بعد فشل مساعي روسيا في احتلال جارتها الغربية، أوكرانيا، خاصة أنها كانت تخطط للاستيلاء على كييف، وإخضاع حكومتها أو استبدالها، وتحويل أوكرانيا إلى دولة تابعة لروسيا، بدأت روسيا في التراجع عن أطماعها، حيث بدأت في احتلال كافة المناطق الناطقة بالروسية في شرق وجنوب أوكرانيا، إلا أن هذه الخطط أيضا باءت بالفشل في مواجهة المقاومة الأوكرانية المدعومة بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية الغربية والأميركية.

الأمر الآخر الذي يشير إلى تراجع روسيا في طموحاتها باحتلال أوكرانيا، هو التصريح الروسي بأن “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا يجب أن تستمر حتى “تحرير” منطقة دونباس على أقل تقدير، حيث أن هذا البيان مؤشر قوي على التخلي عن أي طموحات أكبر فعليا تحت تأثير الواقع العسكري الذي تغيّر بشكل مباغت خلال الأسابيع الماضية.

وبالنظر إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لن يتراجع بأي حال من الأحوال عن موقفه الحالي المتمثل في إبقاء المناطق الأوكرانية التي أعلن ضمها، وهذه الخطوة اعتبرها الغرب والولايات المتحدة الأميركية، “غير شرعية”. ويمثل أيضا تصعيدا خطيرا جدا في إطار الحرب المستمرة منذ شهور عدة، كل هذا شكّل ضغوطا كبيرة على بوتين، الأمر الذي دفع به للذهاب إلى التلويح باستخدام الأسلحة النووية في غزوه لأوكرانيا، وهذه الحقيقة وافقت عليها نسبة كبيرة من المحللين والمسؤولين الغربيين أنفسهم؛ وهذا يعني أنه في حالة تعرض القوات الروسية لمزيد من الهزائم، كما حدث في خاركيف، فإن استخدام الأسلحة النووية سيكون خيارا قابلا للتطبيق وبقوة، لذا، من هنا تبرز تساؤلات عدة حول كيفية رد الولايات المتحدة، إذا استخدمت روسيا بالفعل أسلحة نووية، وما إذا كان بإمكان روسيا استخدام الأسلحة النووية في الأساس، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى حرب كبرى ضدها.

روسيا لن تتجرأ باستخدام “النووي”؟

المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي أي أي”، والجنرال في الجيش الأميركي المتقاعد ديفيد بيتريوس، حذر يوم الأحد الفائت من أن أميركا وحلفاءها، سيدمرون القوات والمعدات الروسية في أوكرانيا، وسيغرقون أسطولها في البحر الأسود، إذا استخدم بوتين أسلحة نووية في أوكرانيا.

وشدد رئيس المخابرات الأميركية السابق خلال ظهوره في برنامج “هذا الأسبوع” على قناة “إيه بي سي”، أن القوى الغربية تأخذ تهديدات بوتين النووية على محمل الجد، مشيرا إلى تصريحات مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، بأن العديد من المسؤولين الأميركيين قد حذروا موسكو بأنها ستواجه عواقب كارثية إذا استخدمت أسلحة نووية في أوكرانيا.

وبيّن بيترويس، أن الرد سيكون من خلال قيادة حلف شمال الأطلسي “الناتو” عبر جهد جماعي سيؤدي إلى القضاء على القوة الروسية التقليدية في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وكل السفن الروسية في البحر الأسود.

وأكد بترويس، أن الرد الأميركي لن يتوسع نوويا، أي إن الولايات المتحدة لن ترد بتصعيد نووي مع روسيا على الرغم من أن الأمر مروع للغاية. ولاحظ المسؤول الأميركي البارز أن الإشعاع النووي سيصل إلى دول حلف “الناتو”، مما يجعله بمثابة هجوم فعلي على الحلف.

في هذا الإطار، يرى حازم القصوري، الخبير في الشؤون السياسية والأمنية الدولية، أن استخدام روسيا للأسلحة النووية أمر مستبعد للغاية، بسبب قرب روسيا من أوكرانيا، وعواقب استخدام هذا السلاح قد تكون كارثية على روسيا نفسها.

وأردف القصوري، في حديثه لـ”الحل نت”، ثانيا، أن هدف روسيا الاستراتيجي، هو السيطرة على أربع أقاليم في أوكرانيا، وعلى رأسها مفاعل “تشيرنوبيل” النووي، إضافة إلى دوافع ومساعي روسيا الاقتصادية لفرض الروبل كعملة عالمية تنافس الدولار، كلها تؤكد أن بوتين، يريد رسم خريطة جديدة في عالم متغير وله دور مركزي، وبالتالي فإن خيار الاستخدام النووي مستبعد.

في حين قال الأكاديمي السياسي وضابط الاتصال السابق لحلف شمال الأطلسي “الناتو” في البلقان من 1997-1998، أيمن سلامة، إن الوضع الاستراتيجي في روسيا، من حيث الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والداخلية الروسية العامة، ليست مبشرة للزعيم الروسي، فلاديمير بوتين.

فمنذ بدء العملية العسكرية الروسية، التي وصفها بوتين بـ “المحدودة”، لكنها لم تكن عملية محدودة وغير واعدة لروسيا، وصف الرئيس الروسي بـ”الإذلال والمهانة” من قِبل الغرب والولايات المتحدة، على حد قول سلامة لـ”الحل نت”.

بحسب سلامة، فإن جميع النتائج حتى هذه اللحظة معاكسة ومغايرة ولا تتوافق مع كل ما خمّنه بوتين ومستشاروه ومساعدوه، وتحديدا في الجبهات العسكرية المباشرة في ساحة المعركة في أوكرانيا، حيث أن الخسائر الروسية كبيرة، من الناحية اللوجستية، من المعدات العسكرية إلى الناحية النفسية والمعنوية للقوات الروسية، الأمر الذي دفع بوتين للإعلان عن حالة التعبئة الجزئية مؤخرا.

هذه هي المرة الأولى التي تفعل فيها روسيا ذلك، ففي حربها ضد الشيشان أو أفغانستان، ولا أيضا في معاركها ضد جورجيا، ولا في عام 2014 عندما هاجمت شبه جزيرة القرم، فعلت ذلك، وفق الأكاديمي السياسي، أيمن سلامة.

لذلك، التلويح باستخدام القنابل النووية التكتيكية، لم يدركه بوتين وهو تصريح غير مسؤول، حتى جاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومستشاروه للتقليل من أهمية هذا التصريح، وشددوا على أن السلاح الروسي هو فقط لردع الأراضي الروسية، لذلك وفق اعتقاد سلامة، لن يستخدم الاتحاد الروسي أي قوة نووية خارج الحدود الروسية.

قد يهمك: المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.. هل تغيّرت المعادلة وما مصير التهديدات النووية؟

سيكون ردا دبلوماسيا؟

في شهر أيلول/سبتمبر الفائت، وجّه بوتين تهديدا مستترا باستخدام الأسلحة النووية، وأعلن حالة التعبئة الجزئية العسكرية بعد تقدم ميداني حققه الجيش الأوكراني.

وبعد ذلك قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في مقابلة، إن بلاده أرسلت تحذيرات سرية إلى روسيا لثنيها عن خيار الحرب النووية، محذرة من أنه ستكون لها “عواقب كارثية”.

كما ولفت بيترويس في إجابته عن سؤال عما إذا كان استخدام روسيا للنووي في أوكرانيا سيجلب أميركا وحلف شمال الأطلسي إلى الحرب، إلى أن حدوث مثل هذا الأمر لن يكون موقفا يؤدي إلى تفعيل المادة 5 من التحالف، التي تدعو إلى دفاع جماعي.

يرجع ذلك إلى أن أوكرانيا ليست جزءا من “الناتو”؛ ومع ذلك، فإن “رد الولايات المتحدة وحلف الناتو” سيكون جيدا، كما قال بيتريوس.

وبالعودة إلى الخبير في الشؤون السياسية والأمنية الدولية، حازم القصوري، يرى أنه في حال استخدمت روسيا الأسلحة النووية، فإن الرد الأميركي سيكون دبلوماسيا، أي أنها لن تبحث عن خيار للتصعيد النووي ضد روسيا، خاصة وأن بوتين يريد جر الولايات المتحدة إلى المواجهة الفعلية القائمة على العقيدة العسكرية الروسية السوفيتية وهنا يكمن الاختبار الفعلي.

أما الأكاديمي السياسي وضابط الاتصال السابق لحلف شمال الأطلسي “الناتو” في البلقان من 1997-1998، أيمن سلامة، أضاف أن المادة 5 من معاهدة “الناتو” يمكن أن تسميته بـ”الدفاع الشرعي الجماعي”، وتنص على أن أي عدوان عسكري على أي دولة من التحالف، فإن كل دول أعضاء الحلف بشكل جماعي سيرد على هذا الهجوم، لكن، أوكرانيا ليست عضوا في “الناتو”، وانضمامها سيكون بعد استقرارها.

