بعد أن بدأ حياته كموزع وجبات في روسيا وبخلفية جنائية، يبدو أن يفغيني بريغوجين، قد يكون أحد المنافسين على مقعد الرئاسة الروسية، وهو الذي قضى حياته مقرّبا من بوتين، واعترف مؤخرا بتأسيس ميليشيا “فاغنر” الروسية، التي تساند القوات الروسية في عدد من دول العالم.

تأسيس “فاغنر”

بريغوجين، خرج قبل أيام في تصريحات، أعلن فيها مسؤوليته عن تأسيس ميليشيا “فاغنر“، التي نشرت مرتزقتها حول العالم، ومتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في سوريا وإفريقيا وأوكرانيا، ذلك ما اعتبرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، مؤشرا على رغبة بريغوجين، في تصدير نفسه كقائد وتلميع صورته، في الوقت الذي يعاني منه بوتين، من ضغوط الغزو الروسي لأوكرانيا.

اعتراف بريغوجين، بتأسيس “فاغنر“، جاء بعد سنوات من نفيه جميع المعلومات والتحقيقات الصحفية، التي خلُصت إلى أنه يقف وراء تأسيس هذه المجموعة، ووصل هذا النفي إلى رفعه دعوى قضائية ضد صحفي ربطه بالمجموعة.

وأكد بريغوجين، أنه أسس هذه المجموعة لإرسال مقاتلين مؤهلين إلى منطقة دونباس الأوكرانية في 2014. وأضاف “منذ تلك اللحظة في الأول من أيار/مايو 2014، ولدت مجموعة وطنيين اتخذت اسم مجموعة كتيبة فاغنر التكتيكية“.

كيف بدأ؟

وبعد أن قضى تسع سنوات خلف أسوار سجن سوفيتي، بتهم السرقة والاحتيال، خرج يفغيني بريغوجين، عام 1990 ليرتقي سريعا في عالم فن الطهي. من بائع نقانق إلى “طباخ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين“.

وكان بريغوجين، يتولى إدارة سلسلة من متاجر البقالة في مدينة سانت بطرسبرغ، مسقط رأس بوتين. ثم توسعت هذه الأعمال لتشمل سلسلة مطاعم، حسبما نشرت صحيفة “ذا ديلي بيست” الأميركية.

وفي أواخر التسعينات، افتتح بريغوجين، “نيو آيلاند“، وهو مطعم عائم على نهر فياتكا، في سانت بطرسبرغ، حيث اشتهر المطعم بين النخبة الروسية، وبعد سنوات قليلة من افتتاحه، ظهر بوتين وهو يتناول العشاء فيه بصحبة الرئيس الفرنسي حينذاك جاك شيراك، أصبح بعدها من المقربين من الحكم في موسكو.

اعترافه بتأسيس “فاغنر”، عزز التكهنات، التي تحدثت عن محاولته تلميع صورته وتصدير نفسه كقائد، خصوصا مع تعرض بوتين، لضغوط عديدة من قبل أنصاره، نتيجة هزيمة القوات الروسية في العديد من الجولات العسكرية في أوكرانيا، فضلا عن التبعات الاقتصادية والداخلية، الناتجة عن غزو روسيا للأراضي الأوكرانية.

تقرير لموقع “القدس العربي“، أشار إلى توثيق دور مؤسس “فاغنر”، في إنشاء “مصنع الذباب الإلكتروني”، الذي حاول من خلاله التأثير على الانتخابات الأمريكية عام 2016، وتمويل شركة “فاغنر“. وتم فرض عقوبات غربية عليه، ولكن بريغوجين، ابتعد عن الأضواء حتى فترة قريبة.

محللون سياسيون وخبراء، يرجحون استغلال بريغوجين، لحالة الفوضى في روسيا، للوصول إلى موقع رسمي في الكرملين، ذلك ما يبدو واضحا بعد أن اتخذ خطوة غير عادية، بعدما انتقد أداء الجيش الروسي في الحرب قبل أيام.

كذلك ظهر في تسجيل مصور في أيلول/سبتمبر الفائت، تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يتجول في ساحة سجن في روسيا، متحدثا عن شروط التجنيد أمام نزلاء السجن الذي، ووعدهم بشطب مدد سجنهم لو قاموا بالخدمة مع القوات الروسية لمدة ستة أشهر.

قد يهمك:بعد هزائم الجيش الروسي.. “فاغنر” تجند السجناء للقتال في أوكرانيا

من مشاهد مساعيه لتصدير نفسه على أنه قائد، إظهار مشاركته في جنازة قائد في “فاغنر” قُتل في أوكرانيا، وسجي الكفن محاطا بالورود في قاعة النصر بمتحف معركة ستالينغراد بمدينة فولغوغراد الروسية، حيث ظهر بريغوجين، وهو يستقبل المعزين بلباس غير عسكري.

