التمدد الإيراني في وسط سوريا، وفي محافظة حمص وريفها الشرقي بشكل خاص من أهم ما تقوم به إيران في سوريا على الصعيد العسكري، حيث تعتبر بلدات الريف الشرقي على الخط الواصل من مدينة حمص وحتى تدمر والبادية، مهيأة من ناحية البنية التحتية للتموضع العسكري بمختلف أنواع الأسلحة، سواء برية أو جوية.

وتعتبر منطقة مهين، بريف حمص الشرقي من المناطق الاستراتيجية عسكريا، نظرا لاحتوائها على أكبر مستودعات عسكرية محصّنة للجيش السوري في سوريا، والتي باتت تخضع “للحرس الثوري” الإيراني، إضافة إلى الاهتمام الإيراني بمطار تدمر العسكري، لقربه من خطوط الإمداد القادمة عبر معبر البوكمال في دير الزور، حيث عززت قواتها فيه مؤخرا بطائرات مسيرة، تشير المعلومات أنها ستعمل على حماية قوافل الإمداد من أي هجمات برية خلال عبورها البادية السورية.

تحركات إيرانية مستمرة

تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، اليوم الأربعاء، نقل عن “المرصد السوري”، أن إيران والميليشيات التابعة لها تواصل فرض هيمنتها المطلقة في مناطق نفوذ الحكومة السورية، وتتغلغل في عمق البلاد، غير آبهة بأحد، مشيرا إلى أن لا الاستهدافات الجوية المتكررة من قبل إسرائيل أو التحالف الدولي يعيق من تواجدها ويحد منه، ولا حربها الباردة مع الروس، ولا أي شيء من هذا القبيل استطاع إعاقة تحركاتها.

قاعدة إيرانية في مهين بريف حمص “وكالات”

وأضاف التقرير، أن معظم المناطق السورية تشهد تحركات يومية للإيرانيين والميليشيات التابعة لها، مشيرا إلى سعي متواصل لترسيخ وجودها بأساليب عدة، وخطة ممنهجة لتغيير ديمغرافية المناطق.

الصحفي السوري، عقبة محمد، يوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الاستهدافات الجوية الإسرائيلية لا يمكن ضمن الظروف الحالية أن تشمل كل الأهداف الإيرانية في سوريا، كما أن إيران تعتمد على العنصر البشري بشكل كبير ولديها أعداد كبيرة من المرتزقة سواء من الأفغان أو العراقيين وحتى من باكستان وسوريا، ولا مانع لديها من خسارة أعداد منهم في مقابل تحقيقها للتمدد الذي تسعى إليه.

إقرأ:أسلحة حوثية إلى السودان.. إيران نحو النفوذ الأفريقي؟

هل سيكون هناك تصعيد في بادية حمص؟

بحسب “الشرق الأوسط”، فقد كان هناك تصاعد كبير للتحركات العسكرية لميليشيات إيران في بادية حمص بوسط سوريا خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي، موضحة أن مناطق نفوذ الميليشيات الإيرانية في محافظة حمص وباديتها تحديدا، شهدت تحركات عسكرية مكثفة خلال الشهر الماضي، حيث وصلت تعزيزات عسكرية لميليشيا “حزب الله” اللبناني، إلى مدينة مهين بريف حمص الشرقي. وأضافت أن هذه التعزيزات تتألف من 5 سيارات دفع رباعي عليها رشاشات ثقيلة، إضافة إلى عدد من العناصر، مشيرة إلى أن القوات الجديدة استقرت في منطقة بمحيط مدينة مهين.

تأتي هذه الخطوة الإيرانية، غداة إقرار اسرائيلي نادر بتنفيذ ضربات في سوريا، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، أن بلاده تشن هجمات في سوريا من أجل حماية أراضيها وصد الخطر عنها، وشدد بحسب تقارير صحفية اطلع عليها “الحل نت”، على أن تل أبيب لن تسمح لطهران باستخدام سوريا قاعدة لتزويد “حزب الله” بالأسلحة.

تطورات في بادية حمص تثير التساؤل، حول إمكانية حدوث تصعيد في هذه المنطقة من قِبل إسرائيل في استهدافها للإيرانيين.