وأن فكرة تهديد بوتين، باستخدام النووي هي نتيجة الانتصارات الأوكرانية الأخيرة، ورغم أن استخدام النووي احتمال ضعيف جدا، ولكن إذا تم استخدامه، فإن الإشعاع إذا أثر على أي دولة المتاخمة مع أوكرانيا وهم أعضاء “الناتو”، وبالتالي يعتبر هذا عدوانا عليهم حتى لو كان غير مباشر.

وفق سلامة، فإن هذا سيعتبر مسوّغا للرد، وسيكون الرد في البداية قصفا واستهدافا لجميع أجزاء الأسطول العسكري الروسي في البحر الأسود.

الرئيسين الأميركي والروسي- “العربية”

والجميع يدرك أنه منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، الأسطول الروسي هو الأضعف مقارنة بالدول الغربية، ويمكن أن تطال القصفات للوحدات والتشكيلات البرية وأيضا الطيران الروسي في الأراضي الأوكرانية، على حد تعبير سلامة لـ”الحل نت”.

قد يهمك: الصناعات الأوروبية تنتقل إلى الولايات المتحدة بسبب روسيا.. ماذا يحصل؟

ضرورة حل النزاع

ضمن السياق، وبالعودة إلى تصريحات بيتريوس، فقد أقرّ بأن احتمال امتداد الإشعاع إلى دول “الناتو”، ربما يمكن تفسيره على أنه هجوم على عضو في “الناتو”، وبالتالي يأتي تحت مظلة المادة 5، وأضاف: “ربما يمكنك إثبات هذه الحُجة. أما الحُجة الأخرى فهي أن هذا مروع للغاية؛ لدرجة أنه يجب أن يكون هناك رد، ولا يمكن أن يمر دون استجابة”.

مع ذلك، يقول بيتريوس: “أنت لا تريد الدخول مرة أخرى في تصعيد نووي هنا، لكن عليك أن تثبت أنه لا يمكن قبول هذا بأي شكل من الأشكال”.

يرى بيتروس، أن الرئيس بوتين “يائس”، وأنه يتعرض لضغوط متزايدة، لا سيما بعد المكاسب الأخيرة التي حققتها أوكرانيا في شرق البلاد، حيث استعادت مساحات شاسعة في خاركيف، التي كانت تحت سيطرة القوات الروسية.

السلاح النووي

في سياق متّصل، أفاد السيناتور ماركو روبيو، العضو الجمهوري البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، لشبكة “سي إن إن”، إن بوتين، كان يعتمد على خيارين: إنشاء خطوط دفاعية أو الانسحاب وفقدان الأراضي.

روبيو، أعرب عن اعتقاده بأنه “من الممكن جدا” أن يضرب بوتين نقاط التوزيع أثناء دخول إمدادات الولايات المتحدة والحلفاء إلى أوكرانيا، بما في ذلك داخل بولندا.

كما أقرّ السيناتور بالتهديد النووي، لكنه قال إن أكثر ما يخيف بشأن “هجوم روسي داخل أراضي الناتو، هو مثلا استهداف مطار في بولندا أو نقطة توزيع أخرى”، وأضاف روبيو: “بالتأكيد، الخطر قد يكون اليوم أعلى مما كان عليه قبل شهر”.

وعليه، فإن الاحتمالات مفتوحة في الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، فروسيا التي بدأت تستشعر الورطة الحقيقية التي وقعت فيها والخسائر الكبيرة التي تكبّدها جيشها في المعدات والأفراد، جعلت الحكومة الروسية تبحث عن أي مخرج ممكن من هذه الحرب حتى لو اضطرت لمخالفة القوانين الدولية باستخدام أسلحة محرّمة، خاصة وأن هذا الصراع العسكري لم يشهده العالم منذ أكثر من 30 عاما الماضية، وبالتالي يبدو أن هناك حاجة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لوقف هذه الحرب التي ربما قد تمتد لسنوات عديدة، والتي ستكون لها نتائج سلبية كارثية، ألا وهي أن تجلس واشنطن وموسكو، على طاولة واحدة وطرح الحلول لهذا الصراع من خلال اتفاق ما حتى لو كان سريا.

قد يهمك: ما سيناريو انتهاء الغزو الروسي لأوكرانيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.