وفسّر متابعون هذه الجنازة، على أنها تلميح على الطريقة “الكريمة” التي يعامل بها، جنوده في “فاغنر“، مقارنة بالطريقة التي يعامل بها الجنود الروس في الجيش الرسمي، لا سيما مع الخسارات المتتالية التي مُني بها الجيش الروسي، وترك عشرات الجنود مرميين أو محاصرين.

تقرير لموقع “فرانس 24”، نقل عن الصحفي الروسي المتخصص بالخدمات الأمنية الروسية أندريه سولداتوف، قوله: “بعض الناس يعتقدون أنه من الأفضل الانضمام إلى فاغنر، عوضا عن التجنيد في وحدات روسية متواضعة المستوى، فأنت ستحصل على الأقل على سلاح مناسب“.

يحاول بريغوجين، الترويج للمعاملة الحسنة في “فاغنر”، إلا أن جميع التقارير التي تحدثت عن المجموعة في السنوات الماضية، أكدت أن هذا الترويج بعيد عن الحقيقة، فمع الغموض التي يحيط بـ“فاغنر“، أكدت الأدلة التي جُمعت من الهاربين ومن وزارة الدفاع البريطانية، أن المجندين مع الشركة يُلقى بهم في أتون المعركة بدون أي تدريب ومعدات مناسبة، مما يقلّص من فاعليتهم القتالية، بحسب ما نقل موقع “العربية نت“.

أسس بريغوجين، “فاغنر“، عام 2014، وهي شركة عسكرية خاصة لكنه حتى وقت قريب كان ينفي أي صلة فيها.

قد يهمك: تصاعد التوترات العسكرية في مالي.. ما علاقة “فاغنر” الروسية؟

وتدعم هذه الشركة، التي تؤكد تقارير صحفية، أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالكرملين، قائد قوات شرق ليبيا، خليفة حفتر، الذي قاتل حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، في وقت يقول الاتحاد الأوروبي إن مجموعة “فاغنر”، تهدد “السلام والاستقرار والأمن في ليبيا“.

كذلك شارك مرتزقة “فاغنر”، إلى جانب القوات النظامية في سوريا، كما نُشرت مرتزقة “فاغنر”، في ساحات معارك عدة شملت إفريقيا الوسطى والشرق الليبي.

وعادت “فاغنر” إلى الواجهة مؤخرا، بعد مشاركتها في مساندة القوات الروسية، عبر تجنيد السجناء، تزامنا مع إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين؛ مؤخرا، عن التعبئة الجزئية للقوات المسلحة الروسية.

قبل اعتراف بريغوجين، بتأسيس “فاغنر”، كانت عشرات التقارير والتحقيقات، وصلت إلى هذه المعلومة، لكن كان في كل مرة يخرج وينفي تلك الأنباء، كان آخرها ما نشرته “بي بي سي“، حول اللقطات التي أظهرته وهو يتحدث لسجناء روس بهدف تجنيدهم للقتال في أوكرانيا.

وقالت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، إنها تمكنت من التحقق من الفيديو، ويمكن مشاهدة يفغيني بريغوجين، بينما يخاطب مجموعة كبيرة من السجناء، قائلا لهم إن الفترات المحكوم بها عليهم يمكن تخفيفها في مقابل الانضمام للخدمة في صفوف مجموعة “فاغنر”.

ويؤكد الفيديو المسرّب تقارير متداولة منذ فترة عن محاولات روسيا تعزيز قواتها العسكرية عبر تجنيد أشخاص مُدانين بأحكام قضائية.

ولا تسمح القوانين في روسيا بتخفيف مُدد السجن في مقابل انضمام المحكوم عليهم للخدمة في صفوف المرتزقة.

وفي الفيديو يؤكد بريغوجين، أن “أحدا لن يعود وراء أسوار السجن” إذا انضم لصفوف مجموعة “فاغنر”.

يقول بريغوجين للسجناء: “إذا خدمتَ ستة أشهر (في صفوف فاغنر)، فأنت حر“. لكنه في الوقت ذاته يحذر المجندين المحتملين من مغبة الهروب من الخدمة قائلا: “إذا وصلت إلى أوكرانيا وقرّرت أنك لست معنيا بالأمر، فستواجه الإعدام ميدانيا“.

تقرير سابق لـ“الحل نت“، أشار إلى أن “فاغنر“، سحبت نحو 1000 مقاتل من ليبيا لتعويض خسائر الجيش الروسي في أوكرانيا، حيث تواجه انتكاسات وخسائر بشرية هناك، وذلك في نيسان/أبريل الماضي.