عقبة محمد، يرى أن التحركات الإيرانية في بادية حمص مقصودة من قبل إيران، لأسباب متعددة أبرزها، أن هذه المنطقة واسعة جغرافيا كما أنها تحتوي على العديد من القطع العسكرية الكبيرة وعلى رأسها الفرقة 11، والفرقة 18 دبابات، في منطقة “الفرقلس” على طريق تدمر، إضافة لوجود عدد من ألوية الدفاع الجوي من بينها الفوج 75 في منطقة “مسكنة”، واللواء رقم 136 في مطار “الشعيرات” العسكري، والذي سبق وأن استهدفته الولايات المتحدة بالقصف في العام 2018، بعد الهجوم الكيماوي على خان شيخون.

بحسب محمد، فإن إيران تستغل كل هذه المواقع العسكرية لتدريب عناصر جدد، وتخزين السلاح وخاصة الصواريخ في مستودعات “مهين” المحصّنة، ولكن بعد هذه التحركات فمن المتوقع ألا تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي، ومن الطبيعي أنها سوف تستهدف هذه المقرات خلال المرحلة القادمة، على الرغم أنها سابقا كانت خارج نطاق أهدافها حيث كان التركيز العسكري الإسرائيلي في محيط دمشق والمطارات في دمشق وحلب، ولكن مع التحركات الأخيرة فقد بدأت إسرائيل تستشعر خطر التواجد الإيراني في هذه المناطق.

ولفت محمد، إلى أن الهجمات الإسرائيلية من الممكن أن تتخذ شكلا مختلفا خلال المرحلة القادمة نظرا للكثافة العسكرية في هذه المنطقة، وخاصة باستخدام الطائرات المقاتلة نظرا لبعد هذه المنطقة عن الحدود اللبنانية، ما يعني أن الطائرات الإسرائيلية لا بد أن تعبر الأجواء السورية لقصف هذه المواقع، وهذا ما يرشح أن يكون التصعيد أكبر، وربما يكون هناك رد إيراني ضد الطائرات الإسرائيلية نفسها.

إلى أين يتجه التصعيد الإيراني الإسرائيلي وما أهمية تدمر؟

بحسب “الشرق الأوسط”، نقلت ميليشيا “فاطميون” الأفغانية، في الرابع من الشهر الماضي عددا من الطائرات المسيّرة الموجودة في عدة مواقع بمحيط مدينة تدمر الأثرية، إلى مطار تدمر العسكري بريف حمص الشرقي، حيث قامت بتخزين الطائرات  داخل عدد من الحضائر المحصنة، وبدأت، تحت إشراف ضباط من “الحرس الثوري” الإيراني، بتدريب عدد من عناصرها على كيفية استخدامها ضمن مطار تدمر العسكري.

كما وصل عدد من عناصر “حزب الله السوري”، و”حزب الله اللبناني”، في وقت سابق من الشهر الماضي إلى مدينة تدمر، كما وصلت قوات من “لواء فاطميون” الأفغاني، وميليشيا “حزب الله العراقي”، إلى منطقة تقع بين قرية آرك وحقل آرك للغاز، على بعد نحو 35 كيلو مترا من مدينة تدمر، قرب أوتستراد تدمر – دير الزور، وذلك بغية حماية الحقل من هجمات واستهدافات محتملة قد تنفذها خلايا تنظيم “داعش”.

كما افتتح “الحرس الثوري” الإيراني، مركزا خاصا بالمعلومات والتوثيق “مركز استخبارات”، في أحد المقرات القريبة من مستشفى تدمر الوطني، بهدف جمع معلومات عن الجهات المعادية لهم، ويعتبر المركز مرجعية لكافة الميليشيات الإيرانية التي تنتشر في ريف حمص الشرقي.

ولكن بحسب مصادر دبلوماسية، فإن اعادة التموضع الإيرانية في سوريا، ليست صدفة أو خطوة موضعية، فهي حصلت إثر تأكد إيران بأن الخلافات الدولية، الروسية – الأميركية بشكل خاص، مشيرة إلى أن هناك اتفاق إقليمي ودولي يضم كلا من، الأميركيين والروس والأوروبيين ومعهم العرب وأيضا اسرائيل، يؤكد بأن تمدد النفوذ الإيراني نحو سوريا من المحرمات ولا يمكن ان يستمر.

وأشارت المصادر إلى أن الكرملين والاتحاد الأوروبي، أبلغوا إيران أنه لا بد لها من الخروج من سوريا وإلا سوف تستمر الضربات الإسرائيلية وبشكل مكثف، ولافتة في الوقت نفسه إلى أن انسحاب إيران من سوريا أمر مستبعد، ولكنه مرهون بمفاوضات الملف النووي الإيراني.

