معركة حامية الوطيس يشهدها الصومال إثر انتفاضة شنتها العشائر الصومالية ومعها القوات الحكومية، ضد “حركة الشباب” الإرهابية، في وقت تهدد الأخيرة العشائر بعدم وقف عملياتها، لكن دون جدوى، فالضعف بات واضحا على الحركة التابعة إلى “تنظيم القاعدة”.

اليوم ثمة هدوء حذر يسود جبهات القتال في إقليمي هيران وجلجدود، التي خسر فيها الجانبان الكثير من الضحايا، خاصة من “حركة الشباب”، التي لم تكن تتوقع أن العشائر التي كانت متحالفة معها، ستنتفض ضدها.

وتراجعت قوة “الشباب” العسكرية الميدانية بعد أن فقدت 50 من مسلحيها في المواجهات، التي شهدتها بلدة قوحولي بإقليم هيران، يوم الجمعة الماضي، والتي أدت أيضا إلى مقتل شيخ عشيرة و6 من حراسه.

على جبهة أخرى، حققت الشرطة الصومالية تقدما عسكريا في إقليم شبيلي الوسطى، حيث سيطرت على عدة قرى وطردت مسلحي “حركة الشباب” الإرهابية، من بلدة بصرة الاستراتيجية، والتي تقع على بعد 40 كيلومترا جنوب العاصمة مقديشو، التي تربط الأقاليم الوسطى بالأقاليم الجنوبية.

موقف واشنطن

محمود راغي، (علي طيري)، المتحدث العام باسم “حركة الشباب”، كان قد رد على إعلان الرئيس الصومالي الحرب على الحركة، وكذلك انتفاضة العشائر الصومالية ضد مقاتليها في عدد من أقاليم البلاد.

“طيري”، الذي ألقى خطابا أمام أعداد كبيرة من المقاتلين، حذّر العشائر الصومالية من أن تكون جزءا من الحرب على “حركة الشباب”، مهددا باستهداف أية عشيرة تنضم إلى خط المعركة.

كما وجّه تهديدا للمغتربين ورجال الأعمال والسياسيين، الذين يشاركون في “تحريض “العشائر ضد “حركة الشباب” بحسبه، وقال إن “أيدي الحركة ستصل إلى كل من يقوم بذلك”.

تلك التهديدات أظهرت عدم جدواها، إذ خسرت “حركة الشباب” أكثر من 20 بلدة كانت تخضع لسيطرتها، في وقت تشهد كل من الولايات الفيدرالية المحلية؛ هيرشبيلي وجنوب غرب الصومال وغلمدغ، عمليات أمنية مكثفة من قبل القوات الحكومية والعشائر، ضد الحركة المتطرفة.

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، كان قد أشاد في مؤتمر صحفي، عُقد في 12 أيلول/ سبتمبر الماضي، بالانتفاضة العشائرية، التي نتجت عن تراكم الاعتداءات التي يمارسها أتباع “حركة الشباب” بحق المواطنين وممتلكاتهم.

ولفت الرئيس شيخ محمود، إلى أن الحكومة ستستخدم كل وسائل الحرب “لدحر الإرهابيين في جميع أقاليم البلاد”، على حد تعبيره.

السفارة الأميركية في العاصمة مقديشو، علّقت مؤخرا على العمليات الأمنية التي تشهدها بعض الولايات الفيدرالية، قائلة، إن “نهوض السكان في وجه الشباب، وبدعم من القوات الحكومية والفيدرالية، ستحرر الصومال من الدمار الذي سببه العنف المتطرف”.

وتحاول الحكومة الصومالية استثمار انتفاضة العشائر ضد “حركة الشباب”، في بعض الولايات الفيدرالية، لتتمكن من دحر التنظيم الإرهابي، واحتواء نشاطه في الجنوب والوسط على الأقل.

أسباب اندلاع الانتفاضة

عوامل عدة ساهمت في تفجر الانتفاضة العشائرية ضد “حركة الشباب”، منها الأزمة الإنسانية التي يعيشها المواطنون، إلى جانب الأوامر المتشددة والإتاوات غير الشرعية المفروضة عليهم في هذا الظرف الإنساني الصعب، حسب تقرير لوكالة “الأناضول”.

من بين العوامل أيضا، هدم الآبار المعدودة، التي تشكل مصدر المياه الوحيد للقرويين، في ظل الجفاف الحاد الذي يضرب البلاد، ناهيك عن حرق الحركة لقرى بأكملها وتفجير أبراج الاتصالات واستهداف الحافلات العمومية.

ودفع استهداف الحركة لقافلة، ما أدى إلى مقتل 20 شخصا، بعشيرة حوادلي التي تقطن إقليم هيران، إلى الانتفاض على الحركة، وإجبار عناصرها على الانسحاب من عدة مناطق بالإقليم.

علي قلاوي، أحد شيوخ العشائر القاطنة في إقليم جلجدود، قال لـ”العربي الجديد”، إن انتهاكات “الشباب” بحق سكان إقليم جلجدود، أدت إلى أن يحمل الشباب والعلماء السلاح ومواجهتها عسكريا، وهزمها في بلدة بحذو، منتصف العام الحالي، لكن الحركة لم تستسلم، وبدأت بجمع ميليشياتها، وعمدت إلى إحراق القرى وتدمير الآبار.

وأضاف: “نَجَم عن هذه الخطوة ارتدادات عكسية، بعد أن قام سكان البلدات بحمل السلاح والثورة على الحركة وسط البلاد”، فيما رأت الحكومة الفيدرالية فرصة ثمينة لإمكانية هزم حركة “الشباب” عسكريا بوسط البلاد، إذا تعاونت مع العشائر المسلحة، وانضمت إلى القتال لترجيح كفة القتال لمصلحتها، بحسب قلاوي.

وتقاتل “حركة الشباب” المرتبطة بـ “القاعدة”، الحكومة المركزية الصومالية منذ أكثر من عقد، وتسعى لإقامة نظام حكمها الخاص على أساس تفسير متشدد للشريعة، وكثيرا ما تشن ضربات وهجمات بالأسلحة النارية وغيرها على أهداف عسكرية ومدنية.

وتشن “حركة الشباب” منذ 2007، تمردا ضد الحكومة الفيدرالية المدعومة من المجتمع الدولي، علما بأنها طُردت من المدن الرئيسية في البلاد، بما فيها العاصمة مقديشو في 2011، لكنها لا تزال تنشط في مناطق ريفية شاسعة وتشكل تهديداً كبيراً للسلطات.

المعركة المستمرة حاليا، والتي اتخذت الهدوء مؤقتا، أسفرت عن مقتل عدد من عناصر الشرطة الصومالية، أبرزها قائد شرطة إقليم بنادر -العاصمة مقديشو- فرحان محمود قرولي، الذي شُيّع جثمانه السبت الماضي في مقديشو، وسط حضور عدد كبير من قيادات الجيش ونواب، إلى جانب الرئيس حسن شيخ محمود، ورئيس الحكومة الفيدرالية حمزة عبدي بري.

“فرصة ثمينة”

في تصريح غاضب، قال الرئيس الصومالي شيخ محمود، خلال تشييع قرولي، إن “أيام حركة الشباب الإرهابية باتت معدودة، ولم تعد تحظى بالكثير من الوقت. يحتاج الأمر فقط إلى يقظة وعزم وإصرار لمواجهتها، وجرأة من أفراد وعناصر القوات المسلحة، وحان هذا الوقت”.

شيخ محمود، أشار إلى، أن “زمن القضاء على هذه الحركة بات قريبا أكثر من أي وقت مضى، وأن الدولة متفوقة عليها من حيث العدد والعتاد (…) وأن الصومال لديه اليوم عدو واحد، هو حركة الشباب، وكل من يتعاون معها يصبح مجرما”.

تزامن تفجر الانتفاضة العشائرية مع إطلاق الحكومة الصومالية لحرب ضد “حركة الشباب”، الأمر الذي وضع الحركة في موقف ضعف لمواجهة جبهتين حربيتين مختلفتين في آن واحد.

في السياق، قال عبد القادر هاجر، المحلل في مركز “سهن” للبحوث، إن “الظرف الأمني الذي تعيش فيه حركة الشباب في هذا التوقيت، يشكل فرصة أمنية ثمينة للحكومة، في حال استثمرت تلك الفرص بطريقة استراتيجية وفعالة”.

وأوضح هاجر، حسب تقرير لوكالة “الأناضول”، أن “حركة الشباب” تبيّن عدم قدرتها على المواجهة “أمام هذه الثورة، التي اندلعت نتيجة ممارستها المتشددة، والضرائب الكبيرة التي تفرض على القرويين”.