وقال الخبير العسكري الليبي، العقيد عادل عبد الكافي، الذي أدلى ببيان في آذار/مارس الماضي، إن “عدد المرتزقة التابعين لفاغنر والعاملين في ليبيا بلغ نحو 2200”.

وأوضح عبد الكافي، أن “روسيا قررت سحب 1300 مرتزق بسبب الحرب في أوكرانيا، وبقي نحو 900 مرتزقة في البلاد“، مضيفا أنه تم سحب المقاتلين على الطريق الواصل بين سرت وكفرة، كما تم الاستيلاء على قاعدة “كوفرا“، الجوية وقاعدة “باراك” الجوية، وتم تعزيزها بالمعادات العسكرية، نظرا لأنهما من المواقع الاستراتيجية في المنطقة.

في عام 2019، أرسلت وزارة الدفاع الروسية، الآلاف من المرتزقة ضن صفوف “فاغنر“، والمقاتلين السوريين إلى ليبيا لمساعدة حليفها، الجنرال المنشق خليفة حفتر، الذي حاول الاستيلاء على العاصمة طرابلس من الحكومة الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة. ومع أن الهجوم فشل، إلا أن المرتزقة الروس، ظلوا منتشرين في شرق ليبيا، حيث يسيطر جيش حفتر.

سوريا نقطة انطلاق وتجنيد لـ“فاغنر”

تقرير سابق لـ“الحل نت“، أوضح أن مرتزقة ينتمون لمجموعة “فاغنر“، وهي ميليشيا خاصة يديرها أحد أقرب حلفاء بوتين، وتعمل كفرع من الدولة، التحقوا بمهمة لقطع رأس حكومة زيلينسكي، مقابل مكافأة مالية مجزية، وذلك في نهاية شباط/فبراير الماضي.

وأضاف التقرير، أن أكثر من 400 مرتزق روسي يعملون في كييف بأوامر من الكرملين، لاغتيال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتمهيد الطريق لموسكو لتولي زمام الأمور.

وفي هذا السياق، برزت سوريا كأرض تجنيد لمجموعة “فاغنر” والجيش الروسي، ففي آذار/مارس الماضي، أفادت عدة تقارير إعلامية تابعها “الحل نت“، ورصد شهادات حولها عن وجود إعلان لمجموعات محلية مرتبطة بـ“فاغنر“، تتعهد بدفع راتب بنحو 3000 دولار للمقاتلين السوريين ذوي الخبرة القتالية من أجل القتال في أوكرانيا.

منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة“، أكدت في آذار/مارس الفائت، حصولها على معلومات تفيد بمشاركة شركة أمنية سورية، بنقل مقاتلين سوريين موجودين في ليبيا إلى سوريا تمهيدا لنقلهم إلى روسيا، للمشاركة في المعارك الدائرة على الأراضي الأوكرانية إلى جانب الجيش الروسي.

وأكدت المنظمة في تقرير لها، أن العملية تديرها شركة “فاغنر” الروسية، الأمنية شبه الحكومية، بمساعدة شركات أمنية سورية. كذلك أيضا صدرت أوامر عن الجانب الروسي من أجل تجهيز دفعة جديدة من المقاتلين المتواجدين في ليبيا حاليا تمهيدا لنقلهم إلى روسيا ومن ثمّ أوكرانيا.

كما كشفت مصادر خاصة لـ“الحل نت“، في كانون الثاني/يناير الفائت، أن شركتي “السند“ و“القلعة“، بدأتا مؤخرا استقبال طلبات مترجمينَ من العربية للروسية، ومدرّبين وجرّاحين ومعالجين وأطباء أسرّة ومهندسين وطهاة وسائقين، بالإضافة للرجال العسكريين كخبراء المتفجرات المقاتلين الفرديين.

وأوضحت المصادر، أن الشركتين تؤكدان للمتقدمين أن العقود المبرمة تنص على الخدمة مع “فاغنر” الروسية، في إقليم دونباس، وتنص الوثيقة على نشر المرتزقة في البلاد بالتنسيق مع الجيش الروسي ولحماية المصالح الروسية هناك.

وتعتبر هذه المجموعة، جزءا أساسيا من استراتيجية روسيا الأوسع المتمثلة بالحرب الهجينة، فهي مزيج من العدوان الحركي والإعلامي، لتعزيز المصالح الروسية عبر نشر مقاتلين يرتدون أزياء غير الزي الرسمي للجيش الروسي، كما حدث في شبه جزيرة القرم في 2014.

ومن الجدير بالذكر، أن “فاغنر”، نقلت الآلاف من عناصرها منذ شباط/فبراير الماضي للقتال في أوكرانيا، التي حذّرت من وجودهم وارتكابهم لجرائم ضد الإنسانية.

قد يهمك: كيف سترد واشنطن على النووي الروسي بأوكرانيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة