الأمور تسير على ما يرام. هكذا هو المشهد فيما يخص مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لا بل أن المفاوضات انتهت، ولم يتبق سوى التوقيع، ونهاية عامين من المفاوضات التي رعتها واشنطن، فما هي التفاصيل؟

نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بو صعب، قال في مقابلة مع محطة تلفزيونية لبنانية، أمس الثلاثاء، إن مفاوضات ترسيم الحدود انتهت، وأن لبنان قدم للولايات المتحدة قائمة بتعديلات يرغب في إدخالها على اقتراح، بشأن كيفية ترسيم حدود بحرية متنازع عليها مع إسرائيل.

وأضاف بو صعب، المكلف من الرئاسة اللبنانية بمتابعة ملف ترسيم الحدود مع واشنطن، أنه قدم في وقت سابق لسفيرة الولايات المتحدة في لبنان “التعديلات” التي تريدها بيروت، مشدّدا على أن لبنان لن يدفع من حصته تعويضات لإسرائيل من حقل “قانا”، الذي يمتد إلى جنوب الخط 23.

الوسيط الأميركي وجد حلا لهذا الأمر مع الفرنسيين وشركة “توتال” الفرنسية -المكلفة بالتنقيب في المياه اللبنانية- بحسب بو صعب، الذي لفت إلى أنه لا يعتقد أن التعديلات المقترحة ستفسد الاتفاق حول ترسيم الحدود البحرية مع تل أبيب.

وكشف بو صعب، أنه تبيّن في دراسة بالأبعاد الثلاثية لشركة “توتال” الفرنسية، وجود 1.7 تريليون مكعب من الغاز، في حقل “قانا” من حصة لبنان مقابل 1.2 تريليون، في حقل “كاريش” من حصة إسرائيل، وتوقع إنجاز شكليات الاتفاق على ترسيم الحدود في غضون 15 يوما.

“يُعنى بالحدود البحرية”

مصادر لبنانية رفيعة قالت ما مفاده: “نحن في الأمتار الأخيرة من إبرام الاتفاق، وهو من مصلحة لبنان، وهناك عوامل عديدة لعبت دورا في تسريع المفاوضات”.

وقد أفادت الإذاعة الإسرائيلية، بأن المجلس الوزاري الإسرائيلي الأمني السياسي المصغّر، سيجتمع الخميس المقبل، لبحث التصديق على صيغة مسودة الاتفاق التي تقدمت بها الولايات المتحدة لتسوية النزاع الحدودي البحري مع لبنان.

حديث بو صعب، أتى بعد أن شددت سفيرة واشنطن لدى بيروت دوروثي شيا، أمس الثلاثاء، خلال لقاء معه على ضرورة “الإسراع في إنجاز الرد اللبناني على مسودة المقترح الأميركي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل”، مبدية اهتمام بلادها بـ “إنجاز هذا الملف في أقرب وقت”.

شيا، اطلعت على نتائج المحادثات التي حصلت في القصر الرئاسي ببيروت، الاثنين الماضي، وحول ملف الترسيم البحري والملاحظات النهائية التي وضعها الجانب اللبناني على المسودة التي وصلت من الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، حسب بيان لمكتب بو صعب.

حسب تقرير لـ “العربية نت”، فإن الاتفاق هو “الحد الأدنى” الذي يمكن للنخب اللبنانية و”حزب الله” قبوله، مبينا أن هناك تطورات لعبت دورا في تسريع الاتفاق “منها السياسة الإسرائيلية الداخلية وديناميكيات الطاقة التي برزت مع النزاع في أوكرانيا”.

التقرير أوضح، أن “الاتفاق البحري المحتمل سيكون نهائيا ويُعنى بالحدود البحرية دون البرية، وبالأساس الخط 23 لا ينطلق من نقطة برية (…) وأن الاتفاق سيساهم بتعزيز الاستقرار جنوب لبنان”.

رئيس الجمهورية ميشال عون، تابع من جانبه التطورات المتعلقة بالملاحظات التي أبداها لبنان بشأن العرض الذي قدمه الوسيط الأميركي، بحسب بيان للمكتب الإعلامي للرئاسة اللبنانية.

رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، قال بدوره إن الأمور “تسير بالشكل الصحيح”، في تصريحات للصحفيين بعد انتهاء اجتماعه الثلاثي مع عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، في قصر الرئاسة شرق بيروت، لبحث العرض الأميركي الخاص باتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.

قبل ذلك قال بو صعب، أول أمس الاثنين، إن “لبنان حصل على حقوقه كاملة في حقل قانا النفطي (…) ولن يتم توقيع لا اتفاق، ولا معاهدة مع العدو الإسرائيلي”.

استقالة رئيس الوفد الإسرائيلي

عون، قال مؤخرا، إنه سيحدد موقف بلاده من مضمون العرض الأميركي لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بالتشاور مع كل من رئيسي البرلمان وحكومة تصريف الأعمال، وعلى ضوء ملاحظات اللجنة الفنية المشكّلة لهذه الغاية.

وأكد عون، خلال استقباله مديرة أفريقيا والشرق الأوسط بوزارة الخارجية الفرنسية، قبل أيام وجيزة، أنه لن تكون هناك أية شراكة مع إسرائيل في عمليات التنقيب بحقول النفط الجنوبية.

الرئيس اللبناني، جدّد حرصه على ضمان حقوق لبنان في مياهه، وتوفير الظروف الملائمة لبدء عمليات التنقيب في المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة.

من جانب آخر، قالت وسائل إعلام إسرائيلية، أول أمس الاثنين، إن رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض في ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان أودي أديري، قدم استقالته.

صحيفة “جيروزاليم بوست”، أشارت إلى أن الاستقالة جاءت؛ بسبب إحباط أديري، من طريقة تعامل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مع المفاوضات الجارية مع لبنان.

كان الوسيط الأميركي هوكشتاين، قدم اقتراحا بمثابة حل وسط لإسرائيل ولبنان، بعد العديد من الزيارات والاتصالات مع الجانبين خلال الأشهر الماضية.

ويتنازع لبنان مع إسرائيل على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط، تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا، وتتوسط الولايات المتحدة الأميركية في مفاوضات غير مباشرة بينهما، لتسوية النزاع وترسيم الحدود.

وحسب تقارير صحفية، أول أمس الاثنين، فإن إسرائيل وافقت على الشروط اللبنانية بخصوص ترسيم الحدود البحرية، وبالتالي سيكون لبيروت الحق في التصرف في كامل الخط 23، إضافة إلى حقل “قانا” كاملا.

وتسلّم لبنان السبت الماضي، رسميا من طرف الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، الرد الخطي لترسيم الحدود البحرية، بعد أشهر من المفاوضات والتهديد بالتصعيد العسكري الذي أطلقه “حزب الله” الموالي لإيران.

كان الرد الإسرائيلي قد وصل السفارة الأميركية في بيروت، ثم اجتمعت الرئاسات اللبنانية الثلاث عقب وصول الرد، وجرى لقاء بينهم وبين سفيرة واشنطن لدى بيروت دوروثي شيا، صباح السبت الماضي.

لماذا يستعجل لبنان؟

الكاتبة والمحللة جوزفين ديب، قالت إن “لبنان مستعجل لعدة أسباب، أولها عزم الرئيس ميشال عون، على اختتام عهده بتوقيع اتفاقية الترسيم، بما لها من أهمية استراتيجية على السنوات المقبلة في السياسة والأمن والمال”.

السبب الثاني، هو رغبة “حزب الله” في الانتهاء من هذا الملفّ، هربا من إحراج كبير بعد تصعيد مواقفه وعدم قدرته على تنفيذ التهديدات مع اقتراب موعد التنقيب الإسرائيلي، وفق ديب.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، قال في وقت سابق، إن الاتفاق مع لبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية ليس ضمانة أمنية لمنع الاحتكاك مستقبلا مع “حزب الله”، لكنه سيعزز الاستقرار والردع، ويضعف تبعية لبنان لإيران، على حد وصفه.

“حزب الله”، حذر مرارا إسرائيل من القيام بأي نشاط في “كاريش”، قبل التوصل لاتفاق بهذا الشأن مع لبنان. وفي الثاني من تموز/ يوليو الفائت، قالت إسرائيل إنها اعترضت ثلاث مسيرات تابعة لـ “حزب الله”، كانت متجهة إلى منطقة حقول الغاز في البحر المتوسط.

هذا الجدل القائم بين الجانبين، يتمحور حول تمسك لبنان بأحقيته الكاملة في حقل “كاريش”، كونه يقع داخل جزء من المياه المتنازع عليها مع إسرائيل، فيما كانت الأخيرة تقول إن “الحقل بأكمله يقع في منطقتها الاقتصادية الخالصة”.

ثالث الأسباب حسب ديب، هو أن توقيع الترسيم مع إسرائيل سيمهّد لمرحلة استقرار أمني من جهة، ويعد لبنان بمجموعة استثمارات من جهة أخرى، “على ذمّة القوى الدولية على الأقلّ”.

الرئاسة اللبنانية تسعى للتوصل إلى اتفاق بسرعة مع تل أبيب، والتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، ليكون بمثابة أنجاز له.

الرد الإسرائيلي يتكون من 10 صفحات، والاتفاق إن تم فستكون له انعكاسات إيجابية على الملفات الأخرى، على وجه الخصوص الانتخابات الرئاسية اللبنانية والخروج من الأزمة المالية والاقتصادية، حسب تقرير لـ “عربي بوست”.

وفق رئاسة مجلس النواب اللبناني، فإن الرد الذي تم تنسيقه بين الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، والمسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، يتضمن منح لبنان الخط 23، بالإضافة إلى حقل “قانا” من دون اقتطاع أي جزء من البلوكات النفطية اللبنانية.

أما بخصوص المنطقة الآمنة، أو ما يُعرف بـ “خط العوامات”، فتبقى تحت السيادة اللبنانية، على أن تكون منطقة أمنية، وبذلك ينطلق خط الترسيم من عمق البحر بمسافة 6 كيلومترات، حسب رئاسة مجلس النواب اللبناني.

وستبقى كل المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية على حالها، مع عدم منح أي جزء منها لإسرائيل، وسيتم إعلان المنطقة الواقعة بين “خط الطفافات” والخط 23 منطقة آمنة، ولكن تحت السيادة اللبنانية؛ لأنها تابعة للمنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، كما أكدت رئاسة مجلس النواب.

ما الذي سيتضمنه الاتفاق؟

هوكشتاين، خيّر لبنان في وقت سابق، بين أن ينطلق الترسيم من النقطة 31 التي حددها الإسرائيليون باتجاه البحر، بعمق 6 كيلومترات، وبعدها يتماهى هذا الخط مع الخط 23، وبحال تم الاتفاق على هذا الخط بالاقتراح، فيقبل لبنان أن يتضمن إشارة واضحة إلى أن اعتماده لا يؤثر مستقبلا بأي شكل من الأشكال على الترسيم البري؛ لأن لبنان غير مستعد للتنازل عنها.

المقترح الآخر، كان ينص على الانطلاق في ترسيم الخط 23 من النقطة المسماة بحريا B1، بشرط أن تكون المنطقة الفاصلة بين B1 والنقطة 31 الإسرائيلية، هي منطقة أمنية خاضعة لسيادة الأمم المتحدة، وهذا أمر رفضه لبنان.

لذا يتضمن الاتفاق، الانطلاق في الترسيم من النقطة 31 على مسافة 6 كيلومترات باتجاه البحر، وبعدها يصبح الخط متماهيا مع الخط 23، مع عبارة واضحة بأن لا صلة لهذا الترسيم بالترسيم البري مستقبلا، وفق حديث مصدر دبلوماسي غربي لـ “عربي بوست”.

المصدر الدبلوماسي أكد، أن الاتفاق سيتضمن عبارة واضحة “لا يعتبر حقل قانا جغرافيا كاملا للبنان، بل يعتبر مخزونه المستخرج كاملا للبنان”، بالمقابل سيتضمن أيضا عبارة “عدم مسؤولية لبنان عن التعويض للجانب الإسرائيلي”، وبالتالي فإنّ شركة “توتال” الفرنسية المسؤولة عن التنقيب والاستخراج، ستمنح عائدات الإنتاج للبنان فقط.

بعد أن أعلنت بيروت أن المفاوضات انتهت، يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تجتمع للمصادقة على الرد اللبناني، يليها تحديد جلسة محادثات غير مباشرة بين جميع الأطراف في مقر “اليونيفيل” في الناقورة جنوب لبنان، من أجل مراجعة آخر التفاصيل الفنية والخرائط الداعمة وإعداد النسخة النهائية للاتفاقية.

ويمكن بعد ذلك التوقيع على الاتفاقية، وعلى أوراق منفصلة من قِبل لبنان وإسرائيل، وسيتعين أيضا على ممثلي “الأمم المتحدة” والولايات المتحدة التوقيع على الوثائق.

أما على الصعيد اللبناني، فسيوقع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزيرا الأشغال العامة والدفاع الوطني، على الوثيقة التي ستُرسل إلى “الأمم المتحدة” على شكل مرسوم جديد لترسيم الحدود البحرية.

يشار إلى أنه في العام 2020، انطلقت المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، وكانت الولايات المتحدة الأميركية عرّابة المحادثات؛ وعند الجولة الخامسة توقفت المباحثات في أيار/ مايو 2021، والسبب خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها في البحر المتوسط.

بعد سنتين قررت واشنطن، إحياء الملف لحله جذريا، وفي حزيران/ يونيو الماضي، تصاعد التوتر بين لبنان وإسرائيل، حين وصلت إلى المنطقة البحرية المتنازع عليها سفن تابعة لشركة “إنيرجيان”، مخصصة لاستخراج الغاز استؤجرت لحساب إسرائيل، مما سرّع عملية التفاوض حتى وصلت لنهايتها، وقرب توقيع الاتفاق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.