وأشار المحلل السياسي، إلى أن “الاستراتيجية الأمنية الحكومية الحالية لدعم العشائر، تُغير مجريات الحرب المعهودة بين القوات الحكومية ومقاتلي الشباب (…) خصوصا وأن العشائر بإمكانهم الوصول إلى مناطق لا يمكن للقوات الحكومية الوصول إليها، واستهداف عناصر الشباب في عقر دارهم”.

هاجر، اعتبر، أن “الثورة العشائرية بمثابة فرصة نادرة للحكومة قد لا تتكرر ثانية؛ لأنها نابعة من تراكم الاعتداءات الإرهابية طيلة 15 سنة الماضية (…) وهي تعكس مدى جاهزية الشعب للحد من ممارسة الإرهابيين”.

ودعما لانتفاضة العشائر، حذر الرئيس شيخ محمود، الشعب من الاقتراب من مواقع “حركة الشباب”، كونها هدف للقوات الحكومية التي ستستخدم كل وسائل الحرب لدحر الإرهابيين، بما فيها الغارات الجوية، بحسبه.

من جهة أخرى، تستمر التحالفات العشائرية في كل من ولايات هيرشبيلي وغلمدغ وجنوب غرب الصومال، لمواجهة “حركة الشباب”، وتحرير مناطق سكناهم من تسلط تلك الحركة.

سيناريوهات حسم المعركة

حول إمكانية إلحاق الهزيمة بـ “حركة الشباب”، اعتبر تقرير لـ “العربي الجديد”، أن “دحر نفوذ الحركة يمكن أن يتحقق إذا استغلت الحكومة الفيدرالية الثورة الشعبية ضدها، وأدارت العملية العسكرية بشكل جيد، وهذا ما فعلته الصحوات في العراق لهزم “القاعدة” و”داعش”.

التقرير أردف، أن “المعركة الفكرية جزء أساسي في مواجهتها، عبر توجيه العلماء لدحض أفكارها، لأن هناك الكثير من المتعاطفين والمتحمسين مع أفكار حركة الشباب”.

وأشار التقرير، إلى أنه “على الحكومة أن تقيم نظاما إداريا في المناطق التي يتم تحريرها من قبضة الشباب، حتى لا تترك مجالا للحركة للعودة إلى تلك المناطق مجدداً”.

أما سيناريوهات المعركة العسكرية ضد “حركة الشباب”، فرأى المحلل السياسي عبد العزيز برو، أن “الحرب ضد الحركة يمكن أن تنتهي بطردها من مناطق نفوذها وسط البلاد وجنوبها، وإجبارها على الدخول في مفاوضات مع الحكومة الفيدرالية”.

بدوره قال المحلل الأمني أحمد عبدي، في حديث لـ “العربي الجديد”، إن “هزيمة الشباب في الفترة القادمة أمر صعب، إذ إنها قوية وتملك المال، وقادرة على شق صفوف الثائرين والعشائر المنتفضة ضدها. لكن إذا ابتعدت الحكومة الفيدرالية عن ارتكاب أخطاء استراتيجية عسكرية، خاصة في توزيع الأسلحة والمؤن على القبائل التي تقاتل الشباب، فإن المعركة قد تؤدي إلى إنهاء وجود الحركة في البلاد”.

عبدي توقع، “استمرار هذه المعركة لفترة طويلة، لأن استراتيجية حركة الشباب تعتمد على حرب الكر والفر، حيث تنسحب من المناطق التي تهاجمها القوات الحكومية، لتقليل خسائرها البشرية، قبل أن تعود وتهاجم”.

وكانت القبيلة تشكّل بالنسبة لعناصر “حركة الشباب”، بيئة مناسبة لتمرير أجنداتها والعيش فيها دون أي ملاحقات أمنية، وبعلم من سكان القبيلة، وتستمر هذا الوضع ما دامت القبيلة في أمان، وغير مستهدفة بالعمليات الإرهابية التي كانت تنفذها “حركة الشباب”، والتي غالبا ما تستهدف العاملين في الهيئات الحكومية، لكنه اختلف بعد استهداف الحركة للعشائر.

في المحصلة، فإن أي انتصار على “حركة الشباب” المتطرفة في المعركة الحالية، يتوقف على الاستراتيجية التي ستعتمدها الحكومة الصومالية لاستغلال انتفاضة العشائر وتعاونها معها، وتطويعها لصالحها ضد الحركة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.