وفي هذا السياق يرى عقبة محمد، أن التصعيد الإسرائيلي ضد إيران في سوريا، مستمر بكل حال كما كان خلال السنوات السابقة، وهو تصعيد غير محدد بوقت أو مكان، فإسرائيل تمتلك الضوء الأخضر من أميركا وروسيا باتفاق بينهم منذ العام 2018، لاستهداف المواقع الإيرانية على كامل الجغرافية السورية.

وأشار محمد، إلى أن ما سينتج في المستقبل حول الملف النووي الإيراني، سيكون نقطة فاصلة في التعامل من قبل إسرائيل وحتى حلفائها مع إيران في سوريا، وليس من المستبعد في حال فشل الاتفاق أن تشن إسرائيل حربا مفتوحة على إيران في سوريا بدعم من حلفائها، لإجبارها على الانسحاب من سوريا على الرغم من صعوبة هذا الأمر نظرا لأن التغلغل الإيراني لا يشمل الجانب العسكري فقط، إنما تعدّاه إلى جوانب اقتصادية واجتماعية لا تقل خطورة.

وحول التحركات الإيرانية الأخيرة في منطقة تدمر، أوضح محمد، أن إيران تهدف إلى حماية قوافل السلاح والإمداد القادمة عبر العراق، والتي تمر عبر النقاط التالية، البوكمال- الجلاء في دير الزور- البادية السورية عبر السخنة- تدمر – ومن ثم إلى ريف حمص الشرقي ومناطق أخرى في سوريا، وعادة ما تتعرض قوافلها لهجمات مجهولة تتهم إيران بها “داعش”، ولذلك قامت بجلب الطائرات المسيّرة لتتمكن من مراقبة محيط القوافل أثناء تحركها ما يسهل عليها حمايتها.

التصعيد منذ سنوات

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن القصف الإسرائيلي المتكرر على مختلف المواقع الإيرانية، يعطي مؤشرا بحسب مراقبين على أن إسرائيل ماضية في تصعيدها ضد النفوذ الإيراني في سوريا.

الدكتور سمير صالحة، أستاذ العلاقات الدولية، بين في حديث سابق لـ”الحل نت”، أن الاستهداف الإسرائيلي ضد القوات الإيرانية والميليشيات المحسوبة عليها في سوريا، مستمر منذ سنوات، فإسرائيل تعمل بكل الوسائل الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، لتضييق الخناق على إسرائيل في سوريا، وهذا مرتبط بمصالح إسرائيل وحساباتها الإقليمية.

وأضاف صالحة، أن الاستهدافات الإسرائيلية لإيران في سوريا تأتي في إطار لعبة المصالح والاصطفافات الإقليمية الجديدة خاصة بالنسبة لإسرائيل، والتي بدأت تحسّن علاقاتها وتطبع مع بعض العواصم في المنطقة، لذلك فالشق الإيراني مهم في هذا التحول في سياسيات إسرائيل الإقليمية.

وأيضا حول مضي إسرائيل في توسيع عملياتها ضد إيران، أكد الباحث في الشأن الروسي، طه عبد الواحد، خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن احتمال توسيع المواجهة بين إسرائيل وإيران، على الأراضي السورية قائم منذ الساعات الأولى لدخول الإيرانيين وميلشياتهم الطائفية إلى سوريا، وتوسيع نشاطهم في المناطق الحدودية مع الجولان السوري، لافتا إلى أنه من الممكن أن تُقدم إسرائيل على شن حرب واسعة النطاق في سوريا ضد إيران وبدعم من حلفائها، إذا كان هذا الحل هو الوحيد للحفاظ على أمنها.

مرحلة جديدة بدأت نهاية آب/أغسطس الماضي

في نهاية آب/أغسطس الماضي، استهدف قصف صاروخي إسرائيلي، مواقع في محيط مدينتي حماة وطرطوس في غرب سوريا، في مناطق طريق وادي العيون غرب مصياف ومنطقة البحوث العلمية، ومنطقة السويدة جنوب شرقي مصياف ومنطقة الجليمة أيضا، حيث توجد مقار ومواقع عسكرية ومستودعات للأسلحة والذخائر تابعة للميليشيات الإيرانية، وجرى تدمير أسلحة وذخائر، بينما اندلعت النيران بمناطق في ريف مصياف على خلفية القصف الإسرائيلي وصواريخ الدفاع التي حاولت التصدي للهجوم الجوي.

