعلن الكرملين، أن تركيا ستدفع 25 بالمئة، من مدفوعات الغاز الروسي بالروبل.

أردوغان: عمليات التنقيب التي أجريناها في البحر المتوسط كانت ضمن مناطق سيادتنا، ولسنا بحاجة إلى إذن من أحد “الأناضول”

كما وكشف مسؤولون أتراك، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، لموقع “بلومبرغ”، أن “أردوغان سعى خلال اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أوزبكستان، في وقت سابق، للحصول على خصم بنسبة 25 بالمئة، على أسعار الغاز الطبيعي، واتفاق يمكن لتركيا أن تدفع جزءا من فاتورتها بالليرة التركية”.

مسؤولون أتراك أضافوا لـ”بلومبرغ“، من بين أهداف أردوغان، تخفيض الأسعار، والدفع بالليرة مقابل واردات الطاقة. ومن المقرر أن تتجاوز فاتورة الغاز الطبيعي لتركيا 50 مليار دولار، هذا العام وروسيا هي أكبر مورّد لها للطاقة.

كبار المسؤولين الأتراك المطّلعين على الأمر، لم يؤكدوا على موقف موسكو الحديث عن تخفيضات على أسعار الغاز لتركيا. من جانبه، رد بوتين، مؤخرا، إن اتفاقا سابقا مع أنقرة لدفع ربع وارداتها من الغاز بالروبل، سيدخل حيز التنفيذ قريبا، ولم يشر بوتين إلى تلقي مدفوعات بالليرة أو تقديم خصم.

لكن، الكرملين، أعلن أن تركيا ستدفع 25 بالمئة، من مدفوعات الغاز الروسي بالروبل، وجاء ذلك بعد لقاء جمع أردوغان، مع نظيره الروسي بوتين، على هامش اجتماع منظمة “شنغهاي للتعاون”، بمدينة “سمرقند”، في أوزبكستان.

وعليه، فإن هذه الاتفاقية الغامضة، التي قوبلت برفض كبير من عدة جهات، إذا تم تنفيذها واستفادت تركيا من موارد ليبيا بشكل غير قانوني ومنطقي، فهذا الأمر قد يزيد من التوتر بين مصر واليونان الرافضين لهذه الاتفاقية، وتركيا والحكومة الليبية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، كما إنه غير مُستبعد أن يتسبب هذا الأمر في اشتباكات وتوترات عسكرية داخل ليبيا، خاصة أن المواجهات العسكرية بين الحكومتين في ليبيا تجري بين حين وآخر.

قد يهمك: تفجر الأوضاع في اليمن بعد هدنة نصف سنوية.. ما التبعات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.