الاستهداف الإسرائيلي في محيط طرطوس التي تُعتبر قاعدة لروسيا، يعتبر مؤشرا بارزا، إزاء ما يتعلق بطبيعة الغارات الإسرائيلية على المناطق السورية، والمرحلة الجديدة من التصعيد فالجانب الروسي لم يعلق على الغارتين؛ في الوقت الذي زادت إسرائيل من تصعيدها ويفترض أنها تراعي عدم الاحتكاك مع الروس، ورسخ القصف الذي وقع مؤخرا على مطار حلب فرضية التحول إلى مرحلة جديدة في التصعيد.

سمير صالحة، أكد أن هذه المرحلة من التصعيد بدأت بالفعل، وهي ترتبط بأمرين مهمين، الأول نتائج المباحثات الخاصة بالملف النووي الإيراني، والثاني تصريحات أميركية في نهاية آب/أغسطس الماضي، بأن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وهذا التصريح يعتبر بمثابة تعهد لإسرائيل ولدول أخرى في المنطقة.

ولفت صالحة، إلى أنه لدى الولايات المتحدة فرصة مهمة لحسم الملف النووي الإيراني، وبعد ذلك ستكون قادرة على تضييق الخناق على القرار الإيراني، وهذا ما سيؤدي للتأثير على المشهد العسكري المتعلق بالتواجد الإيراني في سوريا، وهو ما سيؤثر أيضا على الكيفية التي ستستمر إسرائيل بها باستهداف إيران في سوريا.

لإسرائيل الحرية باستهداف إيران

خلال اجتماع رؤساء مجالس الأمن القومي لروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، في صيف عام 2018، تم الاتفاق بين الأطراف الثلاثة على أن أمن إسرائيل أولوية قصوى بالنسبة لهم، ومنذ ذلك الوقت أُعطيت إسرائيل الضوء لاستهداف المواقع والتحركات الإيرانية في سوريا.

آثار قصف إسرائيلي على مواقع إيرانية بسوريا “وكالات”

وبناء على هذا الاتفاق، فإن الضوء الأخضر الممنوح لإسرائيل بضرب المواقع الإيرانية في سوريا لا يستثني أي منطقة، حتى تلك المناطق التي تعتبر مناطقا للنفوذ الروسي وعلى رأسها طرطوس، لكن ضمن آلية يتم فيها إبلاغ الروس بشكل مسبق، وعدم الاحتكاك بهم في هذه الضربات.

وفي هذا السياق، أوضح الباحث في الشأن الروسي، ديمتري بريجع، خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن استهداف إسرائيل لمناطق تواجد الإيرانيين في سوريا هي رسالة واضحة من الإسرائيليين لإيران، أنها سوف تستهدفها في أي بقعة يتواجدون فيها في سوريا حتى لو كانت خاضعة للنفوذ الروسي.

وأشار بريجع، إلى أن استمرار الغارات الإسرائيلية ضد الإيرانيين، وعدم رد الروس عليها أيضا رسالة روسية ضمنية على عدم رغبة روسيا بتواجد إيران في سوريا، خاصة أن النظرة الروسية حول التواجد الإيراني، تقول بأن إيران تعمل على مشروع مبني على أفكار دينية وطائفية، بينما تحاول روسيا الحد من هذا المشروع لأنه يهدد وجودها في سوريا قبل أي طرف آخر.

ولفت بريجع، إلى أن هناك تفاهمات ضمنية بين روسيا وإسرائيل، فيما يخص الدور الإيراني في سوريا، والشرق الأوسط بشكل عام، أساسها أن أمن إسرائيل يبقى على رأس أولويات السلطة الحاكمة في روسيا، وعليه، فإن روسيا سوف تستمر بغض النظر عن استهداف إسرائيل لإيران في سوريا، مهما كان شكل الاستهداف ونوعه، وزمانه ومكانه.

قد يهمك:إيران وإسرائيل في سوريا.. “كسر عظم” وتغيير استراتيجيات؟

تصعيد إسرائيلي لن يتوقف ضد إيران، وفي مقابله تمدد إيراني مستمر لا يتوقف أيضا، فإيران تقوم بعملية قضم بطيء في سوريا على أصعدة مختلفة، عسكرية واقتصادية واجتماعية، وإسرائيل وحلفاؤها يدركون كل ذلك، إلا أن بعض الحسابات المتعلقة بالتوتر الحاصل نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، وعدم وضوح ملامح الاتفاق النووي ستجعل التصعيد الأكبر ضد إيران مؤجلا على الأقل في الوقت الحالي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة